قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن
مصر بعد الانقلاب الأخير على الرئيس المنتخب محمد مرسي، تحولت مرة أخرى إلى "جبهة مفتوحة للجهاد"، حيث يعود المصريون الذين كانوا يقاتلون في الخارج للانضمام إلى حملة ضد الحكومة المدعومة من الجيش.
ونقلت الصحيفة عن برايان فيشمان من "نيوأمريكان فاونديشين" قوله "لقد انقلب العالم رأسا على عقب من ناحية أمريكا التي كانت تعتمد على مصر كقوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بدل أن تكون جزءا من المشكلة".
وتشير الصحيفة إلى إن مصر التي كانت مهد ولادة الإسلام السياسي أرسلت آلافا من
المقاتلين للقتال على جبهات قندهار والقوقاز، في الوقت الذي استطاعت فيه القوات الأمنية المصرية سحق تمرد عسكري إسلامي لجماعات
الجهاد في تسعينات القرن الماضي. وظلت مصر محصّنة ضد الهجمات الدموية حتى الصيف الماضي عندما قام الجيش بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وبدأ حملة قمع دموية ضد مؤيديه.
وبسبب ذلك تواجه الحكومة الجديدة حملة من الإرهاب مرتبطة في جزء منها بالإطاحة بالرئيس مرسي، ولكنها مرتبطة أكثر بالعنف الطائفي الذي يغمر المنطقة العربية بشكل عام.
وفي الوقت الذي جلب فيه الربيع العربي الإسلاميين إلى الحكم عبر الانتخابات الديمقراطية، إلا انه جلب الحرب الأهلية ذات البعد الطائفي لسورية، وساعد على إشعال فتيل الحرب من جديد في العراق، وأدى إلى انهيار ليبيا كدولة ونهب مقدراتها العسكرية، وفتحت المجال أمام جهاديين من شمال أفريقيا لعبور أراضيها.
وتقول الصحيفة إنه "عندما أطيح بالرئيس مرسي عاد المتطرفون للتركيز على مصر من جديد. فبعد أن عزل الجيش رئيسا إسلاميا انتخب بنزاهة وحرية تأكدت توقعات
الجهاديين ومفكريهم بأن السلطة لا يمكن الوصول إليها عبر صناديق الاقتراع والديمقراطية"، وإنما بالبندقية، ومن هنا حانت فرصتهم.
وتشير الصحيفة إلى الدعوات التي بدأ تنظيم القاعدة الدولي وفرعه حتى وقت قريب ممثلا في الدولة الإسلامية في العراق والشام يوجهها للمسلمين داخل وخارج مصر بحمل السلاح ضد الحكومة.
وبسبب ذلك، بدأ "عدد متزايد من الجهاديين المتمرسين في القتال بالتوجه إلى مصر استجابة لتلك الدعوات، والقتال تحت لواء جماعة متشددة مقرها في
سيناء، يطلق عليها "أنصار بيت المقدس"، وذلك بحسب مسؤولين أمريكيين ومصريين لهم علاقة بمكافحة الإرهاب.
وهناك مصريان عادا من القتال في سورية إلى مصر، قتلا نفسيهما في عملية انتحارية حسب السير الذاتية التي نشرت".
وفي الوقت الذي يقول فيه المسؤولون العسكريون المصريون إنهم ألقوا القبض على مقاتلين فلسطينيين وسوريين وغيرهم من الأجانب، إلا أن مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين يؤكدون أن "أنصار بيت المقدس هي حركة مصرية في الغالبية، وتضم مقاتلين مصريين قاتلوا في محاور حرب أخرى قبل عودتهم لمصر".
ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن "مجموعة صغيرة جدا من المحاربين الأشداء الأجانب".
ويرى المسؤولون الأمريكيون أن عودة المقاتلين بخبراتهم وقدراتهم كانت سببا في تطور عمليات الجماعة والمستوى النوعي الذي وصلت إليه. فقد أظهرت أنها قادرة على تجهيز عبوات ناسفة تفجر عن بعد، وأظهرت قدرات على جمع المعلومات الأمنية قبل تنفيذ العمليات، وتسجيل العمليات بكاميرا فيديو، وقدرة على استخدام صواريخ أرض- جو متحركة وكلها تشير إلى خبرات في القتال.
وفي شهادته يوم الثلاثاء أمام لجنة الأمن في الكونغرس، أشار جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى "قتل مسؤولين مصريين كبار على يد أولئك الإرهابيين"، فيما يؤكد مسؤولو الحكومة المدعومة من الجيش أنهم مصممون على هزيمة هذه المجموعة كما هزموا الجهاديين في التسعينيات من القرن الماضي.
ونقلت الصحيفة عن آرون زيلين من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قوله: "كان الظواهري وغيره يقولون إن الخيار العسكري سيعود مرة أخرى، لأن الغرب والجيش لن يسمح للإسلاميين بالبقاء في السلطة".
وكان الإخوان المسلمين الذين تخلوا عن العنف منذ عقود وساعدوا الحكومة في التسعينات على مواجهة الفكر المتطرف قد نفوا أي علاقة لهم بالهجمات الأخيرة، لكن الحكومة المؤقتة ردت بحظر الجماعة وتصنيفها إرهابية.
وانتهز الظواهري الفرصة للعودة إلى خياره العسكري، حيث أشار للمقاتلين في سيناء بـ "إخواننا في سيناء"، وأظهر الشريط جنازة عامة اقامها مقاتلو أنصار بيت المقدس لمقاتلين سقطوا في العمليات التي قام بها الجيش المصري. ودعا الظواهري الذي يعتبر من أشد الناقدين للإخوان المسلمين "الإخوة في مصر، وفي كل مكان إلى مقاومة وإفشال الانقلاب الأمريكي في مصر".
وفي نفس السياق، دعا مصري في الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي كان يقاتل في سورية المصريين إلى القتال وحمل السلاح من أجل "جهاد طويل ومر".
وكان أول جهادي مصري يقتل بعد عودته لبلاده هو وليد بدر، ضابط سابق في الجيش المصري، والذي قال في شريط فيديو بثته جماعة أنصار بيت المقدس إنه عاد من سورية للقتال في بلاده، وحث المصريين على مواجهة قوات الأمن "يجب أن نقتلهم كما يقتلوننا"، وفجر نفسه في الهجوم الذي استهدف وزير الداخلية محمد إبراهيم في أيلول/ سبتمبر. وبعد ذلك بأسابيع فجر مقاتل آخر نفسه، واسمه سعيد الشحات عندما داهمت الشرطة بيته.
وتحدث المسؤولون المصريون والأمريكيون عن قدرات أنصار بيت المقدس القتالية، حيث قاموا بإطلاق صواريخ أرض- جو وأسقطوا مروحية للجيش المصري. واعتقد المسؤولون في البداية أنها جاءت من مخازن معمر القذافي ولكن بعد فحص أشرطة الفيديو تبين أنها تشبه تلك التي تستخدم في العراق وسورية، وهي من نوع أس إي-16، مما يثير مخاوف من تلقي الحركة أسلحة من الحركة الجهادية العالمية. وعلق مسؤول عسكري مصري "من قاموا بإطلاق الصواريخ يظهر أنهم متمرسون، وبالتأكيد تلقوا تدريبات".