بسخرية علقت صحيفة التايمز اللندنية على
الانتخابات القادمة في
سوريا بالقول "من هناك؛ (من حمص القديمة) حيث مات آلاف السوريين جوعا. أطلق
بشار الأسد شعاره: يدا بيد لبناء سوريا"!!
من ما يسمى مجلس الشعب، خرج القرار بتنظيم الانتخابات الرئاسية في سوريا مطلع يونيو القادم، الأمر الذي أثار الكثير من السخرية، ليس لأن التوقيت قريب جدا وحسب، بل أيضا لأن ما يجري في سوريا لا يسمح البتة بإجراء أية انتخابات، أكانت رئاسية أم بلدية، لكن النظام المجرم الذي ولغ في دماء الشعب لم يكن ليلتفت إلى ذلك كله، ما دامت إيران موافقة على الإجراء، وما دام بوسع لافروف أن يدعم الموقف، ومن ورائه الجنرال بوتين.
للتذكير فقط، فمجلس الشعب العتيد الذي أعلن إجراء الانتخابات، وذكّر بشروط الترشح بحسب الدستور الجديد، ومنها أن يكون المرشح قد بلغ الأربعين من العمر، هو ذاته (ربما تغيرت بعض الوجوه) الذي انعقد عام 2000 وعدّل الدستور السابق في 5 دقائق كي تنبطق شروطه للرئاسة على بشار الأسد الذي كان عمره آنذاك 35 عاما، ولم يكن معدا لتلك المهمة (كانت لأخيه قبل موته)، حيث كان يمضي في اتجاه آخر كطبيب، لكن المؤسسة العسكرية والأمنية التي يعلم الجميع أنها أداة الطائفة في السيطرة على البلاد، هي التي رتبت الأمر بعد وفاة الأب.
معلومة يتجاهلها تماما شبيحة بشار الأسد من العرب، والذين يظهرون وقاحة منقطعة النظير عندما يتحدثون عن التفاف الشعب حول القائد الملهم "المقاوم والممانع"، ولا بأس أن يدعموا الآن ترشحه للرئاسة باعتباره خيار الشعب، فيما يدركون جيدا أنه لم يكن (ولا والده من قبله) خيار الشعب حين فُرض عام 2000، ولا يمكن أن يكون هو خياره الآن، بل هو خيار المؤسسة العسكرية والأمنية التي تسيطر عليها طائفة لا تتعدى نسبتها 10 في المئة من السكان.
اليوم، يعلن النظام عن إجراء انتخابات رئاسية في الموعد المشار إليه، وبالطبع في معرض إثبات أن النظام متماسك تماما، وأن رئيسه واثق من ثقة الشعب، ولا بأس من دفع مرشحين آخرين لكي ينافسوه على المقعد لإكمال الديكور (فعلوا ذلك عبر برلماني سابق، وآخر وزير سابق حتى الآن، وكلاهما لاكتمال السخرية مواليان للنظام)، ولتكون النتيجة أقل من 99 في المئة حتى تكون اللعبة الديمقراطية محكمة ومقنعة (هل يمكن لنائب الرئيس فاروق الشرع أن يترشح في الانتخابات مثلا، وهل يجرؤ، وهو المأخوذ كرهينة بيد النظام؟!).
لا يسأل النظام ولا شبيحته عن الكيفية التي ستجرى من خلالها الانتخابات في بلد مدمَّر قتل أكثر من 200 ألف من مواطنيه، بينما يقبع عشرات الآلاف في السجون، فيما هجّر حوالي 9 ملايين من بيوتهم، ولا يسيطر النظام سوى على 50 في المئة من مساحة البلاد، بينما يمطر ما تبقى منها بالبراميل المتفجرة.
لا أتفه ولا أحط ممن يتحدثون في هذا السياق عن الالتفاف الشعبي حول النظام كسبب لبقائه، فيما يعلم القاصي والداني أنه من دون إيران لم يكن له ليصمد طويلا، وحين نقول إيران، فنحن نعنيها وحلفاءها في لبنان والعراق، أما الشعب فهو آخر ما يفكرون فيه، وإذا فعلوا فهم يعنون طائفة النظام والأقليات الأخرى المتحالفة معه، أو أكثرها بطبيعة الحال، أما الأغلبية فلا قيمة لها، بل إن طائفيين لا زالوا يروجون لتحالف الأقليات. ضد من؟ ضد الغالبية السنية بطبيعة الحال.
من الصعب الجزم بما إذا كانت الانتخابات ستجرى في الموعد المقرر أم لا، وإن كان بوسع النظام أن يرتب ذلك، متجاهلا المناطق التي خارج سيطرته، وسيهيئ للأمر بعض الصور من طوابير تعد أمام صناديق الاقتراع من خلال كاميرات "المنار" و"الميادين"، وقنوات النظام نفسه، وبذلك تكون انتخابات كاملة القيافة (لا يُستبعد أن يقولوا إن نسبة المشاركة 50 في المئة أو أكثر!!) يمكن لبشار بعدها أن يقول إنه منتخب بشكل ديمقراطي، وإن من يتمردون عليه هم عصابات تكفيرية لا أكثر، سيتم القضاء عليهم خلال العام 2015 كما وعد!! ونحن بانتظار وعده على كل حال، لكن سؤال النتيجة لم يكن ليحدد موقفنا، فنحن لسنا تجارا نحدد موقفنا بناءً على ذلك، بل بشر أسوياء نقف مع الحق والعدل، ونرفض الظلم والطغيان والإجرام. هل تعني مثل هذه القيم مؤيدي بشار؟!