يعتبر محمد
دويبي، الامين العام لحركة"
النهضة" الاسلامية المعارضة في
الجزائر، ان منظومة الحكم منذ استقلال البلاد العام 1962 لم يكن لها ارادة حقيقية في التغيير. ويقول دويبي ان قرار مقاطعة
انتخابات الرئاسة المقررة يوم 17 نيسان/ ابريل الداخل، كان نتاجا لعدم استجابة السلطة لمطلب معظم الاحزاب السياسية وخاصة ما تعلق منها بسحب تنظيم الانتخابات من وزارة الداخلية وإسنادها لهيئة مستقلة، بالاضافة الى تفاصيل اخرى تطالعونها في هذا الحوار..
- اتخذتم قرارا بمقاطعة انتخابات الرئاسة في الجزائر، ما خلفيات القرار الحقيقية؟
أود ان اقول في البداية ان حركة النهضة قد عملت في الساحة السياسية مع مجموعة من الأحزاب الموجودة في صف المعارضة على توفير أجواء سياسية مناسبة لتنظيم الاستحقاقات الرئاسية لسنة 2014، حيث تكون هذه الأخيرة فرصة للجزائر حتى تنتقل من وضع سياسي مغلق ووضع اقتصادي هش ووضع اجتماعي مضطرب إلى فضاء الحريات الأوسع وإلى التنمية الاقتصادية التي تتماشى مع قدرات الجزائر، وإلى العدالة الاجتماعية التي ينشدها المواطن، وذلك من خلال جملة من المطالب تكون مشجعة للمواطن حتى يؤدي حقه وواجبه في هذا الاستحقاق الرئاسي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحفز الطبقة السياسية الجادة في المشاركة بقوة، وكان أبرز هذه المطالب هو إنشاء هيئة وطنية محايدة تشرف على العملية الانتخابية بدل الجهاز التنفيذي من خلال الإدارة التي لم تكن يوما ما تتسم بالحياد وتغيير الحكومة الحالة واستبدالها بحكومة محايدة توفر ضمانات ونزاهة الانتخابات وتحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين.
- لكن الحكومة وعلى لسان الوزير الاول عبد المالك سلال قد وعدت بانتخابات حرة ونزيهة، كما شددت على حياد الادارة في هذه الانتخابات؟
نحن نعتبر أن السلطة أدارت ظهرها للمطالب التي رفعناها، وأولها سحب تنظيم الانتخابات من وزارة الداخلية وإسنادها لهيئة مستقلة، وقامت باستدعاء الهيئة الناخبة انطلاقا من قانون الانتخابات المعدل سنة 2012 والذي يعطي صلاحية تنظيم الانتخابات للجهاز التنفيذي بالكامل، انطلاقا من رئيس الجمهورية ثم الوزير الأول ثم الوزراء ثم الولاة فالقضاة... إلخ. وعليه ولهذه الأسباب قررت حركة النهضة مقاطعة رئاسيات 2014.
- لكن هناك من يقول ان قرار مقاطعتكم انتخابات الرئاسة مرده علمكم ان الرئيس بوتفليقة سوف يترشح للانتخابات. ما مدى صحة هذا القول؟
إننا في حركة النهضة لم نربط موقفنا من رئاسيات 2014 بترشح بوتفليقة فقط، وإنما موقفنا له علاقة بمنظومة حكم منذ 1962، والتي لم يكن لها أي قناعة أو إرادة سياسية بالتحول الديمقراطي المطلوب من كل مكونات الساحة السياسية الجزائرية.
- الجميع كان ينتظر ان يعلن رئيس الحكومة الاسبق مولود حمروش ترشحه لانتخابات الرئاسة، لكنه لم يفعل، ما هي قراءتكم لهذا الموقف؟
من حيث المبدأ نحن مع طرح الأفكار والمبادرات والمساهمة في تحريك الساحة السياسية بمثل هذه المخرجات، غير أن خروج السيد مولود حمروش جاء متأخرا، وكان الأجدر ان تكون هذه المساهمة في محطات مفصلية كتعديل الدستور سنة 2008 والذي فتح العهدات لرئاسة الجمهورية، وهو التفاف كبير على أهم المكتسبات التي حصل عليها الشعب الجزائري في المرحلة الماضية. أما عدم ترشح السيد مولود حمروش فقد أفصح عنه أكثر من مرة وربط الموضوع بتقديم مرشح للسلطة أو مرشح المؤسسة العسكرية من عدمه.
- وما رأي الحركة في الدعوات للجيش بالتدخل لوقف ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، مثلما دعا إليه المترشح المنسحب الجنرال محند طاهر يعلى، ثم هل تعتقدون أن الجيش ما زال يصنع الرؤساء؟
إن حركة النهضة ناضلت ولا تزال على أن تؤدي المؤسسة العسكرية مهامها الدستورية، وأن تكون بعيدة عن الصراعات السياسية والمناكفات الحزبية، وهو ما يجلب لها الاحترام والتقدير من الجميع. أما إذا بقيت تؤثر في القرار السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر فإن الأوضاع ستتعقد أكثر لأن المستجدات المحلية والإقليمية والدولية، تفرض منطقا جديدا، ألا وهو مطلب الحريات الذي اقتنع به العام والخاص.
- ماذا تتوقعون أن يكون عليه الوضع بعد 17 نيسان/ أبريل؟
في اعتقادنا لا يزال أمامنا مشوار هام لتجسيد الحريات في الجزائر، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهد والعمل مع الأحزاب السياسية الجادة والتواقة إلى تكريس الفعل السياسي المبني على القواعد السليمة، والذي يوفر أجواء المنافسة بين مختلف هذه الأحزاب على أساس البرامج التي تنطلق من عمق الشعب الجزائري وتحقق له الحرية والعيش الكريم. غير أن أي رئيس بعد 17 نيسان/ أبريل لا يمكن أن يجد الطريق معبدا لا للفساد ولا للاستبداد، وذلك لما أصبح للشعب الجزائري من وعي وتحمل للمسؤولية.
- هناك من يعتقد ان التغيير في الجزائر مطلب صعب التحقيق لارتباط الازمة بمحطات تاريخية ذات علاقة بالثورة التحريرية قبل اكثر من 50 عاما، هل توافقون هذا الطرح؟
ينبغي أن نوضح الوضع السياسي العام في الجزائر منذ استقلال البلاد سنة 1962، والذي يتميز بجملة من الخصوصيات أبرزها: فصل موضوع الحريات السياسية المتمثل في الشق الأساسي من بيان أول تشرين الأول/ نوفمبر 1954، وهو إقامة دولة جزائرية ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. فمباشرة بعد استقلال البلاد تمت تجزئة هذا البيان إلى شق سياسي وشق اجتماعي، وعليه ومنذ ذلك الحين والشعب يعاني في موضوع الحريات السياسية وهو مغيب في أهم المحطات الانتخابية. أما ما تعلق بالأسئلة المطروحة فإن موقف حركة النهضة كان واضحا وبارزا منذ بداية الكلام حول الإصلاحات السياسية سنة 2011، والتي أبدت الحركة فيها جملة من المقترحات أبرزها بداية هذه الإصلاحات بتعديل دستوري يحقق إصلاحات شاملة تكرس النظام البرلماني لما له من وضوح في تحمل المسؤولية أمام الشعب، ثم تأتي القوانين العضوية الأخرى كقانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام وقانون البلدية والولاية. غير أن السلطة أخلّت بهذا التسلسل المنطقي في البناء السياسي السليم، ولم تتطرق إلى موضوع الدستور وبدأت بالقوانين الأخرى وهو إخلال بمعادلة الإصلاحات المنشودة.