تحقق نيابة القاهرة في واقعة
تعذيب مواطن حتي الموت داخل قسم
شرطة المطرية، وطالب
حقوقيون النائب العام بمحاسبة المسؤولين عنها، وتقديمهم إلى المحاكمة، فيما قال ناشطون إنها تذكر بحادثة مقتل خالد سعيد قبل ثورة 25 يناير 2011، وتفتح ملف الانتهاكات بحق المواطنين في أماكن الاحتجاز، وتفضح التجاوزات بأقسام الشرطة.
و اتهمت أسرة عزت عبدالفتاح الموظف بوزارة المالية (54 سنة) ضباط وأفراد قسم شرطة المطرية بتعذيبه والتعدي عليه بالضرب المبرح حتى الموت.
وانتقلت النيابة إلى المشرحة لمناظرة الجثة، وتبين وجود آثار تعذيب في أجزاء عدة من جسده، فضلا عن آثار إطفاء سجائر في قدمه، وتورم في وجهه، وجرح برقبته، وخلع بأظفار قدميه، بما يؤكد وجود شبهة جنائية في الحادث، حسبما قالت أسرته، فيما أمرت النيابة بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة.
عودة دولة مبارك
وأثارت الحادثة الكثير من الجدل، وأعادت التساؤل حول عودة انتهاكات أقسام الشرطة لما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير، خاصة أنها جاءت بعد أن أمرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وتوفي في اليوم الرابع لحبسه.
وصرح محمد عواد أحد مؤسسي حركة "شباب من أجل العدالة والحرية"، ومن قاطني منطقة المطرية، بأن الرواية المتداولة بأنه كان هناك خلاف بين القتيل وأحد أمناء الشرطة، وذهب هذا الأمين إلى منزل الضحية، وقام بضربه وإهانته أمام أفراد أسرته وجيرانه، واصطحابه إلى القسم، والاعتداء عليه حتى الموت.
ومن جهته، نشر أحد أفراد أسرة القتيل صورا التقطها من داخل المشرحة للجثمان، حيث تبدو آثار التعذيب على جميع أجزاء جسده، فيما كشف أحد أفراد الأسرة، عن ضغوط تمارس عليها (الأسرة) من قبل ضباط وأمناء شرطة قسم المطرية، حيث قاموا بعمل أمر ضبط وإحضار لنجل الفقيد، واسمه "أحمد" (22 عاما) كى يتسلم جثة أبيه، وقدموا له تقريرا طبيا يفيد بأن الوفاة إثر "غيبوبة سكر"، ومن ثم التنازل عن تمسكهم بحقهم فى تقرير طبي يثبت واقعة التعذيب.
وأضاف قريب القتيل -بحسب جريدة اليوم السابع الأحد- أن الواقعة بدأت عندما تدخل الفقيد فى فض مشاجرة نشبت بين أحد جيرانه وآخرين، الأمر الذى أدى إلى تدخل "أحمد عيد" أمين الشرطة بقسم المطرية، بالتعدي بالضرب على أحد أطراف المشاجرة، فلامه الموظف القتيل، واتهمه بمجاملتهم، الأمر الذى أثار حفيظة أمين الشرطة خصوصا أن تلك العبارة ذكرت أمام قياداته من ضباط قسم الشرطة المتواجدين في أثناء فض المشاجرة.
وأوضح أن أمين الشرطة توعد الفقيد بالانتقام منه، وتوجه صباح السبت الماضي إلى مقر سكنه، وقام بسبه وضربه أمام الجيران، واقتاده واحتجزه داخل قسم المطرية حتى عصر الخميس (وقت إعلان وفاته).
وأشار إلى أنه فوجئ فى تمام الخامسة من عصر الجمعة باتصال هاتفي من قسم شرطة المطرية، يفيد بأن عزت توفي، وأن عليهم التوجه إلى مستشفى المطرية لتسلم جثته، ففوجئوا عند مشاهدتها بوجود كدمات فى الوجه، وجرح قطعي فى الرأس، وحروق فى الوجه إثر إطفاء السجائر فيه، فرفضوا تسلمها، لعدم وجود تقرير طبي مثبت فيه حالة الفقيد.
ولاحقا حصل ذوو الفقيد على تقرير من مستشفى المطرية العام، مدون فيه: "أن المذكور وصل إلى المستشفى جثة هامدة، ولا يوجد به نبض، ولا تنفس، وحدقتا العين مرتفعتان، ولا يستجيب للضوء المباشر وغير المباشر، وبالكشف الطبي الظاهري وجدت جروح سطحية بالساقين والقدمين، والأظفر الأكبر بالقدم اليمنى غير موجود، والجثة تحت تصرف النيابة، فتم نقل الجثة إلى ثلاجة المستشفى، ولا يمكن الجزم بسبب الوفاة".
وعقب ذلك نقل لمشرحة زينهم لإجراء المعاينة التشريحية للجثة، وأصدرت النيابة تصريحها بدفنه لأسرته عقب انتهاء عملية التشريح والفحص.
الأسرة تروي ما حدث
من جهتها، ذكرت جريدة "الوفد" الأحد أنه لم يصدر بيان رسمي عن مديرية أمن القاهرة بشأن الحادث. ونقلت عن "أمل" زوجة المجني عليه قولها إن الواقعة بدأت يوم السبت الماضي عندما وقعت مشاجرة بين عائلة المهدي وعائلة محمود شبك، وأصابت الأولى اثنين من أفراد الثانية بسبب خلافات الجيرة برغم أنهما أبناء عمومة.
وبعد انتهاء المشاجرة عاود أفراد عائلة محمود شبك التشاجر مع أفراد عائلة المهدي، وخلال ذلك تم إشعال النيران في بيت المهدي، وفر المتهمون هاربين، ثم حضرت سيارة ميكروباص بها أفراد شرطة وضابط من قسم المطرية لعمل المعاينة، وتصادف وقوف زوجها أمام المنزل، وتقدم نحوه مندوب الشرطة أحمد عيد، وجذبه من ملابسه بقوة طالبا منه إبلاغه عن المتسببين في إشعال النيران بمنزل المهدي، الذي تجمعه صداقة بمندوب الشرطة، هو وباقي زملائه.
فنهره القتيل، وأخبره بأنه يعمل موظفا بوزارة المالية، ولا صلة له من قريب ولا بعيد بواقعة المشاجرة والحريق، وقال لمندوب الشرطة: "أنت تعرف كل شىء.. ألا تجلس كل يوم معهم على المقهى.. ليس لي علاقة بالموضوع"، فغضب المندوب من كلامه، وتعدى عليه بالسب والضرب أمام المارة، واقتاده إلى سيارة الشرطة، وتوعده قائلاً: "والله..سأريك يا عزت".
وأوضحت الزوجة أنها علمت بعد ذلك بأنه تم تحرير محضر ضد زوجها يتهمه بالتحريض على حرق منزل "المهدي"، والتسبب فى إتلافه، وقررت النيابة حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات بناء على المحضر المحرر من قبل مندوب الشرطة أحمد عيد.
وقامت زوجة المجني عليه بزيارته يومي الأحد والإثنين، وفي اليوم الأخير كان زوجها غير طبيعي، وهمس فى أذنها قائلاً: "عايز أقولك على حاجة"، وكان متردداً قبل أن ينطق بقوله: "أنا باتعذب فى القسم يا أمل".
وبحسب "الوفد" استكملت الزوجة حديثها قائلة: فى يوم الثلاثاء توجهت إلى حجز القسم للزيارة الصباحية الساعة العاشرة والنصف صباحا بعد أن أعدت له وجبة طعام، ولكن أخبرني أحد المخبرين، بأن زوجى نائم، ولن أتمكن من زيارته الآن، فانصرفت، وقررت العودة لزيارته مجدداً فى مساء الليلة ذاتها، وتهرب الأفراد والضباط من مقابلتي، وطلبوا مني مغادرة القسم، فاستجبت لطلبهم خشية البطش بي.
وصمتت الزوجة قليلا، وانهمرت دموعها، ثم قالت: "أحد الجيران أخبر نجلي بقتل أبيه، وأن جثته بمستشفى المطرية، فذهبت بصحبة نجلي، ونجل شقيق زوجي، وعدد من جيراني وأقاربي، وعقب وصولنا إلى المستشفى رفض عامل الثلاجة فتحها لرؤية جثمانه بناء على تعليمات صادرة له، مما اضطرنا لكسرها كى نعرف الحقيقة، وأصبنا جميعا بالصدمة والانهيار أثناء مشاهدتنا آثار التعذيب في جسد زوجي، حيث وجدنا آثار إطفاء للسجائر فى ظهره، وجروح قطعية نافذة في رقبته وفروة رأسه، وخلع في أظفار قدمه، وتورم شديد بوجهه، فى مشهد بشع.
ومن جهته، قال عاطف شقيق القتيل: "دي سلخانة.. حرام والله.. ربنا ينتقم منهم ليه يعملوا كده هو عمل إيه أصلاً". وأضاف: "لما مندوب شرطة يستغل وظيفته ويعمل كده يبقى أمين الشرطة والضابط هيعمل إيه.. فين مسؤولية المقدم وائل متولي رئيس مباحث القسم والمأمور، أخي أخذ من الشارع.. مين يجيب حقه؟".
وأوضح شقيق المجني عليه أنه، وعبد الخالق جاره، توجها لوزارة الداخلية لعمل بلاغ، وهناك تقابلا مع العميد أيمن حلمي بقسم الإعلام، الذى اكتفى بتحويلهم لقسم حقوق الإنسان بالوزارة، وقال لهما: "لو معكم ورق.. ابقوا هاتوه لنا".
احتجاج حقوقيين ونشطاء
من جهتها، أهابت المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، فى بيان لها، بالنائب العام، ووزير الداخلية، سرعة التدخل، ومنع الضغوط التى تمارس على أسرة الفقيد، من قبل ضباط وأمناء شرطة قسم المطرية، بقيامهم بعمل أمر ضبط وإحضار إلى نجل الفقيد، "أحمد عزت" كي يقبل بتقرير طبي يفيد "أن الوفاة إثر غيبوبة سكر"، ومن ثم التنازل عن تمسكهم بحقهم فى مقاضاة القاتل.
يذكر أنه في الشهر الماضي شهد قسم المطرية واقعة مماثلة، إذ لقي المواطن مصطفى محمد أحمد علي الأسواني، 25 سنة، عامل بمكتب للطباعة، مصرعه بعد القبض عليه، واتهامه بإنشاء صفحات للتحريض على الجيش والشرطة، وتم ضربه وتعذيبه حتى الموت، ومن ثم نقله لمستشفى المطرية، وصدر التقرير لأن الوفاة ناتجة عن هبوط حاد بالدورة الدموية.
وأكدت والدته وقتها أنها حين زارته بالقسم قبل وفاته وجدت جسده ووجهه "متشرطا" بآلات حادة، وذكرت مصادر أنه تم التناوب على تعذيبه من ضباط وأمناء القسم على إثر مشادة بينه وبين مندوب شرطة داخل القسم.
كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي "فيديو" مسربا لتعذيب مواطنين داخل قسم شرطة المطرية، ويظهر فيه أحد أفراد الشرطة يعتدي على شابين مجردين من ملابسهما، ومقيدي الأيدي، ومطروحين علي الأرض.. وقال نشطاء على الفيس بوك: "واقعة خالد سعيد تتكرر في المطرية.. هاتفضل الداخلية عاهرة على سرير أي نظام".