في ذروة العملية السلمية، كان التيار الرافض لها في الطرف الإسرائيلي قويا. هذا التيار، وعلى رأسه بنيامين نتنياهو وآرئيل شارون، لم يظل في المعارضة، بل صار أعضاؤه حكاما؛ فيما تيار التسوية (الإسرائيلي) لم يتحول إلى معارضة قوية، بل تفكك ويكاد يتلاشى لصالح قوى طارئة، تفتقر للعمق وتغرق في التطرف والمزايدة. وهذه القوى هي اللاعب الأساسي في السياسة الإسرائيلية، وهي إن لم تحكم مباشرة، فإن لها قوة تصويتية ضارية، وتؤثر بدرجة كبيرة في القرار الصهيوني.
في نقاشات
الكنيست حول
القدس، مزايدة على نتنياهو من قبل القوى الطارئة المتطرفة. فحقيقة، لا يوجد في تاريخ الصهيونية زعيم مثله؛ تمكن من تغيير الوقائع في القدس من خلال الاستيطان، واستهداف الرموز العربية في المدينة. وبالنتيجة، تمكن الصهاينة من تهويد المدينة من خلال ابتلاعها في القدس الكبرى، أرضا وسكانا، ولم يعد العرب غير أقلية تثبت أن الصهاينة ديمقراطيون يحافظون على حقوق الأقليات!
أمام الحقائق التي فرضها الصهاينة بعقلائهم ومجانينهم على الأرض، أين يقع سجال مجلس النواب الأردني؛ هل هو على قول الأعرابي "أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل"؟ هل بقي أن يعلن المجلس حالة الحرب لتحرير القدس السليبة؟
مع أني لا أعتقد أن الحكومة ستلبي طلب النواب بقطع العلاقات، إلا أن الرسالة من المهم أن تصل، وبشكل متواصل. فالصراع على الأرض حُسم باحتلال القدس العام 1967، ومن يومها فإن الصراع على الرواية. إذ يريد الصهاينة إلغاء الرواية العربية الإسلامية للقدس، وتعميم روايتهم التي تقول إنها عاصمة الشعب اليهودي على مدى التاريخ.
وفي الرواية الصهيونية لا تُلغى المقدسات الدينية للمسلمين والمسيحيين، بل على العكس؛ تُستخدم باعتبارها دليلا على أن الصهاينة وحدهم من يحمون الأقليات، ويؤمنون بالتنوع. من هنا قبل الصهاينة بإشراف وزارة الأوقاف الأردنية على المقدسات بعد الاحتلال. وفي معاهدة وادي عربة، قبل الصهاينة باستمرار هذا الدور، ليس عن طيب خاطر، ولكن لأنهم عدو عاقل يدرك أهمية السلام مع الأردن، ولا يمكن بقوة الاحتلال الهيمنة على مقدسات المسلمين والمسيحيين. واستمرار الوصاية الأردنية على المقدسات هو إبقاء على أمر واقع، وليس تغييرا له.
اليوم، علينا أن نستغل الجنون الصهيوني لتأكيد روايتنا للصراع؛ وهي أن القدس عربية إسلامية، وأن الحضارة العربية الإسلامية عبّرت عن التنوع، ولم تلغ أحدا، ولم تشهد "الهولوكوست"، بل ظل اليهود جزءا منها في الوقت الذي كانوا يتعرضون فيه للإبادة في حضارة الغرب. والقدس كانت مفتوحة للجميع بلا استثناء، من كل المذاهب والأديان، ولم تشهد الإغلاق إلا بعد احتلال الصهاينة.
نحتاج من مجلس النواب الأردني تشريعا يخص القدس، وليس فقط حركة سياسية ردا على هوج صهيوني. قانون القدس هو قانون ينص على تجريم من يتبنى الرواية الصهيونية بشأن المدينة، ويتبنى الرواية العربية، في السياسة والتربية والتعليم والأوقاف. هذا القانون لن يدحر الصهاينة، لكنه ينغص على روايتهم، وهذا هدف بحد ذاته.