أشار تقرير لصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إلى أن
لبنان تتحول تدريجيا إلى "ساحة للجهاد" حيث تتزايد قوة الجماعات الجهادية المرتبط بعضها بتنظيم
القاعدة في الوقت الذي يتدخل فيه
حزب الله اللبناني الشيعي في الحرب الأهلية الدائرة في سورية.
وفي التقرير الذي أعده نيكولاس بلانفورد من مدينة طرابلس في شمال لبنان أشار إلى أن سلسلة التفجيرات، والعمليات الانتحارية وعمليات تبادل إطلاق النار وإطلاق الصواريخ عبر الحدود السورية – اللبنانية تثير قلق الكثيرين من أن تنظيم القاعدة يوسع عملياته في لبنان.
ويقول بلانفورد إن الهجمات لا تمثل دفعة نحو توسع استراتيجي للقاعدة في لبنان بقدر ما هي رد فعل تكتيكي للدعم العسكري الذي يقدمه حزب الله لنظام بشار الأسد في سورية، ولم يصدر عن التنظيم أي إعلان عن اعتبار لبنان كمسرح شرعي للجهاد.
لكن محللين وناشطين إسلاميين يقولون إن الحرب في سورية والتوتر بين السنة والشيعة في لبنان يخلق أرضية خصبة لظهور القاعدة.
وينقل عن عمر بكري محمد، وهو ناشط سابق في حزب التحرير، وسلفي حالي قوله: "في عام 2006 لم يكن السنة في لبنان مهتمين بالقاعدة، لكنها الآن تحولت إلى أسطورة في أذهان الشباب"، وأضاف "إذا أرادت القاعدة أن تتحرك فستلقى الكثير ممن سيدعمونها".
وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله قد رفض الاتهامات التي قالت إن الهجمات التي يقوم بها المتشددون السنة جاءت بسبب تدخل حزبه في سورية، وأكد أن حزب الله ليس أمامه أي خيار سوى التدخل، لأن "لبنان مستهدف من الجماعات التكفيرية وجزء من مشروعهم هو القدوم للبنان بعد الانتهاء من سورية".
ويشير التقرير أن أهل السنة في لبنان معتدلون في العادة، في بلد يضم 18 طائفة بمساحة أصغر من ولاية نيوجرسي الأمريكية.
ويعمل سنة لبنان بالقطاع التجاري وهم جزء من طبقة رجال الأعمال ولم يكن التشدد جزءا من تركيبتهم، لكن الحرب في سورية وتدفق اللاجئين السوريين وتدخل حزب الله في سورية لعب دورا في ظهور النزعات المتشددة، كما لعب لبنان دورا مهما للقاعدة من أجل نقل المساعدات وتهريب المقاتلين العرب الراغبين للقتال مع الجماعات المسلحة في سورية، وقبل ذلك المقاتلين الراغبين في قتال الأمريكيين في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
ومن العوامل الأخرى التي أدت لتغير أهل السنة في السنوات الأخيرة زيادة مظاهر الحنق على تزايد دور حزب الله في السياسة اللبنانية، كما زادت الحرب في سورية من حنقهم حيث يحارب الحزب الله اللبناني المقاتلين السوريين المعارضين للأسد والذين يلقون دعما من السنة في لبنان.
ويبقى سلفيو في لبنان أقل تشدداً من أقرانهم في العراق وأفغانستان، فبحسب أبو البراء، وهو سلفي لبناني وقائد مجموعة مسلحة في باب التبانة بمدينة طرابلس: "نحن أكثر لينا لأن لبنان مجتمع مفتوح، ولا يمكننك أن تقارننا بالعراقيين أو الأفغان".
ويضيف "السبب وراء تزايد نزعات التشدد هو شعور السنة بالضغط بسبب الحرب في سورية وحزب الله، ونشعر أننا دفعنا للجدار".
وتشهد مدينة طرابلس مناوشات مستمرة بين سكان باب التبانة (السنة) وسكان جبل محسن (العلويين)، ويعتبر الاقتتال بين الجانبين صورة مصغرة عن الحرب في سورية، وتعبيراً عن الانقسام الطائفي في لبنان.
وتبدو آثار الحرب على بنايات شارع سورية في مدينة طرابلس، وتنتشر المتاريس والحواجز، فيما تراقب مصفحات الجيش اللبناني الوضع عن قرب.
ويقول أبو البراء الذي قضى عشرة أعوام في السجن بسبب تفجيره مطعما من سلسلة "كي أف سي" في طرابلس أن سكان باب التبانة يدعمون
جبهة النصرة "وحتى الآن لم أشاهد أي أمر من القاعدة لتنفيذ عمليات في لبنان"، ويضيف: "إذا أردت أن تتحدث عن تزايد القاعدة هنا، نعم من ناحية عاطفية وأيديولوجيا ولكن ليس تحت اسمها الرسمي، ومن الصعب على القاعدة إعلان لبنان كساحة جهاد بسبب التركيبة السكانية التي تعتبر عائقاً ولان الحركة السلفية هنا لا تزال ضعيفة".
ويتحدث التقرير عن تطور العمليات في داخل لبنان، فمنذ اعتراف حسن نصر الله بمشاركة حزبه في القتال داخل سورية، ضربت مناطق الشيعة 8 هجمات بسيارات مفخخة، وضربت 15 صاروخا من داخل سورية المناطق الحدودية للبنان، فيما نصبت 5 كمائن لحافلات يعتقد أنها تابعة لحزب الله.
كما أعلنت ثلاث جماعات مسؤوليتها عن الهجمات، جبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق والشام، وكتائب عبدالله عزام؛ الأولى سورية، والثانية سورية وعراقية، أما الأخيرة فمعظم أفرادها من لبنان والفلسطينيين من أبناء المخيمات خاصة مخيم عين الحلوة.
وأعلنت كتائب عبدالله عزام مسؤوليتها عن تفجير السفارة الإيرانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وكان أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة صرح لقناة "الجزيرة" في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي أن حركته لديها فرع لبناني وهو من قام بإطلاق الصواريخ على القرى الشيعية في منطقة الهرمل في البقاع.
غير أن هناك أراء متضاربة حول وجود الجناح اللبناني، إذ يرى كثيرون أن المصطلح غير مهم. وبحسب بلال بارودي وهو شيخ سلفي من طرابلس: "النصرة تعني الدعم وعليه فكلنا جبهة النصرة للمستضعفين السوريين، الاسم لس مهماً ولكن الفعل هو الأهم".
وفي ضوء هذا الوضع تقول الصحيفة إن تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري يحاول الحفاظ على وجوده وأهميته وسط تحول الشباب نحو المواقف الأكثر تشددا.
وفي خطابه الذي ألقاه في الذكرى التاسعة لاغتيال والده، دعا الحريري أهل السنة في لبنان إلى الابتعاد عن محاولة جرهم نحو "حروب مجنونة" بين القاعدة وحزب الله مما سيجر لبنان نحو المحرقة الطائفية.
لكن دعواته نزلت على آذان صماء، فالدعم الشعبي الذي حققه خاصة في المناطق المهمشة والمحرومة يتراجع وهناك نوع من الغضب لموافقته على الجلوس إلى جانب وزراء من حزب الله في حكومة تمام سلام التي أعلنت نهاية الأسبوع الماضي.