كتب ياسر محجوب الحسين:
جدل كثيف ثار الأسبوع الماضي في
السودان حول قضية ذات أبعاد أمنية خطيرة على البلاد مرتبطة بجهاز المخابرات
الإسرائيلي (الموساد)..
صحيفة سودانية واسعة الانتشار أوردت خبراً عن اعتقال السلطات الأمنية في الخرطوم لسوداني اتهم بتزويد إسرائيل بمعلومات استخدمتها تل أبيب في تنفيذ عمليات عسكرية في السودان.. خبر الصحيفة السودانية أقر به المحرر الأمني لصحيفة (تايم أوف إسرائيل) وكتب جابريئيل فيسكي يقول إن الموقوف السوداني تم تجنيده وتدريبه كجاسوس لإسرائيل أثناء وجوده في إسرائيل ضمن لاجئين سودانيين في إسرائيل في وقت سابق قبل عودته إلى السودان..
في مايو 2012 لقي مواطن سوداني (تتهمه إسرائيل بأنه تاجر سلاح) مصرعه داخل سيارته التي تفحمت تماما بسبب صاروخ موجه بمدينة بورتسودان شمال شرق البلاد على ساحل البحر الأحمر، قبل وفي شهر أبريل من العام 2011م استهدفت غارة منطقة (أوكو قباتيت) بولاية البحر الأحمر الساحلية على بعد 280 كلم شمال غربي بورتسودان، وذكرت الصحف الإسرائيلية حينها أن طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي شنت غارتين منفصلتين على منطقة في شرق السودان، استهدفت كل منهما عدداً من السيارات التي زعمت أنها كانت محملة بالذخائر، ومتوجهة إلى قطاع غزة..
منذ العام 2009 وبورتسودان المدينة الاستراتيجية تتعرض لحوادث قصف غريبة لا تشبه إلا الموساد الإسرائيلي.. واقتربت إسرائيل في نوفمبر 2012 من العاصمة الخرطوم ودمرت مصنع اليرموك الحربي على بعد كيلومترات قليلة جنوب العاصمة الخرطوم.. هذه الحوادث تشير إلى أن إسرائيل توفرت على معلومات دقيقة مكنتها من تصويبات دقيقة نحو أهدافها داخل السودان.
يشير اللواء معاش طيار الفاتح عابدون إلى وجود أكثر من ستة آلاف عميل إسرائيلي في المنطقة يعملون لتعريض أمن السودان للخطر وإضعاف قدراته، وأكد أن السودان يعاني من عدم وجود القوانين التي تردع العملاء والطابور الخامس، لذلك تجدهم يتجرؤون على مثل هذا العمل.. فضلا عن ذلك فإن الحدود بين مصر والسودان شاسعة جدا، ويمكن استغلالها من قبل الموساد الإسرائيلي الذي يتغلغل داخل السودان ويمارس نشاطه بطرق مختلفة.
صحيح أن الموساد وطيلة عقود مضت، عمد على نسج وبلورة هالة من العظمة الأسطورية من حوله، خدمة للحرب النفسية وتعظيما لقوة ردعه، لكن ما يقوم به في السودان الذي يعاني من ثغرات أمنية خطيرة أمر واقع ومحسوس.. وللموساد نجاحات استخبارية أمنية حققها لإسرائيل، مثل اختطاف المسؤول النازي أيخمان، واستدراج طيار عراقي بطائرة من طراز ميغ، وضرب المنشآت النووية السورية، والتشويش على المشروع النووي الإيراني وغير ذلك.
لكن ثمة تساؤلات فرضت نفسها؛ معلوم أن الطائرات الإسرائيلية المعتدية اتخذت من أجواء المياه الدولية في البحر الأحمر سبيلاً للوصول إلى السودان، هذا إن كانت قد انطلقت بالفعل مباشرة من فلسطين المحتلة.. لكن ما قبل البحر الأحمر شمالاً، أي خليج العقبة وما حوله، فمن أين مرت الطائرات المعتدية؟ يقال إن هناك مسارا واحدا وهو من فوق خليج العقبة، ومن ثم عبر أجواء مضائق تيران، ثم البحر الأحمر..
طبعا خليج العقبة كان مغلقا أمام الملاحة الإسرائيلية قبل عام 1956 لأنه مياه عربية.. لكن حتى إذا ما سلمنا جدلاً بدعاوى حق (إسرائيل) في المياه الدولية على خليج العقبة، فكيف تمر الطائرات الحربية الإسرائيلية من فوق مضائق تيران وهي أجواء سعودية ومصرية بحتة ولا شأن للقانون الدولي بها؟
السؤال الملح كذلك، ألا توجد لدى مصر والسعودية رادارات وأجهزة مراقبة لمعرفة وجهة الطائرات الإسرائيلية؟ هل يمكن أن تعبر الطائرات الإسرائيلية هكذا دون أن يتم التعرف عليها وتعقبها؟
ولا ينفصل النشاط الإسرائيلي في السودان عن كيمياء العلاقة بين شطري الوطن الذي تجزأ إلى جزئين، إذ لجأ كثير من المواطنين في
جنوب السودان إلى إسرائيل في فترات سابقة ووجدت فيهم بيئة ملائمة لتجنيد جواسيس لصالحها، ومازال المواطن الجنوبي يتحرك بحرية في السودان دون أن تجد حركته أي عوائق ولا يتم التعامل معه كشخص أجنبي..
إن استهداف إسرائيل للسودان مسألة تاريخية اتخذت أشكالا متعددة وغارات شرق السودان تعتبر الأعنف والأكثر سفورا.. كانت أول زيارة يقوم بها سلفاكير رئيس حكومة جوبا بعد الانفصال إلى إسرائيل، ولم تكن سوى تحصيل حاصل، فقد رعت إسرائيل التمرد في الجنوب منذ البداية، فقد تدرب كل القادة العسكريين الجنوبيين في إسرائيل، كما أن الخبراء الإسرائيليين منتشرون في مختلف المرافق والأجهزة الحكومية بدولة الجنوب الوليدة، والشركات الإسرائيلية تهيمن بالكامل على صناعة الفنادق وبعض المشروعات الإنشائية الأخرى..
ما ميّز تلك الزيارة أنها أول زيارة معلنة إلى إسرائيل.. سلفاكير قال بحضور الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز: (لقد وقفتم إلى جانبنا طوال الوقت، ولولا الدعم الذي قدمتموه لنا لما قامت لنا قائمة)!!.
كلام سلفاكير كان تعليقا على قول بيريز إن علاقة بلاده بقادة انفصال الجنوب بدأت أثناء حكومة ليفي اشكول في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان بيريز نائبا لوزير الدفاع.. سبقت زيارة سلفاكير وعقب إعلان الانفصال مباشرة زيارة قام بها وفد إسرائيلي برئاسة نائب رئيس الكنيست داني دانون إلى جوبا.
(عن بوابة الشرق 29 آذار/ مارس 2014)