أعادت حادثة مقتل الأطفال الإخوة الثلاثة المسلمين - أثناء عودتهم من
الصلاة في
المسجد جنوب
تايلاند - أزمة الولايات الجنوبية من جديد إلى أجندة سياسة الحكومة في العاصمة بانكوك، التي عصفت بها الأزمة السياسية في الآونة الأخيرة.
وأجرت الأناضول حواراً مع جهمو مامان (40 عاماً) والد الأطفال الثلاثة - الذي سرد تفاصيل أحداث مقتل أطفاله البالغين من الأعمار ستة وتسعة أعوام، و11 عاماً؛ عقب أدائهم صلاة المغرب في جامع "باروكابيرو" في الثالث من شباط/ فبراير الجاري.
وأوضح أنهم تعرضوا لهجوم بأسلحة نارية من قبل أشخاص كانوا يختفون بين الأشجار في مكان قرب الجامع، الأمر الذي أودى بحياة أطفاله الثلاثة، مبيناً أنه بالرغم من مرور نحو تسعة أيام على الحادثة المأساوية، إلا أنه لم يتم التوصل للفاعلين الذين ما زال الغموض يلف هويتهم، هل هم من العنصريين؟ أم أنهم من قوات الأمن التايلندية الذين يشتبهون بدعم "مامان" للمتمردين المسلمين في ثورتهم التي اندلعت منذ العام 2004 والتي راح ضحيتها نحو 6 آلاف شخص؟و
ويلاحظ الزائر للعاصمة بانكوك مشاهد الاهتمام بالمدينة، وانتشار المعابد
البوذية ذات الأسقف الذهبية، والمراكز التجارية الضخمة، والمقاهي الفاخرة ذات الماركة المسجلة عالمياً.
ومن جهة أخرى، يلاحظ المتجول في ولايات أقصى جنوب تايلاند، بدلاً من الأبنية المرتفعة، منازل قروية وآلات زراعية ومستنقعات بدلاً من الحدائق، وأطعمة والألبسة البسيطة بدلاً من المأكولات والملابس الفاخرة.
ولا يمر أسبوع واحد في ولايات "باتاني" و"يالا" و"ناراثيوات"، ذات الأغلبية المسلمة، دون أن تشهد هجوماً مسلحاً هنا أو كميناً هناك.
ويعيش سكان المنطقة الجنوبية تحت حالة الطوارئ منذ 10 سنوات، في بلد 95% من سكانه من البوذيين، حيث يقوم نحو 50 ألف عنصر من قوات الأمن التايلاندية بمراقبة ومتابعة كل حركة في المنطقة المسلمة.
وبالرغم من اندلاع الاشتباكات في المنطقة في العام 2004؛ إلا أن أصول الأزمة تعود إلى أسباب تاريخية تمتد إلى 100 عام سابقة؛ حيث ضمت تايلاند، التي كان يطلق عليها اسم "سيام" قبل العام 1939، المنطقة الجنوبية التي كانت تابعة إلى سلطنة مالاي؛ بموجب اتفاقية تم توقيعها في العام 1907، وفي العام 1960 اندلعت حرب أهلية عقب محاولة الحكومة التايلندية الحد من التعليم في المدارس الإسلامية، كما اندلعت حرب أهلية جديدة عام 2004 عقب قيام المتمردين بتنفيذ سلسلة من الهجمات التي هزت أركان الدولة.
إلى ذلك أفاد الدكتور "ابراهيم نارونغ راكساكيت" - عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية في جامعة باتاني للأناضول؛ بأن الأوضاع في المنطقة الجنوبية آخذة في التدهور، وأن الحكومة تبذل كل وقتها وجهدها ومصادرها من أجل السياسة في بانكوك فقط، لافتاً إلى أن المتمردين ينتمون إلى جماعات مختلفة، وأن أكثر الجماعات فعاليةً "الجبهة الثورية الوطنية" - التي لم تعلن حتى اللحظة عن أهدافها السياسية، وتدين "استعمار سيام"، وتسعى لإقامة دولة باتاني المستقلة تحت اسم السلطنة القديم.
بدوره، شبّه المحلل السياسي الغربي "دون باثان" الوضع في باتالي بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن 80% من البيروقراطيين ورجال الدولة العاملين في المنطقة الجنوبية،هم من البوذيين القادمين من مناطق أخرى، إضافةً إلى نحو 50 ألف رجل أمن تايلاندي، ما يجعل المنطقة أشبه بالضفة الغربية في فلسطين.
وكانت حكومة تايلاند شرعت في مفاوضات مع ممثلي حركات التمرد - بوساطة ماليزية - في حين لم تحرز المفاوضات أي تقدم حتى اللحظة، فيما حظيت تايلاند بثناء العالم عقب الجهود التي بذلتها حكومة رئيسة الوزراء "ينغلوك شيناوترا" بهذا الخصوص.
من جانبه قال المحلل في الشأن التايلاندي "ماثيو ويلر" - العامل في مجموعة الأزمات العالمية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها: "إن إجراء الحوار بحد ذاته يعتبر نجاحاً كبيراً في هذه المسألة"، مبيناً أن "الشروع في حوار سياسي مع جماعات اعتمدت العنف ضد تايلاند يعتبر خطوة كبيرة بالنسبة للمسؤولين التايلنديين".
بيد أن الأزمة الأخيرة التي تشهدها البلاد عطلّت الجولة الرابعة من المفاوضات التي كان مقررا عقدها في كانون أول/ ديسمبر الماضي، فيما يسود القلق من أن تتهاوى قضية الجنوب في منزلق خطير، خلال أي مبادرة تناقشها الحكومة مع الحزب الديمقراطي المعارض في المفاوضات الرامية إلى حل الأزمة السياسية الناشئة مؤخراً.
ويشير ويل إلى أن الجيش التايلندي - الذي يوصف بأنه دولة داخل الدولة - لا يرغب في إجراء حوار بشأن أزمة الجنوب، كما أنه يظهر قلقه من تدويل القضية، معتبراً إياها مسألة داخلية. وبين أن الجيش يعتبر أزمة الجنوب مصدراً هاماً بالنسبة له، حيث أنفقت تايلاند من أجل العمليات الأمنية التي يديرها الجيش في الجنوب من العام 2004 نحو 45 مليار يورو. وكان ممثلو المتمردين في الجنوب قدموا خمس شروط من أجل الشروع في حوار، بينما لمحت الحكومة في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي إلى أنها جاهزة لمناقشة الشروط الخمسة.