حظيت خطوة اعتماد
المغرب قانونا جديدا خاصا بالقضاء العسكري بإشادات دولية ووطنية واسعة، خاصة ما تعلق منه من إخراج للمدنيين من سلطات واختصاص المحكمة العسكرية، إلى جانب ما نص عليه من إحالات للعسكريين أنفسهم إلى
القضاء العادي في حالة ارتكابهم مخالفات وجرائم تتعلق بالحق العام، فضلا عن منع القضاء العسكري من محاكمة كل من يقل عمره عن 18 سنة مهما كانت الجريمة التي ارتكبها.
المصادقة على القانون التي تمت نهاية الأسبوع المنصرم بالقصر الملكي بالعاصمة الرباط أثناء ترؤس الملك محمد السادس للمجلس الوزاري رقم 11 في عهد حكومة بن كيران؛ تهدف من بين ما تهدف إليه؛ إلى ملاءمة التشريع الوطني المتعلق بالقضاء العسكري مع مقتضيات الدستور، ومع المبادئ والمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال، كما أنه يجسد وفاء المغرب بالتزاماته الدستورية والدولية في مجال بناء دولة القانون وحماية حقوق الإنسان والنهوض بها في كل أبعادها، وذلك وفقا لتصريح أدلى به الناطق الرسمي باسم القصر الملكي عبد الحق المريني.
ومن أهم بنود القانون الجديد الذي تتوفر "عربي21" على نسخة منه؛ نصه على ضرورة نسخ المقتضيات الخاصة بإحالة
المدنيين على أنظار المحكمة العسكرية كيفما كان نوع الجريمة المرتكبة، وصفة مرتكبيها وقت السلم سواء كانوا فاعلين أو مساهمين أو شركاء لعسكريين.
ونص القانون الجديد صراحة على عدم اختصاص المحكمة العسكرية في محاكمة الأحداث الذين يقل عمرهم عن ثماني عشرة سنة كيفما كانت صفتهم أو نوع الجريمة المرتكبة من قبلهم.
كما نص ذات القانون على ضرورة إحالة العسكريين ومن في حكمهم أيضا على القضاء العادي في حالة ارتكابهم جرائم الحق العام، باستثناء ما هو مندرج ضمن الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية بصفة حصرية، وألغى المقتضيات الخاصة بإحالة مرتكبي الجرائم ضد أمن الدولة الخارجي إلى المحكمة العسكرية وجعل النظر في هذه الجرائم من اختصاص المحاكم العادية.
وركز المشروع على ضرورة منح المحكمة العسكرية إمكانية إحالة القضايا المعروضة عليها لمحاكمة أشخاص يخضعون لاختصاصها إلى المحاكم العادية، إذا كانت مرتبطة بقضية منظورة أمامها ولا يمكن فصلها عنها.
وفي السياق نفسه، أقر مشروع القانون الضمانات اللازمة من أجل تحقيق محاكمة عادلة أمام المحكمة العسكرية من خلال الإحالة على أحكام القانون الجنائي والقانون المتعلق بالمسطرة الجنائية فيما لم يرد به نص في القانون المتعلق بالقضاء العسكري أو أي نص قانوني خاص آخر.
خطوة المصادقة على هذا القانون العسكري لقيت إشادات عدة، منها تصريح رئيسة الجمعية المغربية للقضاة رشيدة أحفوظ؛ التي أكدت لوكالة المغرب العربي للأنباء أن قانون إصلاح القضاء العسكري يعد "قرارا جيدا للغاية "ويكرس انخراط المملكة في مسار تعزيز وحماية حقوق الإنسان".
من جهته، قال مدير فرع منظمة العفو الدولية في المغرب محمد السكتاوي؛ إن المصادقة على مشروع قانون القضاء العسكري تعتبر "خطوة هامة في مجال التأكيد على معايير المحاكمة العادلة". وثمن السكتاوي، في تصريح لقناة البحر الأبيض المتوسط الدولية (ميدي 1)، هذه الخطوة، مؤكدا أنه "آن الأوان للعمل بصفة أكبر في مجال تقوية معايير المحاكمة العادلة في المغرب". وقال إن إلغاء متابعة المدنيين أمام
المحاكم العسكرية خطوة "انتظرناها طويلا كمدافعين عن حقوق الإنسان".
المنظمة البريطانية غير الحكومية "الحرية للجميع"؛ أشادت بدورها بمصادقة مجلس الوزراء المغربي على القانون المتعلق بالقضاء العسكري. وأبرزت "تانيا واربيرغ"، رئيسة المنظمة الحقوقية البريطانية، في تصريح لـ"لاماب" بالقول إن مشروع القانون الذي يستبعد المدنيين من اختصاصات المحكمة العسكرية يشكل "دفعة جديدة" لزيادة تعزيز وترسيخ بناء دولة الحق والقانون.
وأضافت الفاعلة الحقوقية ببريطانيا أن الأمر يتعلق بكل تأكيد بـ"تقدم ملحوظ وهام" على طريق تعزيز المكتسبات التي راكمتها المملكة في مجال حقوق الإنسان، مضيفة أن مصادقة مجلس الوزراء على مشروع القانون تعكس "الالتزام القوي" للمغرب وتعلقه بالقيم العالمية لحقوق الإنسان.
وفي ذات المنحى، اعتبر نقيب الهيئة الوطنية للمحامين في موريتانيا أحمد سالم بوحبيني أن عدم متابعة المدنيين أمام القضاء العسكري "يشكل خطوة هامة نحو إلغاء القضاء الاستثنائي".
كما لقيت الخطوة إشادات مختلفة من فرنسا منها كلام "كريستوف بوتان" أستاذ القانون وعضو الجمعية الفرنسية للنهوض بالحريات الأساسية الذي أكد يوم السبت الماضي، أن مشروع القانون المتعلق بإصلاح القضاء العسكري يجعل من المغرب نموذجا في المنطقة. وقال بوتان إن العناصر الهامة لهذا الإصلاح عديدة ومنها أساسا أن متابعة المدنيين من اختصاص المحاكم العادية، وكذا إمكانية استئناف قرارات المحاكم العسكرية.
إلى ذلك أكد الجامعي الهندي الخبير في الشؤون الإفريقية "سوريش كومار" أن إلغاء متابعة المدنيين أمام المحكمة العسكرية بالمغرب يجسد التزام المغرب بحماية حقوق الإنسان.
وأوضح "كومار" في تصريح له أن مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون إصلاح القضاء العسكري "تجسد بوضوح التزام المغرب بالنهوض بحقوق الإنسان بما ينسجم مع مسلسل الإصلاحات التي باشرها المغرب (..) بغرض مواءمة التشريع المغربي مع المبادئ والمعايير الدولية" حسب قوله.
وحل القانون رقم 108-13 المتعلق بالقضاء العسكري محل الظهير الشريف رقم 1-56-270 الصادر سنة 1956 والذي وجهت له في السابق انتقادات عدة.
إلى ذلك، اعتبر عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، في ديباجة المشروع أن هذا الأخير يهدف إلى مراجعة قانون القضاء العسكري، وذلك من خلال مقاربة شاملة،
تراعي المرجعيات الحقوقية وما راكمه العمل القضائي المغربي من اجتهادات قضائية قارة ومتواترة أخذا بعين الاعتبار الثوابت الوطنية والتطورات التي عرفتها بلادنا على جميع الأصعدة.
تجدر الإشارة إلى أن القانون موضوع النشر صادق عليه المجلس الحكومي برئاسة رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران منذ أكثر من أسبوعين قبل إحالته على المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك محمد السادس. وهو مشروع يأتي في إطار المخطط التشريعي للحكومة الذي يضم العديد من القوانين التي يلزم دستور سنة 2011 على إخراجها لحيز الوجود قبل متم الولاية الحالية المرتقب أن تنتهي مع نهاية سنة 2016.