اتهمت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية رئيس الوزراء
العراقي نوري
المالكي وحملته مسؤولية الأزمة الحالية، فملاحقته لقادة
السنة فتحت الباب أمام عودة الجماعات الجهادية التي تم التخلص منها قبل سنوات. وقالت إن سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يعتبر ضربة للعراق الموحد، وقضت سيطرة
داعش على ثاني أكبر المدن العراقية على فكرة دولة موحدة.
وأضافت أن "السهولة التي استطاعت فيها عصابة مدججة بالسلاح، يلبس أفرادها القمصان والأقنعة السود ويلوحون برايات الجهاد وهم يدخلون مدينة الموصل يجب أن تثير قشعريرة العالم". ووصفت ما حدث بأنه "كابوس استراتيجي لأفغانستان جديدة في قلب الشرق الأوسط وأصبح أكثر قربا".
وأضافت أن الموصل هي مدينة يسكن فيها مليوني شخص سقطت بدون قتال بيد داعش، الحركة الجهادية التي انشقت عن القاعدة بعد اعتبار الأخيرة معتدلة أكثر من اللازم. ويطرح الحدث الأخير سؤال حول بقاء العراق بلدا موحدا ولمدة طويلة".
وقالت إن الفصل الأخير في مأساة تراجع العراق بدأت العام الماضي عندما قامت الحكومة الشيعية لنور المالكي بتطهير القادة السنة، مما فتح المجال أمام عودة القوى الجهادية التي طردت من البلاد بتحالف من الميليشيات القبلية السنية المدعومة من الولايات المتحدة قبل خمسة أعوام. وقتل حوالي 8.000 عراقي في عام 2013 مما يعيد مستوى القتل سفك الدماء الطائفي – الإثني في الفترة ما بين 2007- 2008.
وتقول الصحيفة "قبل خمسة أشهر عاد داعش لمحافظة الأنبار في غرب العراق، مركز التمرد السني ضد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة. واستعادت قواته الفلوجة والتي غزاها الأمريكيون قبل عقد من الزمان، وخاضوا أكثر معاركهم دموية منذ حرب فيتنام، وفشلت قوات المالكي بإخراجهم منها. ويقوم الجهاديون الآن بالتحرك في وسط الفرات الأعلى في طريقهم نحو بغداد".
وتمضي الصحيفة معلقة على نتائج الانتخابات العراقية التي قالت إن المالكي خرج منها منتصرا الشهر الماضي "حيث ساعده اندلاع القتال لتقسيم الرأي العام، وقدم نفسه على أنه الرجل القوي بشكل حاز على شعبية كافية كي يحكم لولاية ثالثة. فرئيس الوزراء وهو إسلامي شيعي وطائفي عنيد قام بتمزيق اتفاق التشارك في السلطة مع السنة والأكراد الذي تم الاتفاق عليه بعد الانسحاب الأمريكي قبل ثلاثة أعوام. ونتيجة لذلك أصبح قيادته كارثة حقيقية على بلاده".
صحيح كما تقول الصحيفة أن الحرب الأهلية قريبا من العراق في سوريا حيث تقوم الغالبية السنية بقتال نظام طائفة ساعدت على زعزعة الاستقرار في العراق "لكن المناطق المتداخلة على الحدود بين نهري الفرات ودجلة، المعروفة بمنطقة الجزيرة تتحول إلى إمارة جهادية لأن المقاتلين السنة في شرق سوريا يرتبطون بالسنة المحرومين في غرب العراق".
"فهذه القبائل العراقية السنية التي رفضت في السابق عودة داعش، غاضبة على المالكي وفشله في تقديم الخدمات الأساسية وتصميمه على منعهم من الوصول للسلطة".
وتعتقد أن وصول العراق إلى حافة التفكك الطائفي إن حدث هذا فهو لأن البلد فقد أي حس وطني جامع "فالمالكي يسيطر على وزارات الدفاع والداخلية والأمن بدون أثر عملي إلا القمع الداخلي. والفساد مستشر بشكل كبير لدرجة أن مليون جندي ورجل أمن عراقي دربتهم أمريكا يعانون من نقص المواد الأساسية ويعانون من مشاكل لوجيستية. ويعرف رئيس الوزراء هذه المشكلة وهذا سبب اختياره إحاطة نفسه بالميليشيات التي دربتها إيران".
وتضيف الصحيفة أن السرعة مهمة إن أراد المالكي مواجهة داعش بشكل فاعل لان الجهاديين يواصلون بناء ترسانتهم العسكرية وماليتهم في كل انقلاب يقومون به. مشيرة إلى هجوم داعش على مصفاة بترول بيجي في جنوب الموصل، في محاولة لتكرار سيطرتهم الجزئية على عوائد النفط في شمال – شرق سوريا "وفي حالة تعزيز موقفهم فسيفترضون – أي مقاتلي داعش- أن العراق فقد الإرادة على حماية أراضيه".
وحتى يستطيع المالكي الضغط على داعش فهو بحاجة لدعم الأكراد والسنة "ولا توجد إلا إشارات قليلة أنه يبحث عن هذا الدعم"، وتشير تصريحات رئيس حكومة إقليم كردستان إلى أن المالكي رفض التعاون من أجل منع سقوط الموصل.
وترى الصحيفة أن توسع المناطق الواقعة تحت حكم داعش مثير لقلق صناع السياسة الغربيين، حيث يحاول تنظيم داعش الدفع باتجاه تحقيق حلمه وإنشاء دولة الخلافة، ولكن مخاطر استخدامه لهذه المناطق كقاعدة انطلاق نحو الجهاد العالمي لا يمكن استبعادها.
وتختم بالقول "بعد عقد من الغزو الكارثي الذي قادته الولايات المتحدة، أصبحت خيارات الغرب في العراق محدودة، فقد يكون باستطاعة واشنطن مساعدة المالكي على الهامش بدعمه بمواد ضرورية تأتي في وقتها، ولكن العراقيين وحدهم من يستطيع منع بلدهم من الانزلاق نحو الفشل الدائم، وسيكون العراق في وضع أحسن لو تم تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع
الشيعة والسنة والأكراد، وهذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من أيديولوجية الجهاديين والتي قام المالكي بإنعاشها بسبب أخطائه التي لا تلقي اعتبارا لأحد".