في بداية شهر مايو من عام 2009 تسرب شريط إلى وسائل الإعلام الأميريكية عن حفلة
تعذيب يقوم بها عيسى بن زايد
النهيان ضد
عامل أفغاني، ونشرت وسائل الإعلام الأمريكية الخبر ثم نقلته وكالات الأنباء ووصل إلى الصحف العربية والخليجية، ولكنها آثرت
الصمت و السلامة ، ولمن أراد مشاهدة المقطع عليه أن يكون ذا قلب قوي لأن الشريط مزعج ومؤلم ومحطم للنفس، ولاؤلئك الذين يرغبون في مشاهدته إليكم العنوان :
https://youtu.be/lCQlSCPSYgw
أو بكتابة الجملة التالية في محرك بحث يوتيوب
UAE torture tape exposed
وستظهر قائمة طويلة من المقاطع التي قد يود الشخص مشاهدتها .
كانت الامارات حينها تحاول الحصول على مفاعل ذري من الولايات المتحدة الامريكية ، فتعثر مشروعها بسبب معارضة بعض أعضاء الكونغرس إمدادها بمفاعل ذري متعللين أن تلك الدولة - كما نقلت عنهم وسائل الاعلام – لا تراعي حقوق الإنسان و تعذب العمال ، وكان الشريط هو ورقة المعارضين الرابحة لمنع إمداد الامارات بطلبها في ذلك الوقت .
وفي 22 مايو من نفس العام ، أي بعد حادثة تسرب الشريط بعشرة أيام ، كان الخبر الرئيسي في صحيفة التايمز اللندنية هو : وافق أوباما على الاتفاق الذري مع
الإمارات بغض النظر عن حادثة التعذيب .
لكن من الواضح أن الامارات آثرت قفل الباب وشراء المفاعل من كوريا حتى ينتهي حديث الاعلام الغربي والامريكي عن حفلة التعذيب تلك ، وقد نجحت في ذلك .
الجميع يعلم أن وزن الانسان المعنوي وكرامته تحدده قوة دولته السياسية والعسكرية والاقتصادية وكيف تنظر حكومته إليه، ولم يكن العامل المسكين الذي يتعرض للتعذيب والذي يظهر في المقطع استسلامه الكامل لمعذبة بسبب ضعفه وقلة حيلته وتدخل الشرطة في تقييد حركته ينتمي إلى دولة بها أي من هذه الصفات أو حتى أحدها .
آلمني الشريط ، وشعرت بإحباط وغثيان وقررت نشر الخبر في الصفحة الاولى في صحيفة العرب التي كنت أرأس تحريرها في ذلك الحين ، عارض بعض الزملاء القرار، وكانت معارضتهم نابعة من خوفهم من المشاكل التي قد يجرها علينا نشر خبر مثل هذا ، ولكني شعرت أنني سأكون مشاركا في حفلة التعذيب تلك إن سكت عنها وأهملتها ، فاقنعت المعارضين بوجهة نظري ونشرنا الخبر في الصفحة الاولى .
بعدها بعدة أيام زارني السفير الاماراتي في مكتبي في الصحيفة قائلا لي إن "الشيوخ" طلبوا منه أن يستفسر عن موقف الصحيفة وإن كان هناك عناصر مدسوسة في الصحيفة تحاول أن تشويه صورة الامارات ، كان نقاشنا هادئا ، واخبرت السفير بما نقلته وسائل الاعلام الامريكية عن الموضوع وأنه أصبح اهتمام العالم ، ولا نستيطع أن نخفي أمرا مثل هذا عن قراءنا .
كان رد السفير بأنكم الصحيفة الخليجية الوحيدة التي نشرت الخبر، وغادر مكتبي طالبا مني بلطف التحقيق في الموضوع .
ثم بعدها بعدة أيام نشرنا خبرا آخر عن الصراع الحاصل بين الكونغرس والرئيس الامريكي بخصوص المفاعل الذري الذي طلبت الامارات شراءه، كان تقريرا مفصلا مليئا بالمعلومات والأرقام ، فقد أصبح شريط التعذيب ككرة الثلج المتدحرجة التي تكبر ، فقد نشرت صحيفة الغارديان بتاريخ 3 مايو 2009 عن حوالي 25 حالة تعذيب اخرى قام بها نفس الشيخ .
وبعد نشر التقرير اتصل بي نفس السفير و لكنه هذه المرة كان غاضبا بشكل واضح طالبا مني التوقف عن نشر مثل هذه الاخبار مكررا بأننا الصحيفة الوحيدة التي تنشرها في منطقة الخليج وعازفا على نفس وتر الوحدة الخليجية التي لها اعداء يريدون أن يحطموها ، وكأن الوحدة الخليجية لاتبنى إلا على صم الآذان عن صراخ المعذبين وشكوى المظلومين !!
لهذا السبب منعت من دخول الامارات ، و يعلم الله أنني لست حزينا على ذلك ، مع حبي للامارات وأهلها ، فلي بها أحباب اسأل الله أن يحفظهم بحفظه ، ولكني أيضا على يقين أن الصمت له ثمن قد يكون أغلى وأكثر ألما .