كتب إبراهيم بيرم: أي دور مستقبلي لـ"
حزب الله" في الساحة
العراقية المشتعلة؟ سؤال طرحه البعض من باب معرفة ما اذا كان الحزب سيذهب الى هناك لنجدة حلفائه على غرار ما فعله في الساحة السورية المجاورة لدرجة انه صار في ميدانها رقماً اساسياً يحسب له ألف حساب، وأثاره البعض الآخر من مدخل التحليل القائم على الربط المحكم بين مكونات مشهد الاقليم المتداخل والساحات المشتعلة فيه بدءاً من لبنان الى سوريا فالعراق.
لم يعد ثمة شك في ان الحزب وسواه من القوى والاطراف المعنيين باتوا يعتمدون نظرية "الاواني المستطرقة" وهم يقرأون المشهد المتداخل بين العراق وسوريا ويذهبون الى خلاصة فحواها ان ثمة تأثيرات متبادلة بين مسار الوضع الميداني والسياسي في الساحتين الى حد القول ان تنظيم "داعش" ما فجرّ الوضع في العراق على هذا النحو الا بغرض التعويض عن الاخفاقات الميدانية الواضحة التي مني بها في الساحة السورية وتراجعه عن كثير من المكاسب السريعة التي حققها قبل نحو ثلاثة اعوام.
وبالطبع ثمة استنتاج آخر يدخل في حسابات دوائر القرار والتحليل لدى الحزب وجوهره ان "الداعشيين" ومن يقف وراءهم ما خاضوا غمار هذه المغامرة المكلفة في الساحة العراقية والتي بلغت حد المقامرة بكامل الرصيد العسكري الا لأنهم أيقنوا امرين:
الأول: ضرورة التشويش على الانتصارات والمكاسب الميدانية والسياسية التي حققها النظام في سوريا على معارضيه.
الثاني: ضرورة الحد من تعاظم مكاسب المحور السوري – الايراني وما يدور في فلكه من قوى لكي يبقى لدى المحور الآخر اوراق قوة يفاوض عبرها لاحقاً، خصوصاً بعدما ايقن ان هناك تفاوضاً جدياً بين واشنطن وطهران ما بدأ الا بقصد الوصول الى نتائج تضع حداً للكباش الحاد الدائر بينهما على اكثر من ساحة منذ اكثر من ثلاثة عقود. وبناء على هذه القراءة الراسخة لدى تلك الدوائر لم يفاجأ الحزب بمبادرة عواصم الخليج الى تحميل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية ما حصل على قاعدة ظلمه للآخرين وتهميشه للمكون العراقي الآخر، ولم يفاجأ في مسارعة هذه العواصم ومن تبعها من قوى الى اسباغ صفة "الثورة" على التمدد "الداعشي" واغفال الحديث عن الطبيعة المتطرفة والارهابية لهذا التنظيم الصاعد نجمه حالياً وهو "داعش"، مما بدا "مباركة" ضمنية لما اقدم عليه هذا التنظيم في ليلة ليلاء.
لكن ذلك، على بداهته، لا يمنع طرح السؤال عن طبيعة تعامل "حزب الله" مع العنصر المستجد والفاعل ميدانياً وسياسياً في ساحة هي لا شك ساحة صديقة بالأصل للحزب ومحوره.
ثمة ولا ريب كلام متسع عن مجموعة نخبة من مجموعات الحزب ذهبت الى الساحة العراقية قبل ايام قليلة لا بقصد المشاركة في
القتال، بل بقصد استطلاع الموقف هناك ودرس اسباب الهزيمة التي مني بها الجيش العراقي وسبل تقديم الدعم وخصوصاً في مجال التدريب لاحقاً.
وبصرف النظر عن دقة هذا الامر وصحته والذي لا يمكن ان نجد نفياً او تأكيداً له من جانب الحزب الذي اعتاد تعمد الغموض في حراكه، فان الثابت ان الحزب لن يتعامل مع احداث الساحة العراقية بالدرجة عينها التي قارب فيها حدث الساحة السورية سابقا لاعتبارات وحسابات عدة ابرزها:
- البعد الجغرافي عن الساحة العراقية خلافاً للساحة السورية التي هي بالنسبة اليه العمق الحيوي التاريخي لمشروعه.
- ان الساحة العراقية هي اقرب جغرافياً وتاريخياً لطهران، وبناء عليه هي اولاً واخيراً في عهدة القيادة الايرانية التي تعرف حق المعرفة شعابها وأدق تفاصيلها.
- لا شك ان ثمة في الحزب من يأخذ على القيادات العراقية قصوراً في استشراف المخاطر وتضييع الوقت في خلافات وحسابات معقدة سمحت للتنظيم الارهابي باستغلال الوقت ومفاجأة هذه القيادات ومعها الجميع.
- الدوائر عينها تعرف ان بغداد تلقت ضربة معنوية كبيرة من خلال فقدانها ما يقدر بنحو ثلث مساحة وسط العراق واقتراب "داعش" من العاصمة، لكن قيادة الحزب على ثقة بأن العراقيين قادرون على استعادة زمام الأمور سريعاً اذا ما حسموا خياراتهم وايقنوا ان انتماءهم الى محور المقاومة الممتد ليس مسألة ترف، بل هو ممر اجباري للمواجهة وللمحافظة على العراق كله ولإعادته الى وضعه الطبيعي.
- ان الحزب على علاقة "ناعمة" بالعراقيين وله بينهم ولا ريب صداقات وعلاقات، ولكنه يعرف ان للعراقيين شخصيتهم المقيمة على فرادة عدم القبول "بأستذة" الآخرين عليهم أو كونهم تابعين لجهة معينة. لذا فالحزب الذي لم ينسَ بعد ردة الفعل السلبية من جانب العراقيين على طرح أمينه العام السيد حسن نصرالله عشية الاجتياح الاميركي للعراق فكرة "طائف عراقي" لتجنب كأس التدخل العسكري الاميركي، لا يمكن وقد تغير واقع الحال بدرجة كبيرة ان يعيد الكرة.
وعموماً فالحزب يعرف صعوبة وضع العراقيين الآن ولكنه مطمئن الى قدرتهم على استعادة ما خسروه معنوياً وميدانياً. لذا فهو ما برح بعيداً كل البعد عن فكرة التدخل المباشر، وهو مع ذلك لا ينفي انه يرصد بدقة مآل الوضع هناك ويعي تماماً ان المسار والمصير لهما تأثير مباشر على وضع الساحتين اللبنانية والسورية.
(النهار اللبنانية)