ماذا تعني رئاسة
السيسي؟ خاصة بعدما شبّهه رئيس الوزراء المؤقت حازم البيبلاوي بديغول وأيزنهاور. أندرو هاموند حاول الإجابة على السؤال في مقال نشره على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الأوروبية. وهاموند كاتب إسكتلندي معروف، يتقن العربية ومتخصص في منطقة الشرق الأوسط، وله كتب عن السعودية وسواها.
يقول هاموند إن "السلطات
المصرية أملت في أن يؤدي الاستفتاء إلى وضع خط تحت سؤال الشرعية لنظام ما بعد 3 تموز/ يوليو. ويبدو أن كل الإشارات تظهر اعتقادهم بأن نسبة 98% نعم تعني أنهم حققوا الشرعية. فأقل من 40% ممن يحق لهم التصويت شاركوا في الاستفتاء. ومرة أخرى شاركت نسبة 21% في استفتاء عام 2011، ونسبة أقل صوتت على دستور الرئيس الإسلامي محمد مرسي".
ويقول الكاتب إن الشرطة وبمساعدة قانون منع التظاهر استطاعت فرض النظام بشكل نسبي في الشوارع، بشكل يعيد أيام حسني مبارك. ويبدو أن نقاش الفريق السيسي حول ضرورة فرض النظام قد وجد صدىً بين قطاع من المصريين، إن لم يكن كلهم، حتى لو لم يكونوا ممن دعموا التدخل العسكري.
ويشير هاموند إلى أن مستوى المشاركة في الدستور لم يكن ليتم لولا الحملة الإعلامية التي قادتها المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة، وكذا الناشطون والقادة السياسيون والمشايخ ورجال الدين. وفي نفس الوقت قامت الشرطة بحملة اعتقالات للناشطين من أحزاب معترف بها ممن حاولوا وضع ملصقات تدعو للتصويت بـ "لا" على الدستور. كما وقام الإعلام بالتركيز على الشباب عبر التأكيد لهم بأن الوجوه القديمة من عهد مبارك لن يكون لها مكان في مصر الجديدة.
وقال إن قطاعا واسعا من الشعب المصري يشعر بالحنق، بين دستوري عام 2012 و 2013. وفي النهاية فالتصويت لم يكن في الحقيقة على الوثيقتين، فقد ترك العسكر والحكومة السابقة من يعارضونهم وهم يواجهون خيارات صعبة.
ومنذ سحق المعتصمين في رابعة العدوية وميدان النهضة في القاهرة، آب/أغسطس، حيث قتل 750 شخصا في يوم واحد، لاحقت الأجهزة الأمنية الصف الأول والثاني والثالث من قادة الإخوان المسلمين. ويُعتقد أن هناك 20 ألف معتقل سياسي في السجون المصرية. وبدأ الجيش باستخدام الرصاص الحي فيما أصبحت تظاهرات الإخوان أكثر عنفا.
ويقول هاموند إن الجيش وقد طبق سياسة العنف والوحشية ضد المتظاهرين، فإنه مصر على سحق أية معارضة له، ولكن الرفض له لا يزال قويا. ويتساءل الكاتب عن فرص نجاح هذا النظام.
ويجيب أن من قاموا بتدبير الإطاحة بالرئيس محمد مرسي يواجهون معضلة، فقد يفكرون أن رئيسا مدنيا سيكون ضعيفا في نظر معارضيهم الإسلاميين، ولهذا يقومون بوضع الفريق السيسي قائد
الانقلاب في المقدمة ويقدمونه باعتباره الرجل القوي.
ويرى هاموند أن ترشيح السيسي يحمل مخاطر عدة، فالبلد في وضع متقلب واقتصادها غير مستقر. ويشير إلى محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق الذي اكتشف لاحقا أن الشعب حانق على المجلس العسكري. وواحد من أخطاء الإخوان هي شعورهم بالأمان ووضعهم القوي الذي حصلوا من خلاله على سلطة مطلقة، وهو ما أدى لنهايتهم حسب الكاتب، مع أن ذلك لا يبدو صحيحا في ظل بقاء الجيش والأمن خارج سيطرتهم.
ويضيف إن السيسي ليس بحاجة للترشح للرئاسة، فهو يستطيع التحكم بالسلطة والإٍشراف عليها من خلال موقعه كوزير للدفاع. ومن هنا فترشحه للرئاسة سيفتح عليه باب النقد، وقد يؤدي إلى تشويه سمعته، خاصة في حالة فشله كرئيس، وهي نقطة قال محمد حسنين هيكل الصحافي المعروف إنها تقلق السيسي. ولهذا السبب، سيشعر قادة الإخوان المسلمين بالراحة عندما يتورط السيسي ومعه الجيش في إشكاليات السلطة. ومع فشل الجيش يعتقد الإخوان أن الرأي العام سيبدأ بالعمل لصالحهم.
ويقول الكاتب إن السيسي قد تكون شعبيته أعمته ولم يضع بعد رؤية لمصر وللمصريين، وكيف سيطور الإقتصاد أو يحل المشاكل السياسية. وظلت رسالته تلعب على المشاعر الوطنية، وهي أن الأخوان المسلمين ليسوا مصريين، وسحق هؤلاء يعني تحقيق الاستقرار.
ويشير الكاتب إلى أن طريقة أداء السيسي التي لم يتم تعريضها للفحص بسبب الآلة الإعلامية المؤيدة له لا تختلف عن طريقة أداء إمام مسجد؛ "الأسد لا يأكل أبناءه"، "أقول لكم لا تقلقوا على مصر"، تلك عباراته.
ويعتقد الكاتب إنه عندما يرتدي السيسي الزي المدني ويخلع بزته العسكرية، سيشعر الرأي العام المصري بالملل منه سريعا. ولو قرر الدخول في معترك السياسة فقراره متعلق بعدة عوامل منها الغرور، والشعور الصادق بأن عليه واجب تجاه بلده، أو بسبب تعرضه لضغوط من الداخل والخارج (الرياض وأبو ظبي)، ووعود باستمرار الدعم المالي من دول الخليج الراغبة بإنجاح رئاسته.
ويقول الكاتب إنه من السذاجة التفكير رغم الحملة الشرسة التي تقودها الآلة الإعلامية ضد أمريكا في أن لا يتم إخبار الأخيرة مقدما بخططه (أي السيسي)، وأخذ رأيها إن لم تكن موافقتها.
وبالتأكيد فأهم ملمح للمراقبة، هي الكيفية التي ستتطور من خلالها العلاقات المصرية – الأمريكية، حيث تسير نحو التطبيع، فقد بدأت المرحلة الأولى بالاستفتاء، وتأتي الآن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وطالما تم تجاوز تلك المراحل الثلاث، فسيكون بمقدور الولايات المتحدة التعامل مع نظام 3 تموز/ يوليو بطريقة طبيعية.
وبدأت عملية التطبيع أصلا، ففي الشهر الماضي وافقت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس على قانون يسمح بتدفق الدعم الأمريكي لمصر، والذي علق بعضه بعد الإنقلاب، وتم تجاوز قانون عام 1961 الذي يحظر على الولايات المتحدة دعم أنظمة عسكرية أطاحت بنظام ديموقراطي، كل هذا رغم استمرار تراجع مستوى وحالة حقوق الإنسان في مصر بسبب الوحشية التي مارسها النظام.
ويرى الكاتب إن تطبيع العلاقات المصرية- الأمريكية سيعني وضع ضغوط على قطر كي تخفف من دعمها للإخوان وأجبار الجماعة على إعادة التفكير بموقفها.
وقد يعني هذا التقارب أيضا مشاكل جديدة لرئيس الوزراء التركي إردوغان، مما يعني نهاية المرحلة الإسلامية في تركيا. وفي الوقت الحالي تبدو هذه الفكرة بعيدة.
وحتى لو لم يحدث ذلك، فقد تقرر الدوحة التخلي عن دعمها للإخوان المسلمين. فالدوحة ترى الجماعة ممثلا للإسلام السياسي، وتعتقد أنها تمثل تيار الوسط في السياسة العربية. وترى في دعمها للحركة في العالم العربي كورقة ضغط على السعودية، وبالتالي تأكيد استقلالية السياسة القطرية عن الرياض.
ويختم الكاتب بالقول إن المشكلة الكبرى لنظام 3 تموز/يوليو هي الوحشية التي يرى أنها ضرورية لبقائه. والنظام رغم هذه الممارسة التي ستظل تلاحق مرحلة ما بعد مرسي قد يكون قادرا على الانتصار، لكن بثمن العودة لمرحلة ما قبل الثورة ، أي عهد مبارك. والنتيجة هي
دولة بوليسية مغطاة بورقة تين، هي الديموقراطية.