كتب المعلق في صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية بيتر ابورن مقالا حول الإبتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد أي بنك أو شركة بريطانية تتعامل تجاريا مع إيران حتى لو كان نشاطها لا يتنافي مع القانون البريطاني.
وبدأ مقالته بقصة حصلت مع صديقه الذي اشترى بعض الزعفران الإيراني على الانترنت من بائع في برمنجهام ودفع ثمنه 30 جنيها عن طريق شركة "بيبال "الدولية ودفع المبلغة بالجنيه الاسترليني، وبعدها وصلته رسالة بالإيميل من بايبال تقول إنه خرق القوانين الأمريكية وطلبوا منه توقيع استمارة يعترف بأنه تصرف بشكل غير قانوني.
ويعلق على الحادثة قائلا إن صديقه بريطاني ولم يفعل ما يتعارض مع القانون البريطاني، ولكنه يعامل من أمريكا وكأنه مجرم. ويقول إنه عندما بحث في الأمر وجد أن ما عاناه صديقه ليس إلا "قمة جبل الجليد" فالقمع الأمريكي لم يصب فقط الأشخاص العاديين بل الشركات الصغيرة والكبيرة وحتى البنوك.
ويضيف أن
بريطانيا وبدون أي احتجاج سلمت كل ما يتعلق بتجارتها مع إيران لقسم في وزارة المالية الأمريكية يسمى مكتب التحكم بالإصول الأجنبية (أوفاك) ووظيفة هذا القسم مراقبة تطبيق المقاطعة على إيران بمتابعة الشركات الأجنبية التي تتعامل معها وقامت باضطهاد البنوك البريطانية الرئيسية مثل (آر بي إس) و (تش إس بي سي) وباركليز ولويدز وقد دفعت هذه البنوك مجتمعة أكثر من مليار دولار غرامات مع أنها لم تخرق القانون البريطاني ولا القانون الدولي.
وأبرز مثال على هذا كان بنك "ستاندرد تشارترد" الذي أجبر على دفع غرامة 667 مليون دولار. وقد تم ابتزاز البنك من السلطات الأمريكية حيث خير بين أن يتوقف عن التعامل مع أي تجارة ايرانية أو يمنع من العمل في
امريكا.
ويؤكد الكاتب أنه ليس ضد العقوبات فيما يتعلق بالمنشآت النووية وبشكل يتم الاتفاق عليه ديمقراطيا ويكون قابلا لطرح الأسئلة في البرلمان وخارجه، ولكن في الواقع فإن هناك عقوبات ثانوية فرضتها الولايات المتحدة على إيران بابتزازها البنوك البريطانية. وكأن هذه العقوبات سرية فأصحاب
المصارف لا يتحدثون عنها والبرلمان لا يناقشها من قريب أو بعيد ولم يعلن عنها أو يوافق عليها الوزراء ولا تدخل ضمن سياسات الحكومة ولكن الولايات المتحدة تفرضها من جانب واحد على البنوك البريطانية والأجنبية.
كما أنه انتقد لامبالاة الحكومة تجاه هذه التدخلات الأمريكية السافرة قائلا أن الشخص يتوقع من الحكومة الدفاع عن مواطنيها عندما يقومون كأشخاص أو شركات بعملهم بشكل قانوني وتمنع تدخل بلد أجنبي بعملهم، ولكن لم يحصل هذا لا من رئاسة الوزراء ولا الخارجية. ويعلق على هذه الحالة قائلا إنها لم تكن لتحصل أيام مارغريت ثاتشر ويذكر أنها عندما حاولت أمريكا منع شركة بريطانية بيع توربينات لشركة أنابيب غاز روسية وقفت ثاتشر مع الشركة مما جعل ريغان يقول "ماغي ثاتشر جعلتني أدرك أنني كنت مخطئا".
وسمح للشركة بتصدير التوربينات. ويعلق قائلا "كانت تلك ثاتشر ولكننا اليوم نتحدث عن
كاميرون وهيغ الذين لا يظهرون أي تصميم للدفاع عن المصالح البريطانية".
ويضيف أن من الفوارق العجيبة أنهيسهل على شركة أمريكية التعامل تجاريا مع ايران من شركة بريطانية لأن البنك الذي تتعامل معه الشركة في أمريكا يمكنه التعامل دون الخوف من أن تقوم أوفاك بمعاقبته ما دامت الصفقة لا تتعارض مع العقوبات ولكن بنك الشركة البريطانية سيكون عرضة للإضطهاد من أوفاك حتى ولو كانت حاصلة على موافقة المالية البريطانية.
ويقول "إن المصرفيين وإن كانوا يرفضون الحديث عن أوفاك إلا أن شخصا أخبرني أن أوفاك تبتز البنك بأنه سيكون هناك تبعات للتعامل مع إيران مثل سحب الترخيص في أمريكا أو وضع البنك على اللائحة السوداء. وبناء عليه يوافق البنك على وقف كل أشكال التعامل الإقتصادي مع إيران ودفع الغرامة وعدم العودة للتعامل مع إيران.
كما يشترط على البنك عدم البوح بالاتفاقية التي تم التوصل إليها، وهذا ما لا ينطبق على الجانب الأمريكي، إنها شبيهة إلى حد ما بالتفاوض مع المتهمين بتهمة ما، ولكنها لا تصل المحاكم لأن البنوك تفترض أن لو وصلت محكمة فإن القاضي سيفرض عليها غرامة أكبر ومعاقبة بنك تجعله عبرة للآخرين فيلا يقومون بالشيء نفسه.
وقد أثرت هذه العقوبات المالية على البنوك البريطانية التي لم تكن قادرة على تمويل أو تحويل أموال لأي عملية تجارية قانونية مع إيران حتى البضائع الطبية أو الإنسانية، ومعظم المصرفيون مذعورون من الولايات المتحدة لدرجة أنهم يغلقون حسب أي شخص له إي علاقة من قريب أو بعيد مع إيران
عدم التوازن هذا موجود في نواحي أخرى.
ويضرب الكاتب عليه مثالا الإتفاقية التي توصل إليها بلير مع الأمريكان التي يستطيع الأمريكيين بمقتضاها استجلاب شخص بريطاني ولكن لا يمكن لبريطانيا أن تستجلب شخصا امريكيا. ويعلق على فشل الساسيين البريطانيين في الاحتجاج على هذا الوضع قائلا "إن السيد كاميرون والسيد هيغ بالغي الفصاحة عندما يتحدثان ضد تدخل الاتحاد الاوروبي عن سيادة بريطانيا، ولكن عندما يكون الأمر متعلقا بأمريكا يصمتان والسكوت علامة الرضا".
وينهي قائلا "ربما يسعدهما أن تكون بريطانيا تابعة لأمريكا ولا يسعدهما ان تكون بريطانيا مشتركة في السيادة مع بقية الإتحاد الأوروبي، فإن كان هذا هو الحال فليقولا ذلك". ويضيف "من المؤكد أن ثاتشر ما كانت لتقبل بهذا الوضع وكانت ستدافع عن المصالح البريطانية وأن على ديفيد كاميرون أن يبدأ بالتصرف أكثر كالمرآة الحديدية وأقل مثل توني بلير".