ساد التفاؤل الحذر بين المواطنين الفلسطينيين عقب وصول وفد اللجنة المركزية لحركة "
فتح" قبل قرابة الأسبوع إلى قطاع غزة، بإمكانية التوصل إلى
المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام.
وظل المواطن الفلسطيني حذرًا من الإفراط في التفاؤل؛ نظرا لأن تجربته مريرة مع جولات من المصالحة واجتماعات كانت غالبًا لا تخرج بنتيجة، إلا أن هذه المرة نشأ توقع بأنها تختلف عن بقية المرات، لا سيما بعد الكلام الإيجابي الذي سمع خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بين عضو المكتب السياسي لحركة
حماس خليل الحية ورئيس وفد حركة فتح وعضو اللجنة المركزية للحركة نبيل شعث، وذلك عقب اللقاء مع رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية.
ويبقى التساؤل قائما، عن فرص نجاح المصالحة الفلسطينية، بوجود عقبات لا تعد ولا تحصى، والناظر فيها يكاد يشعر -أو يشعر فعلا- باليأس من تحققها. فبين الأجندات الخاصة والمصالح الذاتية التي يراوح بينها قادة السلطة، بعيداً عن الهم الفلسطيني، وبين الضغوط الدولية والإقليمية للمضي في مفاوضات وتسويات لا طائل وراءها سوى المزيد من التنازل، وبين تنسيق أمني وملاحقة للمقاومين وشرفاء الشعب، إلى غير ذلك.. هل يتبقى هناك متسع للنظر في المصلحة العليا للشعب؟
تراشق إعلامي
هذا التفاؤل سرعان ما تبخر عقب انتهاء زيارة الوفد الفتحاوي للقطاع والتصريحات التي بدأت تطلق من هنا وهناك حول جدوى هذه الزيارة، عدا عن مهاجمة الناطقين باسم حركة فتح هذه الزيارة، والتقليل من نتائج الحوارات التي تمت، وكأن شيئًا لم يكن.
وأكدت الحكومة الفلسطينية في غزة أن تصريحات الناطقين باسم حركة فتح لا تعكس حقيقة ما دار في الاجتماعات حول المصالحة والأجواء الإيجابية التي سادت، مطالبة الحركة بوضع ناطقيها بصورة الأجواء الإيجابية للمصالحة.
تخريب المصالحة
وقال طاهر النونو المستشار الاعلامي لرئاسة الوزراء في غزة لـ "قدس برس": "في اللقاء الأخير مع قيادة حركة "فتح" قبل عشرة أيام بدأ بحث معمق حول مفهوم الشراكة، وهو مفهوم أكبر وأوسع وأهم من منطق مجرد مصالحة أو إنهاء الانقسام، وتميز اللقاء بالصراحة والوضوح في الملف السياسي والعلاقات الثنائية والأوضاع الداخلية".
وأضاف: "للأسف ما استمعنا إليه من ناطقي "فتح" طوال الأيام الماضية لا يعكس إطلاقا ما دار في اللقاء، ويعكس توجهات لا علاقة لها بالمصالحة، بل على العكس، يؤدي إلى تخريبها".
وأعرب النونو عن أمله في أن توضح قيادة حركة فتح لناطقيها وقياداتها الفرعية ما الذي دار في اللقاء حتى "تتوقف عملية التخريب إن كانت بشكل مقصود أو غير مقصود من هؤلاء الذين يبدو أنهم يغلبون الظهور الإعلامي على المصلحة الوطنية".
ومن جهتها رفضت حركة فتح تصريحات النونو، متهمة حركة حماس باستغلال المصالحة لكسب مزيد من الوقت. وقالت "فتح"، في بيان صادر عن مفوضية الإعلام والثقافة: "إن المتحدثين الإعلاميين باسمها يعبرون عن
سياسة ومواقف الحركة من كل القضايا".
وأضافت: "إننا نشدد على أن المتحدثين الإعلاميين لا ينطقون عن الهوى، وإنما يعبرون عن سياسة الحركة ومواقفها المبنية على معطيات وحقائق وبينات، مستقاة من مركز القرار بالحركة ومرجعياتها".
وطالبت "حماس" بالبدء بتنفيذ الاتفاقات التي وافقت ووقعت عليها، والشروع بمصالحة فلسطينية حقيقية تعزز الوحدة الوطنية.
إلا إن الكاتب هشام ساق الله صاحب مدونة "مشاغبات سياسية" التي تركز على الوضع الفتحاوي الداخلي؛ أكد أن ناطقي حركة فتح ليس لهم استراتيجية واضحة ويتحدثون حسب هواهم ودون أي معرفة مسبقة عن الأمور التي تدور حولهم.
وقال ساق الله لـ "قدس برس": "أغلب الناطقين الإعلاميين باسم حركة "فتح" يقومون بالاجتهاد في تصريحاتهم ولا يعودون للقيادة، ولو أنهم يعودون لقيادتهم لما كانت التصريحات تخرج هكذا". وأضاف: "لا يوجد استراتيجية واضحة لدى الناطقين باسم "فتح" وجميعهم يفتون من عندهم دون أي مرجعية".
تحذيرات من التغريد خارج السرب
واعتبر الدكتور أحمد حمّاد نائب عميد كلية الإعلام في جامعة الأقصى بغزة أن التراشق الإعلامي بين الطرفين يضر بموضوع المصالحة الفلسطينية، ويضر بخطوات توحيد الجهود نحو إحلال الوحدة والوئام بين أبناء الشعب الواحد وخاصة بين حركتي "فتح" و"حماس".
واختلف حماد مع ساق الله حول أن ناطقي "فتح" يجتهدون ويتحدثون من رؤوسهم، مؤكدًا أن ناطقي "فتح" يعرفون جيدا ما يتحدثون به.
وقال حماد لـ "قدس برس": "أعتقد أن لكل طرف رؤيته الخاصة تجاه المصالحة، من ناحية تثبيت سياسة الأمر الواقع إن كان في الضفة الغربية وغزة".
وطالب بالكف عن مثل هذه التصريحات الإعلامية والمزايدات أو التشويشات التي قد تضر بمسار المصالحة الفلسطينية، قائلا: "علينا جميعا أن نكون يقظين لأن هناك أيدي عابثة تحاول تخرب العلاقات الداخلية الفلسطينية أو حتى العلاقات مع دول الجوار العربي".
توتير للموقف واشتراطات غير منطقية
وفي السياق نفسه، انتقد النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني فتحي القرعاوي، التصريحات الأخيرة لرئيس وفد حركة "فتح" للمصالحة الداخلية مع حركة "حماس" عزام الأحمد، مؤكداً أن "أي مصالحة تنفذ في شقٍ واحدٍ من الوطن بمعزل عن بقية أرجائه ستكون مرفوضة".
وقال النائب عن محافظة طولكرم في بيان صحفي: "إن من يروج للمصالحة المجزوءة لا يستحق ولا ينبغي له أن يكون رئيس لجنة مصالحة".
وكان الأحمد قد صرح بأن حركة "حماس" غير جاهزة لإتمام المصالحة الداخلية، وأن إصرار "حماس" على ربط المصالحة بالأوضاع في الضفة هو أمر سيعطل المصالحة، رافضاً ربط المصالحة بأي ملفات أخرى.
وأشار القرعاوي إلى أن كثيراً من المراقبين شككوا في إمكانية نجاح المصالحة أو تقدم عجلتها، منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن ترؤس الأحمد لوفد حركة فتح في المصالحة والإعلان عن زيارة غزة، "وذلك يرجع لما عرف عن عزام الأحمد، من أنه شخصية توتيرية وانفعالية".
وأردف النائب الفلسطيني، قائلا: "إن الأحمد هو من الذين حرضوا حكومة الانقلاب في مصر ضد "حماس" وغزة، حيث صرح في حينه أنه لا مانع لديه من دخول غزة على ظهر دبابة مصرية".
وذكّر القرعاوي بتصريحٍ أسبقٍ للأحمد قال فيه إن الاعتقال السياسي لن يتوقف حتى وإن تمت المصالحة. وأكد القرعاوي أن هذه التصريحات وغيرها "تظهر حرص البعض على استمرار تمزيق أواصر الوطن ومعاناة الشعب الفلسطيني"، متسائلاً "كيف يعقل أن يتوقف الاعتقال السياسي وأن يتم الاتفاق على برنامج المصالحة كاملاً في غزة بمعزل عن الضفة الغربية؟".
المفاوضات العبثية!
ويعتقد الأكاديمي الفلسطيني الدكتور عبد الستار قاسم أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من العمليات التفاوضية، وهو الذي حصل على ما يريد بإقامة سلطة فلسطينية عملت على ترتيب أدائها بحسب ما ينفع مصالحها.
وأضاف قاسم لـ "عربي21" أن "المفاوضين الفلسطينيين لو خيّروا بين تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه، وبين خدمة المحتل، لاختاروا خدمة المحتل والتنسيق معه إداريًّا وأمنيًّا، لأنّ الخيار الأوّل لا يهمهم".
وأكّد أن الاحتلال "لم يستخدم المفاوضات بعد عام 1996 إلا للتسلية وكسب الوقت لتنفيذ ما يريد، ولم يحصل الفلسطيني على شيء.. اللهمّ، باستثناء المفاوض الذي سعى وراء فتات من المال والحصول على تسهيلات من المحتل ومناصب ووجاهة، لأنه أصلاً لم يكن جزءًا من المشروع الوطني الفلسطيني".
الاعتقال السياسي.. عقبات سياسية لصالح "الالتزامات الأمنية"
وفي سياق متصل، يرى مختصون ومسؤولون أن استمرار حملات الأجهزة الأمنية بحق كوادر ومناصري المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، يأتي ضمن التزامات السلطة في اتفاقياتها الموقّعة مع الاحتلال الإسرائيلي، بما يخالف القانون الفلسطيني ويحمل بين ثناياه أخطارًا على المشهد السياسي.
ويؤكد هؤلاء في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا" أنّ الاعتقال السياسي بدا سمة بارزة لا تفارق المشهد السياسي المعقّد في الضّفة، فيما يجمعون على أنّ هذا النوع يضر بالقضايا الفلسطينية العامة وأهمها المصالحة، التي تُذبح على مقصلة الاعتقال السياسي.
وتتهم فصائل فلسطينية أجهزة أمن السلطة بمواصلة ملاحقة عناصرها ومؤيديها وتعتقلهم على "خلفية سياسية" بشكل شبه يومي، فيما تنفي السلطة الأمر وتقول إن "الاعتقالات أمنية وليست سياسية".
اعتقالات تعسّفية
وترى الناشطة السياسية لمى خاطر، أنّ "الاعتقالات التي تمارسها أجهزة السلطة جزء من التزامات السلطة الأمنية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وفي إطار دورها في ملاحقة كل من يزعج الاحتلال سواء أكان من حماس أم غيرها".
وتستشهد خاطر بذلك في حديثها لوكالة "صفا" على أن "معايير الاعتقال لدى السلطة وموجباته هي ذاتها معايير الاحتلال في الملاحقة والاعتقال"، مؤكدة أنها "تصب في مشروع التنسيق الأمني الذي يشكّل العمود الفقري للسلطة في علاقتها مع الاحتلال وأجهزته الأمنية".
ويعبّر الناشط الحقوقي فهمي شاهين عن رفضه لاستمرار قضيّة الاعتقالات السياسية بحقّ المواطنين الفلسطينيين في الضّفة الغربية، مشددًا على أنّ الاعتقال السياسي هو اعتقال تعسفيّ، مطالبًا باحترام سيادة القانون والرأي والرأي الآخر والتعدّدية السياسية.
عبث بالمصير
ويعتبر القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدران جابر قضيّة الاعتقال السياسي نوعًا من العبث بمصير شعبنا ومستقبله، عادّا إياها خطوات تستهدف تعكير الأجواء التي يحاول السياسي الفلسطيني أن يصنعها، فيما يعيد المسؤول الأمني خربطة الأوراق مع بعضها.
ويعتقد جابر أنّ هناك منتفعين وموجّهين ووجودهم خارج إطار المصلحة الوطنية العليا، ووظائفهم لا تخدم المصلحة الوطنية العليا، إضافة إلى أنّ الأدوار التي يقومون بها تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، معتبرا أن "هذا الأمر يجب أن ينتهي فورا".
أمّا النائب في المجلس التشريعي سميرة الحلايقة فتكشف لـ"صفا"، أنّ بداية عام 2014 شهدت حصيلة مرتفعة في أعداد المعتقلين السياسيين في الضّفة الغربية مقارنة مع ذات الشّهور في الأعوام المنصرمة.
وتؤكّد أنّ وتيرة التعذيب الجسدي والنّفسي تصاعدت بحقّ المعتقلين السياسيين في زنازين التحقيق بسجون السلطة، خاصّة في سجون جهازي المخابرات والأمن الوقائي في أريحا التي يجري نقل معتقلين سياسيين إليها من مختلف محافظات الضّفة، إضافة إلى ارتفاع متزامن لوتيرة التعذيب في سجن "جنيد" بمدينة نابلس.