كتب حسام عيتاني: بات عسيرا إحصاء المستقيلين من هيئات
المعارضة السورية، وخصوصا من «الائتلاف الوطني». أصعب من ذلك الحصول على كشف بمن عادوا عن استقالتهم واستأنفوا نشاطهم «الثوري». أحد أبرز الأمثلة تلك الناشطة التي تستقيل من منصبها كل بضعة أشهر، استقالت من لجان التنسيق المحلية، ثم من المجلس الوطني، وقبل أيام من «الائتلاف».
لا قيمة كبيرة للأسباب المباشرة لهذه الاستقالات الموسمية، ما يهم هو ما تعكسه هذه العينة وغيرها عن إدراك معنى العمل السياسي والالتزام، وفي نهاية المطاف عن معنى علاقة الناشط بالقضية التي يعلن الانتماء إليها ونظرته إلى الجمهور الذي يقول إنه يمثله.
هذا الباب الدوار في هيئات المعارضة السورية الذي يسمح للناشطين بتحكيم مزاجية عالية في مشاركتهم، فيتركهم يدخلون إليها ويخرجون منها كالداخل إلى مقهى والخارج منه، يكشف أموراً عدة ليس فقط عن طبيعة المعارضة وجديتها وتماسكها، بل أيضاً عما تجوز تسميته (اصطلاحاً) الاجتماع السياسي السوري.
يجوز لمراقب بعيد التساؤلُ عن الكفاءات الاستثنائية التي يحملها هؤلاء المستقيلون- العائدون: ماذا يمثلون؟ ماهي الإضافات النوعية التي حملوها إلى
الثورة السورية حتى يجري استدعاؤهم إلى كل هيئة تنشأ؟ والحال أن اختيار أعضاء الهيئات «الثورية» يسلط الضوء على طبيعة من يتصدى للمهمات القيادية على طريقة انتقاء الأعيان والوجهاء من المناطق والطوائف المختلفة وفي اعتقاده أنه بذلك يوسع مروحة التمثيل، في حين أنه لا يفعل أكثر من تجاهل واقع المجتمع السوري وثورته. هذا بالإضافة إلى الحضور القوي لممثلي الجهات الممولة والداعمة والتي تملي وجهات نظرها على رغم رفض الرافضين.
لا جدوى هنا من العودة إلى الحديث عن «ثوار الخنادق وثوار الفنادق»، لكن من الملح بعد ثلاثة أعوام ونيف على اندلاع ثورة بهذه الجذرية والزخم، التوقف ملياً أمام الفارق الشاسع الذي يفصل بين هيئاتها، وأكثرها مقيم في الخارج، وبين الوضع الإنساني والميداني في الداخل وفي مخيمات اللاجئين. وإذا أردنا قولاً صريحاً، لا مفر من الإشارة إلى انتقال المعارضة من «أزمة القيادة» إلى «فضيحتها» بكل معاني الكلمة.
أمام هذا الواقع، من الضروري تناول مسألتي العمل السياسي للهيئات المعارضة و «ثقافة» الهيئات هذه. هناك كارثة حقيقية تتمثل في اعتقاد أعداد كبيرة من المعارضين السوريين أن قضيتهم يجب أن تُطرح في الأوساط الديبلوماسية والإعلامية الخارجية فيما يصرفون جل جهودهم في صراعات مضحكة بعضهم مع بعض. الواقع يقول العكس تماماً، فالسياسة في صلبها هي التواصل المستمر مع الجمهور وليس مع سياسيين آخرين، مع الناس العاديين الذين تهبط عليهم براميل بشار الأسد المتفجرة ويتعرضون لقمع «داعش» و «النصرة» وما يعادلهما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في معالجة مشكلاتهم اليومية مهما بدت صغيرة... بكلمات ثانية:
بالحفاظ على التواصل مع نبض الإنسان الذي وقف مع الثورة من دون أن يملك سوى الحلم بغدٍ أقل بؤساً واضطهاداً. وفي الوسع الاعتماد على شهادات كثيرة يشكو فيها السوريون في الداخل من مدنيين ومنخرطين في القتال، من إهمال لا يطاق ولا يُفهم ولا يُبرر.
وهذه كلمات لا تبغي إملاء النصائح المتعالية والفوقية، بل إعادة طرح السؤال عن مفاهيم السياسة بممارستها اليومية، والقيادة والنخبة والمسؤولية والعلاقة مع الثورة.
(الحياة اللندنية)