في مقال له صحيفة "
إندبندنت أون صاندي"، تطرق الصحفي والكاتب البريطاني
باتريك كوكبيرن إلى تحليل ما جرى في
العراق، بخاصة الانهيار غير المسبوق للجيش العراقي أمام مليشيات داعش ومن تعاون معها من مسلحين، ومن صم دلالاته وتداعياته على المنطقة.
وقال كوكبيرن في مقاله "من الصعب التفكير بأي سابقة تاريخية انهارت بها قوات جيش مكونة من مليون رجل، بما في ذلك 14 فرقة عسكرية مباشرة بعد هجوم من قوة عدو يقدر عددها بما بين 3.000 – 5.000 مقاتل". وهي عملية سحق لا سابقة لها في التاريخ.
ويضيف "كتبت سابقا في هذه الصحيفة أن قوات الأمن العراقية هي فاسدة قامت باستغلال واضطهاد السكان المحليين، وكان مهما قيام داعش في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بتأمين السيطرة على الفلوجة بدون أي جهود قوي من الجيش العراقي لإخراجهم منها غير القصف الذي لا يميز أحدا".
ويعتقد أن فساد قيادة الجيش العراقي هي عامل من عوامل فقدان الروح القتالية، ففي جيش يستثمر الجنرال في منصبه مليوني دولار ليصبح قائد فرقة ويستعيد المال من نقاط التفتيش التي يقيمها على الشوارع، لا يجد الجنود الرغبة بالقتال والموت في مواقعهم وهم يواجهون داعش، لأن أعمالهم كانت عن تحقيق المال لهم ولعائلاتهم.
ولم يتلق الجنود التدريب الكافي لمواجهة العدو، فرغم التمرينات والتدريب الذي تلقوه فقد تعلموا على استخدام الكلاشينكف والبنادق مع وجود قلة من الجنود ممن تدربوا على أساليب مكافحة الإرهاب.
وقال الكاتب إن جذور الأزمة الحالية تعود للطريقة التي تصرفت فيها القوات العراقية وعاملت حكومة نوري المالكي العرب السنة. فقد تصرف الجيش كقوات احتلال ولهذا كرهه الناس وخافوه. وفضلوا والحالة هذه مقاتلي داعش الذين مهما كانت طبيعتهم متعطشة للدماء وقتلة إلا أن أهل الموصل فضلوهم على القوات الحكومية.
وقدم الكاتب صورة عن حرمان وتهميش السنة، واستبعاد رجالهم من الوظائف لأن الأموال كانت تنفق في أمكنة أخرى وكان يطرد السنة من وظائفهم فجأة ويحرمون من التقاعد لأنهم كانوا اعضاء في حزب البعث السابق.
وتلقى مدرس سني يعمل منذ 30 عاما، ورقة وضعت تحت باب بيته تخبره بعدم الحضور للمدرسة، لفصله بناء على هذا السبب وتساءل، "ما الذي علي عمله، وكيف سأطعم عائلتي؟".
ويضيف الكاتب أن التمييز الطائفي أصبح أمرا شائعا ضد الخمسة أو ستة ملايين سني. فقد تلقي الشرطة القبض على سني وتعذبه حتى يعترف ويحكم عليه بالسجن مدى الحياة أو حتى يعدم، وحتى لو تمت تبرئته من التهم فكانت عائلته تضطر لدفع ما بين 50.000 -100.000 دولار كي تدفع ضابطا في السجن حتى يوقع أوراق الإفراج عنه.
ولهذا فالغضب والحنق على هذه الممارسات مرتبط بما يجري اليوم، فالسنة العرب في الموصل قلقون من داعش ولكنهم يعيشون رعبا لو عاد الجيش العراقي ومارس انتقامه حالة استعادته للمدينة. فقد علمت تجارب الماضي أهالي السنة الخوف، ففي عام 2003 عندما سيطر المقاتلون على المدينة لوقت قصير أصبح كل سني عرضة للاعتقال والتعذيب والإعدام.
ويرى الكاتب أن داعش هو الذي بدأ بالهجوم لكن جماعات أخرى انضمت إليه، "فنحن الآن نشاهد انتفاضة شعبية سنية، ومن سيطروا على تكريت مدينة صدام حسين ليس مقاتلوا داعش بل الجنود السابقون في الجيش العراقي السابق".
ويعلق أن نجاح داعش يعتمد على تصرفاته مع السكان وعدم تكرار أخطاء فترة 2006-2007، عندما همشت القاعدة السنة مما سمح للامريكيين التعاون معهم وإخراج القاعدة من مناطقهم.
لكن حكومة نوري المالكي اقترفت الأسوأ فقد عذبت واضطهدت السنة بطريقة وحدتهم وبكل أطيافهم ضدها.
ويخلص الكاتب إلى أن الهجوم المفاجئ لداعش هو تعبير عن طيف واسع من جماعات سنية مثل جيش النقشبندية والجماعات البعثية المختلفة، وتم التخطيط للعمليات وربما لقيت مساعدة من الضباط السنة داخل الجيش النظامي.
ويقول الكاتب إن الحديث عن دور أمريكا وأهميته ليس في محله، فلم تعد هي القوة المؤثرة بل
إيران، فالعراق يهمها أكثر من سوريا. وتستطيع مساعدة الحكومة العراقية الضعيفة أكثر من الولايات المتحدة.
ولهذا يتحرك الحرس الثوري الإيراني الآن نحو بغداد لإعادة تنظيم الميليشيات التي يسيطر عليها الإيرانيون، والهدف هو الدفاع عن بغداد، وعليه "يجب على الولايات المتحدة وإيران العمل من أجل وقف ظهور
الدولة السنية المتطرفة في شمال وغرب العراق وتمتد نحو سوريا".