حذر كاتب
مصري مؤيد للانقلاب من أن اتساع رقعة الدم خطير للغاية، مؤكدا أن الذين كانوا ينتشون بمشاعر النصر في
30 يونيو تتسلل إليهم الآن مشاعر الإحباط، والخوف من المستقبل، داعيا إلى الحوار والمصالحة، ووقف مسار الإقصاء، ودفن خطاب الكراهية، على حد تعبيره.
فقد قال رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة "المصريون" الكاتب الصحفي
جمال سلطان في أحدث مقال له في الجريدة إن كل من يتصور أن القتل أو السجون أو الملاحقات أو إثارة الخوف سوف يحل المشكلة التي تعاني منها البلاد حاليا، وينهي كل شيء، هو واهم ومخطئ.
وسلطان صحفي يقول إنه ذو توجه إسلامي مستقل، وكان من أشد مؤيدي تظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2012، بل كان من أشد الداعين إليها، والداعمين لها.
كما أيد انقلاب الجيش في 3 تموز/ يوليو 2013، ولم يبد أي معارضة لما حدث من تطورات مأساوية لاحقة. وظل طوال عام كامل من حكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي يحرض عليه، وعلى جماعة "
الإخوان المسلمين"، وسخّر جريدة وموقع "المصريون"، للحرب عليهما، دون هوادة، خلال تلك الفترة.
ويعكس مقاله الأخير بالعدد الأسبوعي لجريدة "المصريون" الاثنين 27 كانون الثاني/ يناير 2014، تحت عنوان: "حصاد العناد وخطاب الكراهية"، جملة تحولات فكرية ونفسية، يبدو أنها تنتاب بعض المنضوين تحت لواء معسكر داعمي 30 حزيران/يونيو ومؤيدي الانقلاب في اللحظة الراهنة، أبسطها شعورهم بالإحباط، والخوف من المستقبل، بحسب تعبيرات سلطان نفسه.
ويقول سلطان: "على الرغم من كلمات العناد والمكابرة التي يطلقها كثيرون في السلطة وخارجها، وخاصة من الأنصار المتحمسين للمسار الجديد، والذين كانوا ينتشون بمشاعر النصر في 30 يونيو حتى أسكرتهم وأذهلتهم عن تأمل العواقب، إلا أني أجزم بأن نفس مشاعر الإحباط الآن تتسلل إليهم، وأنهم غارقون في الخوف من المستقبل، والليل الذي لا يبدو له نهار، وإن كان خوفهم من البديل، أو ظلال التجربة الإخوانية يجعلهم أصبر على انتظار الأمل الذي لا يجيء بانقشاع السحابة، وانتهاء كل شيء، ونبدأ صفحة جديدة".
القتل سيفشل وتتسع الاحتجاجات
وأضاف سلطان: "أن تتصور أن القتل أو السجون أو الملاحقات أو إثارة الخوف سوف يحل لك المشكلة، وينهي كل شيء، فأنت واهم، ومخطئ، القتل سيفشل، ويدعوك للمزيد من القتل، كالمقامر الذي لا يتورع عن بيع أي شيء حتى آخر قطعة ملابس يلبسها أحيانا، على أمل أن يعوض أو يحقق حلمه، والمزيد من القمع سيعزز المزيد من مشاعر "المظلومية"، وبالتالي ينتج للطرف الآخر المزيد من التعاطف، ومن الحشد، ومن التضامن؛ فتتسع رقعة الاحتجاجات، والمجتمع المصري متشابك ومتداخل، بأفراده ومؤسساته، وبالتالي فاتساع رقعة الدم خطيرة للغاية".
وحذر سلطان من أن "انتشار خطاب الكراهية مروع في نتائجه. لقد سخروا من الدكتور محمد البرادعي عندما قال لهم منذ البداية إن الدم لن يحل أي إشكال، وإن العنف لا ينتج أمنا، وطالبوا بشنقه عندما استقال فورا بعد مذبحة رابعة، لأنه رأى بخبرة من رأى العالم ومشكلاته من نقطة عالية، أن هذا المسار ينتهي بالكارثة، وكل خطوة فيه تزيد من غرق السلطة في الوحل، وحل الدم، ولم يستمع أحد لصوته العاقل، وهو يدعو للحل السياسي، وتفكيك الأزمة بهدوء، والعمل على تحقيق مصالحة وطنية لا تقصي أحدا، رغم انحيازه الكامل وقتها لمسار 30 يونيو، إلا أن ذلك لم يشفع له، كان الباقون منتشين بالنصر، وقدرة الدبابة على سحق أي احتجاج".
ليس أمامنا إلا الحوار ووقف الإقصاء
وقال سلطان: "أعتقد أن جميعهم الآن، وإن لم يعلنوها، على قناعة بأن البرادعي كان على حق، وأنه بعد كل هذه الدماء، وكل هذا العنف؛ ليس أمامنا إلا الحوار، وإلا المصالحة، وإلا وقف مسار الإقصاء، ودفن خطاب الكراهية، وقد استبان للجميع، أن كل يوم نتأخر فيه عن مواجهة هذه الحقيقة، والتفاعل معها بإيجابية، تزداد الأمور تعقيدا، ويزداد بعد الوطن عن شاطئ الأمن والسلام والرخاء".
وتابع: "لن نتوقف عن إعادة التذكير بأن مصر بعد يناير 2011 غير مصر قبل هذا التاريخ، وأن أي محاولة لاستعادة سياسات وإجراءات ومنظومة السيطرة التي كانت تحكم مصر قبل هذا التاريخ محكوم عليها بالفشل مسبقا، مصر تغيرت، ومن لا يفهم ذلك، ولا يدرك ذلك سيورط نفسه، والوطن كله، في كوارث تهدد وجوده، وليس حكومته فقط، والتغير الذي اعترى مصر لم يكن لطرف دون آخر، أو قوة شعبية دون أخرى، أو طائفة دون أخرى، كل ما في مصر تغير".
تحكيم العقل خارج قطيع الانقلاب
وقال سلطان: "المشكلة التي يعانيها أي ناصح لوطنه هذه الأيام أن مجرد الدعوة إلى تحكيم العقل خارج سياق "القطيع" السياسي السائد، والمدعوم بهوجة إعلامية مدفوعة الثمن من الداخل والخارج، والخارج أكثر، أي دعوة لتحكيم العقل ستكون مدعاة للاتهام والتشكيك في النوايا والاصطياد الرخيص في المياه العكرة، ولكن قدرنا أن نجهر بالنصيحة أيا كانت العواقب، لأن الوطن أغلى، وأبناء وطنناـ من كل التيارات والطوائفـ أغلى من أن نضن عليهم، ولو بالكلمة".
وتابع: "من الصعب أن تدفع عن نفسك الشعور بالإحباط والغم، عندما تبدأ صباحك بأخبار وصور انفجار يذهب ضحيته بعض أبناء بلدك ليس لهم ذنب في شيء مما يجري، وينتهي نهار اليوم نفسه بأخبار وصور مقتل عدد آخر على الطرف الآخر كل ذنبهم أنهم يحتجون بشكل سلمي ضد إجراءات وقرارات يعتبرونها ضد الشرعية، أخطأوا أو أصابوا في تقديرهم ورؤيتهم، إلا أنهم في النهاية جزء من سياق حراك شارع ممتد من الخامس والعشرين من يناير 2011، وحتى الآن، تلك أيام لم تمر على جيلي أبدا في مصر، وما يزيد همك أن تشعر بالعجز عن فعل شيء أو وقف الدم أو حتى أن ترى ضوءا في نهاية النفق الذي تراه رأي العين".