كتب صلاح الدين الجورشي: لم تتغير القيادة السياسية للجزائر، هذا ما أفصحت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث أكد وزير الداخلية أن السيد عبد العزيز بوتفليقة قد فاز بولايته الرابعة بعد أن حصل على 81 ,53 بالمائة من الأصوات، في حين لم يتجاوز منافسه علي بن فليس نسبة 12 ,18 من أصوات الناخبين، وهو ما دفعه إلى التشكيك في الأرقام الرسمية، واعتقاده أن النتائج المعلنة مزورة، وأن نسبة المشاركة التي قدرت ب 51 ,7 بالمائة بعيدة عن الواقع.
هذه النتيجة لم تكن مفاجئة للمراقبين، لأن بوتفليقة هو ابن المؤسسة السياسية والعسكرية، وهي المؤسسة التي أصرت على أن مصلحة النظام تقتضي اليوم الحفاظ على الاستمرارية، ولا تراهن على تغيير رئيس الدولة، حتى لو كان هذا البديل هو أيضا ابن المؤسسة ممثلا في علي بن فليس، لكن هذا الأخير أقام حملته على نقد المؤسسة، والدعوة إلى إعادة هيكلتها من داخلها.
بوتفليقة ليس رجلا هينا، فهو شخصية مخضرمة، مر بجميع مراحل الدولة الوطنية
الجزائرية، ويعرف جيدا آلياتها ومفاصلها وثغراتها. كما أن ماضيه السياسي يشهد له بأنه هو صاحب مبادرة إنهاء حالة الاقتتال في الجزائر، والتي عرفت بقانون الوئام الوطني. لكن الثغرة الرئيسية التي حاول منافسوه وخصومه أن يستفيدوا منها تتمثل في سنه ) 77 عاما ( ، وبالخصوص وضعه الصحي.
لقد فوجئ الجزائريون وجميع المهتمين بالشؤون الجزائرية بصورة بوتفليقة وهو يشارك في عملية الاقتراع على كرسي متحرك. لكن ذلك لم يغير شيئا من المشهد الجزائري الذي يتواصل بشكل عادي، رغم الاحتجاجات محدودة الأثر التي عبرت عنها أطراف المعارضة، سواء تل التي شاركت في الانتخابات، أو تلك التي دعت إلى مقاطعتها.
في
تونس تجنب السياسيون التعليق على الانتخابات الجزائرية، أو على نتائجها. لقد طغت عليهم الرغبة في عدم استفزاز القيادة الجزائرية، بعد أن تبين لهم أن النظام قوي وأنه مستمر في مساره.
كما يعتقدون بأنه ليس من مصلحة التونسيين اليوم إثارة الجار الغربي، الذي تربطهم به
علاقات أمنية حيوية في إطار محاربة الإرهاب. إن التنسيق بين البلدين يكاد يكون يوميا على هذا الصعيد سواء على المستوى الحدودي، أو بين الجيشين.
لهذا شعر السياسيون، حتى الراديكاليون منهم، بأن المواجهة بين النظام والمعارضة في الجزائر قد ارتفعت حدتها، ولا تتحمل مزيدا من تغذيتها عن طريق " نيران صديقة ". ولهذا احتفظ الكثير منهم بنصائحهم الديمقراطية لأنفسهم، وذلك بالرغم من أن بعض وسائل الإعلام الخاصة حاولت أن تنتقد ما يجري في الجزائر.
امتنعت حركة النهضة عن الإدلاء بموقف نقدي. لقد تعلمت الدرس من قبل، وذلك حين حاول رئيسها الشيخ راشد الغنوشي خلال الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية الجزائرية، النفخ في بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي، وذلك اعتقادا منه بأن الإسلاميين هم الأكثر حظا لقيادة الجزائر، لكن الواقع كذب هذا الاحتمال، إلى جانب رد الفعل القوي الذي صدر عن بعض المسؤولين الجزائريين. وهو ما دفع بالغنوشي إلى القيام بجهود كبيرة لطمأنة النظام، بما في ذلك القبول بدور جزائري لحل الخلافات بين حكومة الترويكا والمعارضة داخل تونس.
لم تدرك حركة النهضة في البداية أن وضع الإسلاميين الجزائريين مختلف كثيرا عن إخوانهم في تونس وليبيا والمغرب ومصر. لقد خرجوا من اللعبة منذ أن تمت " المصالحة " بينهم وبين النظام. كما أن دخول حركة مجتمع السلم التي أسسها المرحوم محفوظ نحناح في تحالف ثلاثي بقيادة الرئيس بوتفليقة، لم يضعف الحركة فقط، وإنما دفعها إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات الأخيرة، اعتقادا منهم بأن " اللعبة قد انتهت "، وأن المطروح حاليا هو تعميق الفراغ حول النظام، وحول بوتفليقة. أما ما تبقى من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فقد حاولت تنظيم مسيرة احتجاجية من داخل أحد مساجد العاصمة بقيادة علي بلحاج، لكنها فشلت في ذلك بعد أن التصدي لها أمنيا. لقد تناثرت هذه الجبهة إلى مجموعات غير فاعلة بعد ان كانت القوة الحزبية الأكبر في البلاد، وذلك نتيجة حدة الخلافات بين كوادرها السابقين مما حولها إلى جسم سياسي عاجز عن التأثير.
لقد أصبح الجزائريون يعيشون تحت تأثير ذكرى الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص ، وقسمت الشعب، وبالتالي لم يعد لدى أغلبيتهم الساحقة أية رغبة في العودة إلى أجواء الصراع الأهلي. وهو ما يفسر أمرين اثنين، أولهما عزلة تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي المصر على خيار العمل المسلح، وعدم تمتعه بقاعدة شعبية. أما الحدث الثاني فيخص غياب الإسلاميين عن المشهد السياسي، حيث لم يحصلوا في البرلمان السابق إلا على نتائج محدودة جدا.
مرت الانتخابات، ولم تتجدد القيادة، لكن ذلك لن يمنع من أن هذا البلد الهام يبقى في حاجة إلى تغييرات ملموسة وعميقة في أساليب إدارة الشأن العام، لأن الديمقراطية بعد كل الذي حدث في المنطقة لم تعد مسألة قابلة للتجزئة أو يمكن إخضاعها لمنطق الإبعاد. كما أن القيادة الجزائرية مدعوة إلى بناء تحالف استراتيجي مع تونس، وذلك من خلال بناء شراكة اقتصادية حقيقية تنقذ تونس من أزمتها، وتوفر للجزائر فرصة لإعادة التموقع الإقليمي والدولي.