في قصة ترويها المجلة الطبية "Emergency Physicians International" يجد
طبيب سعودي إحدى المرضى الذكور ملقى على الأرض في حالة تشنج وغير قادر على التحدث.
للوهلة الأولى اعتقد الطبيب أن المريض يعاني من أعراض مبكرة للنوبة القلبية وأمر بنقله إلى غرفة بالمستشفى. وقامت ممرضة بغلق ستارة الغرفة تاركة أهله يبكون بالخارج. وفي هذه اللحظة سحب الشاب الطبيب وهمس في أذنه قائلا: "لا تخبر أمي وأبي، ولكني أتعاطى الأمفيتامينات".
في العام الماضي، تصدرت المملكة العربية
السعودية قائمة الدول التي تشهد أعلى معدلات التعرض لنوباتالأمفيتامين في العالم، بنسبة 30 بالمائة. وتصنف الأمم المتحدة السعودية على أنها أكبر مستهلك للمنشطات غير القانونية في المنطقة. فعلى الرغم من شيوع استخدام القات والحشيش، إلا أن أكثر المنشطات انتشارا هو الكبتاجون-وهو مادة ذات فعالية سريعة. ففي العام الواحد تصادر الشرطة السعودية ما يقارب 50 مليون قرصا من الكبتاجون.
وقد قامت شركة أمريكية باختراع عقار الكبتاجون واستخدمه الأطباء في فترة الستينات والسبعاينات لمعالجة الخدار والاكتئاب. في البداية اعتبره الباحثون في ذلك الوقت بديلا أكثر أمانا من الأمفيتامينات التقليدية، ولكن الولايات المتحدة وضعته في قائمة المنشطات الخاضعة للرقابة في 1981، وتلتها منظمة الصحة العالمية بعد ذلك بخمس أعوام حيث قامت بحظر العقار دوليا. فقد تم اعتبار الكبتاجون عقارا يسبب الإدمان.
واليوم يتواجد عقار الكبتاجون بوفرة في السعودية ومن المرجح أن يحتوي على مزيج من المادة الأصلية ومجموعة من البدائل الأخرى المغشوشة. والكبتاجون مثل الكريستال ميث يمكن إنتاجه بتكلفة ضئيلة في أي مكان بالعالم، وحتى باستخدام المواد التي يمكن شراؤها دون وصفة طبية. وبالرغم من ذلك يتم بيع الأقراص بمبلغ يزيد عن 10 أو حتى 20 جنيه استرليني للقرص الواحد.
ويبدو أن السعودية تشهد أعلى معدل استخدام في المنطقة، بالرغم من صعوبة معرفة الرقم الحقيقي لمعدل الاستخدام بسبب العادات الثقافية الصارمة وعزوف المؤسسات عن حل المشكلة. وبحسب مسئولين في وزارة الداخلية السعودية فإن ما يتم ضبطه من 60 مليون قرص سنويا يعادل 10 بالمائة فقط من إجمالي الاستهلاك في السوق السعودي.
ويقول جاستن توماس مؤلف كتاب "الصحة النفسية في دول الخليج" أن "سبب انتشار الكبتاجون في المنطقة غير واضح، فالشباب يستخدمونه للمساعدة على اليقظة أو لتخفيض الوزن." فالسمنة قد زادت في الأعوام الأخيرة وزاد الاهتمام بمظهر الجسد. والتواصل الاجتماعي يستمر حتى ساعات متأخرة في المساء ولكن الشباب السعودي يحتاج أيضا للذهاب إلى المدارس والجامعات في الصباح الباكر.
ويفسر توماس أن الأبحاث المتعمقة حول استخدام الكبتاجون في السعودية قليلة للغاية. وتشير دراسة نادرة نشرت عام 2008 أن مستخدمي العقار من المرجح أن يكونوا من الذكور في الفترة العمرية ما بين العشرينات وأوائل الثلاثينات.
وهذا الوصف الديمغرافي يتوافق مع طبيعة استخدام العقار دوليا. ولكن السعودية تختلف من حيث نسبة استخدام الإناث للعقار. فالدراسة أجرت استطلاعا مع ما يقارب 500 مستخدم منهم 13 فقط من الإناث. وفي دراسة أخرى أجريت في الكويت تم استطلاع رأي 800 مستخدم منهم اثنين فقط من النساء.
وفي الواقع، في حين أن السعودية لديها معدل استخدام هائل(يمثل ثلاثين بالمائة من الأم فيتامينات في العالم ولكن فقط 0.1 في المائة من عدد السكان) إلا أنها ليست الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشهد تزايد سريع في معدل استخدام الأمفيتامين. فكل عام تقوم الشرطة الإماراتية وخفرالسواحل بضبط حوالي 4 ملايين كبسولة كبتاجون. والمعدل الفعلي الذي يتم استيراده ربما يكون أعلى بكثير. وفي 2009 تم ضبط 4 ملايين قرص في مداهمة واحدة لأحد المخازن. وأغلبية
العقارات يتم تهريبها عبر البحر وفقا لما قالته صحيفة الوطن الإماراتية. ويتم إخفاء الكبتاجون في داخل ملفوفات كبيرة للمنسوجات،وإسمه الشعبي المتداول هو "أبو هلالين"، في إشارة إلى الهلالين المرسومين على القرص.
كانت لبنان في وقت من الأوقات مركزا لإنتاج الأمفيتامينات ولكن أهميتها في المنطقة تضاءلت بعد احتدام الصراع في سوريا. ففي 2012 أعلنت الحكومة اللبنانية أن حوالي 12 مليون كبسولة تمت مصادرتها، وفي العام التالي هبط هذا الرقم بمقدار 90 بالمائة بعد أن انتقلت غالبية معامل تصنيع العقار غير القانونية إلى سوريا. فالمصنعون أرادوا أن يكونوا قريبين من السوق حيث يتعاطى المجاهدون المناهضون لبشار الأسد في سوريا كميات كبيرة من العقار المنشط كي تساعدهم على الاستيقاظ لفترات طويلة ولتخفيف التوتر.
وهناك تكهنات في وسائل الإعلام الغربية مثل رويترز والإعلام المحلي أن عائدات بيع عقار الكبتاجون في سوريا يتم الآن استخدامها لتمويل شراء السلاح. وهذا أمر يصعب إثباته، ولكن الأسبوع الماضي أوقفت قوات مراقبة الحدود الأردنيةشحنة كبيرة من الأسلحة الصغيرة المتجهة إلى سوريا، وقامت القوات حينها بمصادرة حوالي 200 سلاح و10 آلاف كبسولة كبتاجون، مما يشير إلى احتمال وجود صلة بين البضاعتين.
والكبتاجون ليس المنشط الوحيد الذي يتم استخدامه على نطاق واسع في السعودية. فجيمس دورسي (المدون ومؤلف كتاب "العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط") يعتقد أن أندية كرة القدم السعودية مليئة بالمخدرات.
وفي حوار مع ميدل إيست مونيتور قال دورسي أن فؤاد أنور اللاعب السعودي السابق وكابتن المنتخب الوطني لكرة القدم أدان مؤخرا انتشار تعاطي
الحشيش من قبل اللاعبين ودعى إلى إجراء تحليلات لكشف من يقوم بتعاطي الحشيش. وقال فؤاد أنور ذلك في قناة "الرياضية" السعودية في بداية شهر مارس الحالي.
ويقول أنور أنه أراد "دق ناقوس الخطر" وأنه يعمل من أجل المصلحة العامة، ورفض الإنجرار إلى المزيد من الحديث حول الموضوع، قائلا أنه لا يريد أن يتهم بالتحيز الشخصي ضد لاعبين بعينهم.
ومن المعتقد أن استخدام الحشيش شائع في السعودية. ويأتي الكثير منه من أفغانستان حيث يتم تهريبه برا عبر اليمن أو بحرا. ومقارنة بالمعايير العالمية يعتبر منتج الحشيش من أردأ أنواع المخدرات.
وفي نوفمبر الماضي قبضت قوات خفر السواحل السعودية على أربعة يمنيين يحملونمايقربمنأربعمائةكيلوجراممنالحشيش مبحرين بها نحو قرية شقيق الساحلية. ولغلق المجال أمام الطرق البرية الستخدمة في التهريب، قامت قوات حرس الحدود السعودية بالبدء في تشييد جدار على طول الحدود السعودية اليمنية. وسوف يزود الحائط بكاميرات مراقبة عن بعد.
وتحدث موقع ميدل إيست مونيتور مع أحد الأجانب الغربيين المقيم في السعودية منذ 16 عام ويعمل كتاجر حشيش. وأخبرنا عن مخاطر العمل في دولة تحكم بالاعدام على المدانين بجرائم متعلقة بالمخدرات.
وقال التاجر (الذي رفض ذكر إسمه) أنه يعرف تجار مخدرات تم إعدامهم علنا: "حكم الاعدام هو من العقوبات التي يتم تنفيذها في السعودية، فهو من الأمور التي لا يجب الاستهانة بها".
ويضيف: "نحن فعليا لا نتحصل على أجرة مالية من هذه التجارة، فأرباحنا هي في الحشيش نفسه. فإذا اشتريت مخدرات بقيمة 5 آلاف ريال ربما أحتفظ ب150 جرام لنفسي قبل توزيعها على المستهلكين".
وهذا الربح العيني يعرف باللغة العامية ب"واش الموت" وهو تعبير ساخر يشير إلى مخاطر التجارة.
ويقول التاجر السابق أن إعدام المواطنين يتم تطبيقه على نطاق واسع. ولكنه يعتقد أن المغتربين الغربيين يتم معالمتهم بشكل مختلف.
ويقول: "كان لدي صديقين أمريكيين تم ضبطهم ومعهم كمية صغيرة من الحشيش، وقضوا 24 ساعة فقط في السجن ثم تم ترحيلهم بعد منعهم مدى الحياة من الحصول على التأشيرة السعودية." وبالتالي فهو يعتقد أن السلطات السعودية لم تكن ستعدمه لأنه أجنبي غربي.
وبالتزامن مع العام الجديد أعلنت الداخلية السعودية بفخر أن أول إعدامين سيتم تنفيذهما هما بحق مهربين للمخدرات. وتم القبض على أحدهما في جدة محاولا تهريب الهروين إلى السعودية والآخر تم إيقافه في القطيف. والرجلين وقعا ضحية النظام القضائي السعودي سيء السمعة القائم على العقوبات، والذي يصدر أحكاما منتظمة بالاعدام في جرائم المخدرات.
وبالرغم من صرامة هيئات إنفاذ القانون في المملكة إلا أنه من المريب أن هناك صعوبة بالغة في الوصول إلى المنظمات المحلية التي تسعى إلى معرفة المزيد عن مشكلة المخدرات أو المساعدة في العلاج. وقد حاولنا الاتصال بالجمعيات المحلية ومراكز معلومات المخدرات ولكن لم يكن أي منهم متاحا للتعليق على الموضوع.
وتشير بعض المصادر من الخبراء إلى أن السعودية لا تريد لهذه القضية أن يتم تداولها في الإعلام بشكل واسع ولا حتى أن يتم الإقرار بوجودها، على الرغم من أن وزارة الداخلية لديها مراكز تأهيل خاصة بها وهناك بعض الجهود المبذولة من أجل تحسين وسائل العلاج. وفي حين يظل الحشيش مشكلة إلا أن إدمان الكبتاجون هو السبب الرئيس لتواجد 50 بالمائة من المدمنين في مراكز التأهيل.
(ميديل إيست مونيتور.. ترجمة عربي21)