تحاول
الولايات المتحدة تحديد الرد على
تدخل روسيا في القرم، وربما يكون هذا أصعب
مآزق سياسة خارجية يواجه باراك أوباما خلال رئاسته، والسؤال الآخر يتعلق بالإجراءات: لماذا لم نتحسب وقوع هذا؟
عندما عملت في مجلس الأمن القومي كانت اجتماعات التخطيط للطوارئ من أقل الاجتماعات متعة. ولأن هناك أحداثا كثيرة تدور في العالم وتحتاج إلى رد فعل مباشر كانت مناقشة قضايا محتملة الحدوث ورد الفعل لأمور لم تحصل بعد، وقد لا تحصل أبدا تبدو وكأنها ضرب من الترف.
ولكن التخطيط للطوارئ يعتبر خطوة مهمة في عملية تقرير السياسات. وتضطر الشخص إلى أن يفكر ليس فقط في كيف يرد على أحداث اليوم، ولكن أن يستقرئ مجموعة تحركات محتملة مستقبلا، ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة الولايات المتحدة عند وقوع تلك الأحداث. وبفعل هذا يطور الشخص فهما أحسن لما قد يحدث، وما هي الخطوات التي يجب أن تتخذ الآن؛ لمنع حدوث أزمات في المستقبل، أو أن نكون على الأقل جاهزين للأزمات إذا ما وقعت.
كما أن التخطيط يساعد على وضع أولويات، ولدى المسؤولين الكبار القليل من الوقت والطاقة؛ بحيث لا يستطيعون انفاقها على الأمور التي تعتبر هامشية بالنسبة للمصالح الأمريكية.
ولكن كان هناك فشل في السياسة الخارجية أكثر من مرة حديثا وكثير من هذا الأزمات كان بالإمكان توقعها.
ففي فنزويلا كان متوقعا ألا ينتهي تسليم السلطة من هوغو تشافيز إلى خليفته الذي اختاره بيده بشكل جيد. فكانت سياسات تشافيز يمكن تمريرها بقوة شخصيته وبراعته السياسية، وبدعم الجيش له. ومادورو ليس عنده أي من هذه المقومات. وعندما بدأ اقتصاد فنزويلا يترنح، وبدأ السخط الشعبي يتنامى، لجأ إلى الأداة البدائية الموجودة لديه: القوة العمياء. ولم يكن هذا السيناريو ضروريا، ولكنه كان يمكن توقعه، ومع هذا فإن واشنطن كانت تبحث عن رد.
وفي سوريا استمرت التحذيرات من عدم قيام أمريكا بفعل بشكل مستمر من محللي الشرق الأوسط منذ عام 2011، إلا أن الولايات المتحدة وضعت نفسها في زاوية، ومن ناحية تصر على رحيل الأسد، وفي الوقت نفسه ترفض تبني سياسات تعجل رحيله؛ وهذا يعني ترك سوريا تحترق.
وهذا العجز في الرؤية المستقبلية ينعكس في تحذير أوباما للأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكن لم يكن هناك أي رد عندما تحداه الأسد، واستخدم الأسلحة الكيماوية.
وفي أوكرانيا مرت لحظة استقراء المستقبل في تشرين ثاني/ نوفمبر عندما رفض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، حيث كان هذا تراجعا قد يكون سببه الضغط وربما التحفيز الروسي.
فلا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي كان لديه رد على هذه المناورة الروسية؛ وذلك لتجنب حرب رهانات مع موسكو، أو الدخول مع بوتن في لعبة جيوسياسية. وبعد مرور شهرين فالثمن الذي يجب أن ندفعه لتأمين أوكرانيا أعلى، وكذلك الرهانات الجيوسياسية.
وفي كل حالة، ما كان مطلوبا، وما كان التخطيط للطوارئ سيوصي بسياسة أكثر جرأة. لا أعني أكثر جرأة؛ أي التصرف بتسرع أو عنف، واذا وضعنا المبررات الفارغة التي يطرحها المسؤولون الأمريكان لتبرير السلبية جانبا؛ أعني أن يكون هناك تحرك ايجابي لمواجهة الأزمات.
وفي كل حالة كانت السياسة المختارة مبنية على تخفيض المجازفة والتكلفة على المدى القصير، ولكن على حساب تكاليف أكبر على المدى الطويل. لقد توقفنا متفرجين بينما تعمقت المشاكل وأصبح حلها أصعب؛ وبناء عليه تضاءلت هيبتنا.
والآن وقد هددنا موسكو بأن التدخل سيكلفها غاليا، وبعد أن أهملتنا على أمريكا وحلفائها أن يتصرفوا بشكل سريع، ليثبتوا تهديدات الرئيس. ولكن العملية السياسية يجب ألا تتوقف هنا. وليس الوقت متأخرا لاستطلاع المستقبل والتخطيط لأي طوارئ مستقبلية.
وبالإضافة لملاحقة روسيا لخرقها سيادة أوكرانيا من خلال المقاطعة أو الخطوات المتعلقة الأخرى، يجب أن نفكر كيف نوقف تقدم القوات الروسية، ونرد على أي رد فعل روسي معاكس مثل تهديدها بقطع إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا.
ولأن الهدف الأكبر ليس فقط معاقبة روسيا على أخطائها، ولكن هو مساعدة أوكرانيا الوقوف على قدميها، يجب أن تركز سياستنا على كيفية مساعدة اقتصاد أوكرانيا المتصدع، وتشجيع قيام حكومة تعددية وشاملة. التقدم على هذه الجبهات وليس فقط الانسحاب الروسي من القرم هو ما تحتاجه أوكرانيا لتنعم بالاستقرار والازدهار.
إن الاجتياح الروسي لأوكرانيا يذكر صناع السياسة بشيء تعلموه ونسوه عدة مرات: السياسة الجغرافية لم تمت بعد. وهذا مدعاة لنا لأن نفيق من غيبوبتنا في السياسة الخارجية، ونؤكد أهمية التخطيط للطوارئ، واستشراف المستقبل عند رسم السياسات. ففي عالم مليء بالأزمات يجب علينا أن نكون جاهزين، والأحسن من ذلك قادرين على منع وقوع الأزمات التي يمكن التنبؤ بها.
* مايكل سينغ هو المدير العام لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعمل من 2005 حتى 2008 في قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.
* مترجم عن صحيفة "واشنطن بوست"