منذ 3 يوليو وانقلاب
السيسي وجيشه على الرئيس المنتخب محمد
مرسي وجماعته "
الإخوان" مرورا بمجزرة رابعة العدوية والنهضة والمجازر الأخرى؛ والسؤال المطروح والعنوان المتصدر لساحة المواجهات بين دولة الانقلاب وأنصار الشرعية هو مصير هذا الانقلاب وموقع السيسي المستقبلي. ترددت عبارات إسقاط الانقلاب في 6 ايام او في 6 اسابيع او في 3 شهور من التظاهر، ولكن ثبت بالتجربة أن هذا السلوك عمليا لم يؤثر كثيرا على تماسك الانقلاب بالرغم من وقوعه تحت وطأة أزمات كبرى لأن منظومة الدعم الإقليمي تقف بكل قوتها خلف دعم الفاشية العسكرية في
مصر.
لقد قلت سابقا منذ 4 شهور أن الانقلاب قوي ومتماسك ولا يعتمد على شخص السيسي فقط. فقد تم برمجة ودمج كامل المؤسسة العسكرية في المعركة "عمليا وفكريا"، وبهذا أصبح مصير الانقلاب هو ذاته مصير المؤسسة العسكرية "كاملة" ورؤيتها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية و"الفكرية" أيضا. وتقف خلف هذا الانقلاب مكونات مجتمعية "ثقيلة" سواء كانت مكونات طائفية أو طبقية أو مالية أو أمنية.. وتدعمه أغلب نقاط التمركز والقوة الإقليمية والعالمية.
كذلك فإن هذا الانقلاب يحاكم الآن كافة رموز العهد السابق ويسجن منهم عشرات الآلاف، وتم اطلاق اليد الأمنية بشكل واسع وترحيب مجتمعي. ويتم الآن تخيير المجتمع بين عدة اختيارات تطرحها المؤسسة العسكرية لمستقبل السلطة، مابين عسكريين ومدنيين بخلفيات أمنية. فقد انتهى الانقلاب من مرحلة تثبيت أقدامه وأركان نظامه سياسيا بخطوات القمع الشامل، ثم هو الآن يسعى نحو صنع معارضة تضمن له البقاء من داخل الاعتراف بمنظومته السياسية الجديدة والمعارضة من داخلها.
وعليه فالنظام الحالي يمر بمرحلة صعود وولادة بينما، يمر الاخوان وحلفائهم بمرحلة تراجع ومقاومة. وعليه فإسقاط المتراجع للصاعد في هذه الحالة أمر لم يرد تاريخيا إلا قليلا جدا، فالطبيعي وفق سنن التاريخ إن كانت هناك فجوة بين المنتصر والمهزوم في موازنة القوة والمنتصر استطاع أن يخدع عموم الناس بمشروعه، تقول سنن التاريخ أن هناك صعوبة في قلب مسار التاريخ في هذه اللحظة، بل الطبيعي أن يستتب له الامر ويسيطر ويجلس كي يمكن بعد ذلك اسقاطه. إن قدوم السيسي للرئاسة دون غيره لهو أمر مفيد جدا للصراع بين العسكر والاسلاميين في مصر، فهذا يجعل المعركة اكثر صراحة ووضوحا ويجعل كل مسؤولية الفساد والتراجع في رقبة السلطة العسكرية.
إن الطغمة العسكرية في مصر أضمرت إسقاط الإسلاميين منذ اللحظات الاولى للثورة، لكنها استخدمت معهم استراتيجية الإنهاك في طريق صعودهم للسلطة ثم استراتيجية الاستنزاف والإسقاط لاحقا، لينتهي الامر بالانقلاب بعد عمل 3 سنوات ولا أقول سنة واحدة. ان الجيش كان قد حسم أمره بإفشال مشروع مبارك للتوريث كي لا يصعد مدني للسلطة، ولهذا دعم الثورة الأولى. لكنه لن يسمح بحال ان يصل للسلطة غيره مهما كانت التكلفة، فهذا من ثوابت الاستراتيجية العسكرية في مصر والاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
وعليه دوما أؤكد على مفهوم الاستراتيجيات طويلة المدى في إنهاك الانقلاب وإسقاطه ضمن برنامج مواجهة مجدول ومعد له مسبقا، ويغطي كافة جوانب الصراع بداية من عناوين المعركة وصولا إلى أدواتها ومراحلها وخطاب كل مرجلة وأداواته.
إن الاستمرار في التعاطي مع الصراع بمنطق التظاهر فقط دون مراعاة جوانب كثيرة سياسية منها ومجتمعية وميدانية لهو عملية قصور ذاتي لم تخرج من عقلية استنساخ أدوات الاحتجاج والمواجهة القديمة فقط.