قال مدير الطوارئ في منظمة "هيومان رايتس ووتش" بيتر بوكارت، إن أكثر من 1000 شخص قتلوا منذ الإطاحة برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى العام الماضي، حيث اندلعت حرب دينية شردت الملايين، وأصبح المسلمون ومعظمهم تجار هدفا للميليشيات المسيحية "ضد-
البالاكا" التي تعني بلغة سانغو المحلية ضد الساطور/ السيف) التي تتجول في البلاد بحثا عن المسلمين، وتجبرهم على الرحيل أو تقتلهم بدم بارد.
وكان بوكارت ينقل مشاهداته إثر زيارة قام بها لبانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى، وما تشهده من عمليات ذبح وملاحقة للمسلمين هناك.
ويبدأ بوكارت تقريره الذي نشره موقع المنظمة، ونقلته صحف بريطانية وأمريكية عن رحلته بقصة سيدة مسلمة اسمها فاتموتو (
فاطمة) ياماسا التي وصلت "محاولاتها اليائسة للهرب من القتل المحيط بها إلى نهايتها عندما شاهدت المليشيات المسيحية "ضد- البالاكا" على حاجز الطريق، بينما كانت في شاحنة في بوالي التي تبعد مئة كيلو متر عن العاصمة بانغي، وعندما عرفت أنها ستموت، ناشدت سيدة مسيحية كانت تجلس إلى جانبها أن تأخذ رضيعها البالغ من العمر سبعة أشهر وقالت لها إن "استطعت الوصول إلى البلدة التالية إسألي عن عائلة ياماسا وسلمي ابني لهم".
هكذا ناشدت فاطمة السيدة حين أمرها المسلحون بالنزول من الشاحنة، ونجا الطفل، لكن فاطمة لم تنج، فبعد أن مضت الشاحنة في طريقها، اقتيدت هي ومسلمتين غيرها وأطفالهما الأربعة، وأمر المقاتلون المسيحيون الجميع بالدخول إلى مسجد، وفي 14 كانون الثاني/ يناير تم قتلها مع مسلمين آخرين بالسواطير، ولم ينج إلا صبي في الحادية عشرة من عمره هرب ونجا بحياته.
"ولا تزال برك الدماء الجافة واضحة خارج المسجد، وعندما زرته (بعد المجزرة) بأيام لم يكن بإمكان القرويين النظر إليّ من الخجل، فيما كان الأطفال يلعبون في المسجد المهجور"، وفق بوكارت.
ويضيف أن "في هذا البلد المجهول الذي يقع وسط إفريقيا تجري موجة من القتل، حيث قتل 30 شخصا في بانغي خلال الأيام الثلاثة الماضية".
ويشير إلى جذور الأزمة عندما قامت مجموعات السيليكا وغالبيتها مسلمة بالإطاحة بفرانسوا بوزيزي في آذار/ مارس 2013، ولم تعد هناك حكومة فاعلة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتحول البلد إلى إقطاعيات أدارها قادة السيليكا الذين يقال إن بعضهم جاء من تشاد أو السودان، وحكموا المناطق تحت إدارتهم بالرعب والإرهاب، وحرقوا مئات القرى، وأطلقوا النار عشوائيا على المسيحيين.
ومع أن تلك الجماعات المسلحة تم حلها في إيلول/ سبتمبر 2013، إلا أن بعضها استمر في نشاطاته. ثم نشأت جماعات معادية للبالاكا وأخذت تنافس عنف السيليكا وترتكب انتهاكاتها الخاصة.
وعندما أجبر قائد السيليكا الرئيس ميشيل جوتديا على الخروج من السلطة بضغط دولي في 10 كانون الثاني/ يناير 2014 وخرج للمنفى في بينين، بدأ قادة السيليكا بالهروب بعد شعورهم أن الأمور قد انتهت، حيث "أخبرني الجنرال عيسى، رئيس الحرس الرئاسي السابق للسيليكا، قائلا: كل ضابط نجا بنفسه، كلنا نحاول البحث عن طرق للخروج من هنا" على حد قوله.
ومن يعاني اليوم من القتال ومخلفاته هي المجتمعات المسلمة في أفريقيا الوسطى التي أصبحت هدفا للجماعات المسيحية "ضد- البالاكا"، وهي الميليشيات التي أنشأها في السابق الرئيس المعزول بوزيزي لمواجهة العصابات المسلحة، لكنها أعادت تشكيل نفسها لقتال السيليكا وبقية السكان "قرية بعد أخرى، حيث هوجم المسلمون وذُبحوا، ومعظمهم من التجار ورعاة الماشية من عرق الفولاني، وحرقت بيوتهم ودمرت مساجدهم".
ويكتب بوكارت عن مشهد رآه بعينه في بانغي "الأربعاء الماضي، وبعد أن هربت جماعات السيليكا من حي المسلمين (بي كي-13) وصلت مئات من جماعات "ضد- البالاكا" وطردوا من تبقى في الحي من المسلمين، كل ما حولنا هي بيوت نهبت بشكل منظم، أو دمرت في حمّى من الحماسة للتدمير، وتم تفكيك المسجد من جماعات كان أفرادها يحملون السواطير "والذين قالوا لنا لا نريد مسلمين في بلدنا، وسننهيهم جميعا، هذا البلد هو للمسيحيين فقط".
و أضاف "عندما حاولت مناشدة الميليشيات هذه أي "ضد- البالاكا" وطلبت ترك سكان حي بي كي- 13 لم يظهروا أية رحمة وقالوا لي (أخرجهم من هنا، أو سيقتلون في الصباح وسننتقم منهم)".
ويصف بوكارت سجل الموتى في مشرحة بانغي بأنه يشبه "فصلا من فصول الجحيم في كوميديا دانتي، صفحة بعد صفحة، هناك أناس عذبوا حتى الموت، سحلوا، أطلق عليهم الرصاص أو حرقوا حتى الموت.
وقال بوكارت إن "رائحة الجثث المتعفنة لا يمكن احتمالها، حيث لا يمكن دفن الجثث مباشرة بسبب كثرة أعداد القتلى، وخلال الربع ساعة التي استطعنا تحملها وسط الرائحة الكريهة والرعب تم إحضار جثتين لمسلمين قطعا تقطيعا بالسواطير، ولمسيحي أطلق عليه مقاتلو السيليكا النار".
وأشار بوكارت إلى أن القوات الفرنسية تقوم بسحب السلاح من السيليكا، بينما يتردد أفرادها في التدخل لمنع عمليات القتل الانتقامي التي تقوم بها جماعات "ضد- البالاكا" ضد المسلمين الذين أصبحوا عزلا من السلاح حتى لا ينظر إليهم على أنهم يساندون طرفا ضد طرف.
وعلى خلاف التردد الفرنسي، فقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي "ميسكا" وجنودها من رواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو تلعب دورا فاعلا. ونقل عن قائد الوحدات الرواندية في بانغي قوله إن تدخلهم في أزمة جمهورية أفريقيا الوسطى شخصي له ولجنوده "فما نشاهده هنا يذكرنا بما جربناه في رواندا عام 1994"، مضيفا "نحن مصممون بشكل مطلق على أن لا نسمح لعام 1994 بأن يحدث مرة أخرى".
وتظل هذه القوات غير قادرة على القيام بالمهمة الكبيرة، وهناك حاجة كما يقول بوكارت إلى قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة.
ويختم بالقول إن رحيل السيليكا يعتبر إشارة أمل للمسيحيين الذين أجبروا على الاختباء في الغابات. ويتحدث عما قام به الآب خافيير فاقبا من بلدة بوالي التي قتلت فيها فاطمة ياماسا، حيث أحضر 700 مسلمة لبلدته ممن تعرضوا للهجمات ودعا في موعظة الأحد إلى التسامح والتعايش بسلام بين الجيران المسيحيين والمسلمين.