قال كريستوفر غانيس، المتحدث باسم الأمم في المتحدة في مجال الإغاثة إن "الكلمات عن الطريقة التي يستهين بها الإنسان بأخيه الإنسان أضيفت لها كلمة جديدة:
اليرموك، وهو المخيم الذي يقع على حافة دمشق، والذي كان يوما عامرا وينبض بالحياة للمجتمع الفلسطيني اللاجئ، وعاش فيه 160 ألف فلسطيني بسلام ووئام مع بقية أطياف المجتمع السوري".
وأضاف في تقريره الذي نشرته صحيفة "أوبزرفر" البريطانية قائلا إن المخيم "تحول ومنذ ستة أشهر إلى كلمة صارت صنوًا مع سوء التغذية التي يعاني منها الأطفال، والنساء اللاتي يمتن أثناء الولادة بسبب نقص العناية الطبية، فيما أجبر السكان الذين قل عددهم على تناول طعام الحيوانات". مضيفا أن "كل هذا يحدث في عاصمة دولة هي عضو كامل في الأمم المتحدة. ومن هنا يلخص مخيم اليرموك معاناة المدنيين في الصراع السوري، وكان يجب أن لا يحدث لهم هذا".
ويشير الكاتب هنا إلى "الوجة الإنساني" لكارثة اليرموك والمتمثلة بخالد الذي يبلغ من العمر 14 شهرا. هو طفل الحرب الذي ولد في الوقت الذي بدأت فيه الحرب تصل مخيم اليرموك، عندما دخلته الجماعات المسلحة، وردا على هذا قامت القوات الحكومية بمحاصرته. وقد "شاهد هو وعائلته الصغيرة التي علقت في المخيم في حياته القصيرة معاناة أكثر مما يعانيه الواحد منا في حياته كلها".
ويضيف أنه إذا كان "خالد يجسد الصراع المأساوي السوري، فهو يمثل فرصة يجب أن ننتهزها، فقد كان خالد سيموت لولا الجهود التي قام بها الدكتور إبراهيم محمد، الطبيب العامل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (
أونروا) وهو الذي عالج الطفل من سوء التغذية الحاد والمعروف طبيا بـ"كواشيوكور" الذي يتسبب به نقص البروتين".
ويضيف غانيس قائلا: "عندما شاهدت خالد كان يبدو مثل جنين عمره خمسة أشهر، وكان على حافة الموت، حيث عاش خالد على الماء وبدون طعام مدة شهرين، وعندما سألت والدته نور (29 عاما) عن الحياة في مخيم اليرموك قالت والدته "جهنم قد تكون أحسن" غلينا البهارات في الماء وشربناها، وأكلنا العشب حتى لم يتبق عشب نأكله".
وقال: "كانت نور قد أنجبت خالد في البيت، وكانت قادرة على إرضاعه من ثدييها إلا أن سوء التغذية أدى لتوقف الحليب، ولم تكن قادرة على شراء حليب الأبقار الذي كان يهرب لداخل المخيم بسبب غلاء أسعاره، فيما لم يتوفر الحليب الجاف، وظل خالد بدونه، وكان محظوظا فابنة أختها ماتت من الجوع".
وتضيف نور: "كان كل واحد يتوقع أنه سيموت بسبب الجوع أو القصف، فقد كان الموت في كل مكان، واحدة من جاراتي ماتت أثناء الولادة، والسبب أنه تم استدعاء القابلة في منتصف الولادة للمساعدة في حالة أخرى، وعندما عادت كانت الجارة قد نزفت حتى الموت".
ويقول غانيس: "هناك الكثير من الحالات مثل خالد ونور في مخيم اليرموك من الذين يقابلهم عمال الإغاثة يوميا في مخيم اليرموك منذ 18 كانون الثاني (يناير) ومنذ أن فتحت السلطات السورية أبواب المخيم لقوافل الإغاثة".
ويتحدث عن معاناة الحصول على الطعام؛ فبعد فحص بطاقات الهوية يخرجون إلى منطقة معروفة يتمركز فيها القناصة على الجانبين ثم ينضمون إلى طابور طويل للحصول على الطعام. وفي نهاية اليوم قد يعود الكثيرون منهم بدون طعام أو دواء.
وبسبب الصعوبات يقول المسؤول في الأونروا إنهم كانوا أحيانا وفي الأيام الجيدة يوزعون أكثر من ألف حزمة طعام تحتوي كل واحدة منها على مواد غذائية كافية لحوالي أسبوعين. وفي الأيام الصعبة كانوا يوزعون رزم طعام قليلة لا تقل عن 26 رزمة ولا تزيد على 645 رزمة.
ويتحدث عن المعوقات التي يواجهها عمال الإغاثة من السلطات منها ما حدث في الشهر الماضي عندما سمحت القوات السورية لقوافل الإغاثة بالسفر لليرموك، ولكنها طلبت من الشاحنات المحملة بالدواء والطعام دخول المخيم من بوابته الجنوبية وليس الشمالية التي تسيطرعليها الحكومة والأكثر أمنا، وقالت إن السبب راجع للظروف الأمنية. وعندما وصلت القافلة أطراف المخيم زودها الجيش السوري بقوة حتى عبرت آخر حاجز للجيش ثم بعد ذلك رافقتها جرافة لكي تزيح الردم والأنقاض ولكي تمر في منطقة يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.
وفي الطريق تعرضت الجرافة لوابل من الرصاص أجبرها على التراجع، وتبع ذلك سلسلة من إطلاق النار بالرشاشات والقنابل التي انفجرت قريبا من قافلة الأمم المتحدة، حيث اضطرت للعودة بدون أن يتعرض فريقها لإصابات.
هذا الحادث وغيره لم يفض من عزيمة الأونروا.
وزاد: "بعد السماح لنا بدخول اليرموك في 18 كانون الثاني (يناير) الماضي استطعنا توزيع أكثر من 6000 رزمة تحتوي على مواد غذائية أساسية وقمنا بتوزيع ألف حقنة من لقاح شلل الأطفال، وهذا ليس كاف، فنحن بحاجة للكثير، ونريد تأمين دخول مستمر ومتواصل للمخيم، وكل هذا نريده للمدنين السوريين فهناك أكثر من يرموك في سورية".
وينهي غانيس بالعودة لخالد: "بعد أربعة أسابيع، تعافى نتيجة للطعام والدواء، ووجهه الذي لم تكن فيه حياة يحمل الآن ابتسامة، وبطنه ورجلاه المتورمة تعافت وكل هذا يعود للجهد الذي قام به محمد. ووزنه الآن وصل إلى وزن طفل عمره ثمانية أشهر، وينمو بشكل تدريجي وبمساعدة طبية متواصلة، ودائرتنا الصحية واثقة من أنه سيعود لوضعه الصحي الطبيعي.
ويأمل غانيس أن يتحول اسم اليرموك من رمز للمعاناة إلى رمز للرحمة والكرامة لسكانه ولكل السوريين، لأنه عندما فقد أهل سورية واليرموك كرامتهم "فقدت الإنسانية كرامتها".