تقول مجلة "تايم" الأمريكية إن مسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى يتعرضون لتطهير عرقي حقيقي، فالجماعات المعروفة باسم "ضد- البلاكا" والتي تعني بلغة سانغو المحلية "ضد السواطير" تجاوزت مهمتها الأصلية وتقوم بممارسة عملية انتقام واسعة على المسلمين بعد قيام مجموعة من المتمردين المسلمين في شهر آذار/ مارس العام الماضي بالإطاحة بالحكومة وقيادة نظام مارس قمعا استمر أشهر.
وجماعات ضد- البلاكا متهمة الآن بارتكاب مجازر ومذابح أسوأ من تلك التي دفعت أفرادها لحمل السلاح.
وأشار كاتب التقرير أندرو كاتز إلى تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي انترناشونال) في الإسبوع الماضي الذي قال إن الهجمات التي قامت بها جماعات ضد- بلاكا المكونة من مسيحيين ووثنيين تصل إلى حل "التطهير العرقي".
وأشارت إلى فتح فاتو بنسودة، المدعي العام في محكمة جرائم الحرب الدولية في هيج قام تحقيق أولي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية قائلا "يبدو أن بعض الضحايا تم استهدافهم عن قصد بسبب دينهم".
فيما ردد مسؤول في الأمم المتحدة نفس الأمر وذلك أثناء زيارته للعاصمة بانغي التي دمرتها الحرب حيث قال للصحافيين "هناك عملية تطهير عرقي- ديني قائمة الآن ويجب وقفها".
وتضيف المجلة إلى أن عمليات النهب والقتل التي تجري منذ أسابيع أدت إلى أزمة ديمغرافية في جمهورية إفريقيا الوسطى، فقد تم تشريد حوالي مليون نسمة من سكانها البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة، وقتل على الأقل ألف شخص.
ويشكل المسلمون نسبة 15% من عدد السكان أي ما يقرب من 690.000 نسمة. وبحسب منظمة أطباء بلا حدود فقد غادر من المسلمين حوالي 80.000 شخص.
وتم إفراغ أحياء بكاملها في العاصمة بانغي وبلدات شمال- غرب البلاد من سكانها فيما تدفق أعداد كبيرة للدول الجارة، الكاميرون وتشاد. ويخشى عمال الإغاثة من أن يؤدي رحيل المسلمين عن البلاد لمجاعة خاصة أن المسلمين كانوا يشتغلون بالتجارة ورعاية الماشية وكانوا مهمين لتوفير وانتاج الغذاء.
وتقول جوان مارينر، وهي مسؤولة أزمات في لأمنستي فالمشهد اليوم مختلف عما كان العام الماضي "فإذا سافرت بالسيارة العام الماضي في أنحاء البلاد فكنت تشهد سلطة
سيليكا" أما اليوم فما تشاهده هو ميليشيات ضد- بلاكا المنتشرة في كل مكان "فهم الذين يسيطرون على غالبية البلدات والطرق".
ويقول ويليام لاسي سوينغ، المدير العام لللمنظمة الدولي للهجرة والمبعوث الأمريكي السابق في بانغي، حيث عمل فيها منتصف السبعينات من القرن الماضي أنه "صدم" مما رأه عندما كان في زيارة للبلد بداية الشهر الحالي شباط/فبراير. "إفريقيا الوسطى التي كنت أعرفها كان البعد الديني في الصراع غائبا" اما الآن فهو "في الكثير من المشاكل".
ويحاول الخبراء والمحللون معرفة الطريقة التي اندلع فيها العنف الديني، حيث يقولون إنه ربما تأثر بالعنف الجاري في بعض دول المنطقة أو أنه نتيجة لسنوات من الحكم الفاسد في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة.
ولكن البلاد لم تشهد نزاعا دينيا في السابق حسب لويزا لومبارد الباحثة في وسط إفريقيا بجامعة كاليفورنيا- بيركلي. وقالت إن سببه هو التهميش الذي أصاب المسلمين والذي تسارع بعد وصول الرئيس فرانسو بوزيزي للسلطة عام 2003. فقد تمت معاملة المسلمين الذين يعيش معظمهم في مناطق مهملة ومعزولة في شمال- شرق البلاد كأجانب.
وقادت حالة الإستلاب التي عاشها المسلمون لتشكيل جماعات سيلاكا والتي لقيت دعما من مقاتلين تشاديين وسودانيين، حيث هزموا الجيش الضعيف في نهاية عام 2012، وسيطروا بسرعة على معظم البلاد، وقام بوزيزي بتعيين رئيس وزراء من المعارضة ووقع أكثر من مرة على اتفاقات مع قادة السيلكا في ليبرفيل، عاصمة الغابون، ولكنه عندما فشل بالوفاء بتعهداته قامت جماعات السيلكا بالإطاحة به وعينت بدلا عنه ميشيل جوتوديا، وهو أول رئيس مسلم للبلاد.
وفي الوقت الذي قام الرئيس هذا بحل ميليشيات السيلكا في أيلول/ سيبتمبر العام الماضي إلا أن بعضها ظل عاملا مما أدى لإحياء نشاطات ضد- بلاكا، وتحول الأمر إلى عملية تصفية حسابات وهجمات انتقامية. وفي بداية كانون الأول/ديسمبر تركت مذبحة استمرت ليومين أكثر من 200 قتيل.
ونقلت المجلة عن أمادو سي الزميل الباحث في معهد بروكينغز- مبادرة التنمية الإفريقية قوله إن قدوم قوات حفظ السلام الفرنسية وقوات الإتحاد الإفريقي كانت نقطة تحول مهمة، فقد رأت ميليشيات ضد- بلاكا أن الريح تتغير لصالحهم، حيث بدأت ميليشيا سيلكا بالتراجع فيما أجبرت القوى الإقليمية جوتوديا على ترك السلطة، ومن هنا خرجت ميليشيات ضد- بلاكا وبدأت بالإنتقام بطريقة خارجة عن السيطرة، وبعد أسابيع من القتل لم يبق أي شيء من النسيج الإجتماعي فقد تمزق كله بحسب الباحثة لومبارد.
ومع أن الرئيسة الإنتقالية المعينة كاثرين سامبا بانزا قد أعلنت الحرب على ميليشيات ضد- بلاكا وأعلنت فرنسا عن زيادة قواتها في إفريقيا الوسطى، وحتى بعد حل الأزمة الأمنية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية فبالنسبة للمسلمين الهاربين فقد يكون كل شيء متأخر.