جريا وراء نظرية المؤامرة، يمكن القول إن الرئيس الأميركي باراك
أوباما شعر بالضيق والحرج نتيجة موقفه الممالئ للنظام السوري، خصوصا أن محطة "سي. إن. إن" نشرت خبر الصور المريعة لجرائم الأمن السوري، بتصفية أحد عشر ألف معتقل بالتجويع والتعذيب، والكفيلة وحدها بتقديم بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية. فكان لا بد من تنفيس الموقف، من خلال الإيعاز للنظام السوري بمهاجمة أميركا لأنها تزود
المعارضة بالأسلحة!
خدم فيصل مقداد الرئيس أوباما كثيرا أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي، فهو لا يقدر أن يكرر فعلة بوش ويضحي بدماء الأميركيين في حروب ضد أنظمة إرهابية. لكنه في الحد الأدنى يزود الشعوب بالسلاح اللازم للدفاع عن نفسها! ومن أعماق قلبه قال أوباما: "شكرا شكرا شكرا فيصل!"؛ فقد شكره الأخير على ما لم يفعل، وأزاح الحرج الأخلاقي والسياسي عنه.
في الواقع، يدرك أي عاقل أن الأسلحة الأميركية لو وصلت الثوار، لأسقطت النظام من العام الأول. فصاروخ "ستينغر" في أفغانستان، جعل طائرات الاتحاد السوفياتي العظيم تتساقط كما الذباب على أيدي المجاهدين الأفغان، أو مناضلي الحرية، على رأي الرئيس الأميركي آنذاك، رونالد ريغان. في المقابل، وفي أثناء هذيان الوفد الرسمي السوري في جنيف عن محاربة الإرهاب، كانت مروحيات النظام تلقي براميلها المتفجرة على المدنيين في حلب، ما دعا الناشطين السوريين إلى وصف المفاوضات بـ"مفاوضات البرميل"؛ سخرية من وليد المعلم في جنيف، والبراميل المتفجرة في حلب.
لا يوجد سلاح في العالم يفوق السلاح الأميركي. ولو زودت أميركا "حلفاءها" السوريين بما زودت به حلفاءها الأفغان، لما كان مؤتمر جنيف أصلا، ولكان بشار في المحكمة الجنائية الدولية، أو لقي مصير القذافي. لكن الأسلحة زودت بها أميركا النظام، وأولها إعطاء النظام الشرعية من خلال عملية التفاوض المفتوح زمنيا، والقبول بصفقة تسليم الكيماوي التي تعطي النظام سلاحا آخر للمماطلة. فوق ذلك، فإن الضربة الأميركية المؤجلة أو الملغاة، كانت ستنهي النظام في أقل من شهر، لكنها لم تتم لحسابات تحقق مصلحة أميركا، وبوساطة روسية إسرائيلية.
ذلك كله لا يعني أن أميركا تريد بقاء بشار إلى الأبد؛ هي تريد بقاءه إلى حين ترتيب البديل بالتوافق مع الروس. الطرفان اتفقا على "إعدام" بشار سياسيا. وهذا واضح تماما في اتفاق جنيف الذي يصر النظام على قراءته بتفسيرات تناقضه. فالاتفاق ينص بوضوح على تشكيل "هيئة حكم انتقالية" (transitional governing body)، ولا ينص على "حكومة" كما يردد النظام وحلفاؤه. فليس ثمة خطأ في الترجمة، بل هو تحريف للمضمون، إذ إن هيئة الحكم تلغي ما قبلها وتمهد لما بعدها، وبوجودها لا يوجد لا دستور ولا رئيس ولا مؤسسات؛ تصبح هي الجهة الحاكمة بناء على توافقات سياسية. فلم تقم الثورة من أجل شراكة في حكومة لا قيمة لها أمام سطوة الرئيس ومؤسساته الأمنية والعسكرية.
لا يستطيع النظام وحلفاؤه أن يكابروا، فبشار الأسد لم يعد أكثر من ملف على طاولة التفاوض. ولو كان عند النظام كرامة ضد التدخل الدولي، لما قبل أن يوقع قرار إعدامه بيده من خلال "هيئة الحكم"، حتى لو كانت "تشكيل حكومة"؛ فما علاقة دول العالم بتشكيل حكومة في سورية؟ لكنها لعبة الوقت التي يتقنها النظام.