تزايدت وتيرة الصراع، في جمهورية أفريقيا الوسطى، التى تعد من أفقر بلدان العالم، وعانت فترة طويلة من توترات دينية، واقتصادية، بين المسيحيين (الأغلبية)، والمسلمين (الأقلية)، الذين يعملون تقليديا في تربية المواشي، وأكثر ثراء من المسيحيين، الذين يعملون غالبا في الزراعة.
الأزمة بدأت في شهر آذار/ مارس 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزيه، من قبل ائتلاف جماعتين مسلمتين سموا أنفسهم "تحالف سيليكا"، وتنصيب ميشال دجوتوديا، أول رئيس مسلم للبلاد منذ استقلالها عن
فرنسا عام 1960.
تطورات الأزمة في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، والمواجهات المسلحة في قلب العاصمة (بانغي)، أجبرت ميشال دجوتوديا، على الاستقالة من منصبه، بفعل ضغوط دولية، وإقليمية، وتنصيب كاثرين سامبا-بانزا، رئيسة مؤقتة للبلاد.
نهاية الأسبوع الماضي، شهد قيام المليشيات المسيحية المسلحة بأعمال عنف أودت بحياة عشرات المسلمين بعد رميهم قنبلة على أحد المساجد، وتمثيلهم بشباب مسلم، أمام القوات الرواندية العاملة هناك، وبحسب ما قال قائد القوات الفرنسية، بجمهورية أفريقيا الوسطى (الجنرال فرانسيسكز سوريان)، فإن المليشيات المسيحية، هي التي ترتكب الجرائم بحق المسلمين، واعتبرهم الجنرال أنهم "أعداء السلام الحقيقيين".
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، مؤخرا لإرسال مزيد من القوات الفرنسية، والأفريقية، إلى أفريقيا الوسطى لوقف أعمال العنف الطائفية، وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، مارتن نسيركي، بحث زيادة دعم البعثة، وتسريع نشر قوات الاتحاد الأفريقي.
وبحسب ما أوردت المنظمة الأممية العاملة هناك فقد خلف الصراع الذي ينزلق نحو حرب أهلية وراءه آلاف القتلى، ونحو مليون مشرد، رغم وجود قوات فرنسية يقدر عددها بنحو 1500 جنديا، بخلاف قوات الاتحاد الأفريقي التى يقدر عددها بنحو 5400 جنديا.
وكشف مصدر دبلوماسي أفريقي رفض ذكر اسمه أن مجلس السلم والأمن الأفريقي يتابع تطورات الأحداث بالجمهورية، بحالة من القلق، قائلا، إنهم على اتصال مباشر مع قائد قوات حفظ السلام الأفريقية الجنرال (مارتن تومنيتا)، وقد وجهوا إليه تعليمات مشددة لمواجهة المليشيات المسلحة، وضرورة إيقاف عمليات القتل، والنهب، والسلب، التي تتعرض لها مواقع ومحلات المسلمين ببعض الأحياء بالعاصمة (بانغي).
وأضاف المصدر أن 1600 جندي سيتم نشرها في المواقع الاستراتيجية، مشيرا إلى وجود تنسيق بين قوات حفظ السلام الفرنسية (سانجاريس)، وقوات حفظ السلام الأفريقية (ميسكا)، وذلك لخطورة الوضع.
وأشار المصدر إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي بإرسال 500 جندي أوروبي لحماية المدنيين، ومساعدة القوات الإفريقية.
وأوضح المصدر للأناضول أن أولويات الاتحاد الأفريقي ترتكز على نزع أسلحة المليشيات المسلحة بأفريقيا الوسطى البالغ تعداد سكانها 4.4 مليون نسمة، الأمر الذي عده محللون، بأنه امتحان صعب للاتحاد، في ظل جرائم "إبادة جماعية" ترتكب بشكل شبه يومي.
وقلل مراقبون من فرص الجمع بين الفرقاء، في هذا الصراع الدائر، بسبب التركيبة الأفريقية الإثنية (العرقية)، والعقدية (الدينية)، من مسلمين ومسيحيين، وديانات أخرى، حيث يمثل المسيحيون 40% من تعداد السكان، بينما يمثل المسلمون حوالي 20%، و35%وثنيين، والـ5% الباقية ديانات أخرى.
يضاف إلى الخلاف العقيدي، التشابك الجغرافي، بين أفريقيا الوسطى، وعدد من الدول الأفريقية المجاورة، مثل تشاد، التي ساهمت بمفردها من بين الدول الأفريقية بقوات حفظ سلام.
وبخلاف تشاد، تربط السودان، بأفريقيا الوسطى حدود جغرافية، لكن هناك ضعف فى العلاقات بين البلدين، فالسودان الذي فقد ما بين 107 إلى 380 كلم من أراضيه، بعد انفصال الجنوب في 2011م يفضل البعد تماما عن أزمة، أفريقيا الوسطي، أولا، لأن الأمر مشتبك مع مناطق الحدود لإقليم دارفور السودانية، التي انفردت بالحركات المسلحة منذ أكثر من 10 أعوام، وثانيا لأن تدخله فى الأزمة، سيعد ذريعة للدول الغربية للدخول بمبررات مكافحة الإرهاب.
مراقبون يستشهدون بتجرية فرنسا في مالي، ويعزون اهتمام الأخيرة بأفريقيا الوسطى، إلى وضع فرنسا الاقتصادي، الذي يحتاج إلى معالجات، وهو ما قد تحققه عبر هذه المنطقة، التي تزخر بالموارد الطبيعية، كالذهب، والماس (يشكل 45% من عائدات أفريقيا الوسطى)، واليورانيوم، وقد يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بالقول، بأن الأزمة مفتعلة من قبل أصحاب النفوذ، وشركات الذهب، والماس، والكوبالت (معدن صلب يستخدم فى إنتاج السبائك الصلبة).
وبالإضافة إلى الأطماع فى ثروات أفريقيا الوسطى، يأتي اهتمام الغرب بهذه الدولة، تخوفا من استغلال الجماعات التى تعتبرها أوروبا متطرفة، للنزاع الديني بين المسلمين، والمسيحيين في أفريقيا الوسطى، ومحاولة هذه الجماعات الاستفادة، من الاستراتيجيات الجغرافية المتمثلة، في مجاهل أفريقيا الوسطى.
تخوف أوروبا من فتح جبهات جديدة، يصعب من مهامها في محاربة الجماعات الإرهابية عبر عنه نائب الأمين العام للأمم المتحدة جان إلياسون لمجلس الأمن في تصريحات صحفية مؤخرا، "بأن الجمهورية الأفريقية أصبحت أرضا خصبة للمتطرفين والجماعات المسلحة"، وأنها يمكن أن تنزلق إلى حرب أهلية واسعة النطاق بين المسلمين والمسيحيين.