منذ أن أعلنت الحكومة المؤقتة في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013 جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية"، بدأ الإعلام
المصري في إطلاق هذا الوصف على الجماعة، ووصم أعضائها، وحتى المتعاطفين معها، بالإرهاب، كأن أحدهم وضع إصبعه على زر، ليتحول هذا الإعلام مباشرة إلى وضعية: دمغ الإخوان بالإرهاب في كل العبارات والصياغات التي تتناولهم، وجماعتهم، وأنشطتهم.
الآن: لا يرد ذكر كلمة "الإخوان" على لسان إعلامي، أو تقرير
صحفي، أو نقاش برامجي، إلا ويتم إطلاق مترادفات على جماعة "الإخوان المسلمين" من نوعية: "جماعة الإخوان الإرهابية".. الجماعة الإرهابية..تنظيم الإخوان الإرهابي..إرهابيو الإخوان.. أنصار الإرهابية.. طلاب الإرهابية.. عناصر الإرهابية".. حتى صارت تلك المترادفات هي الشائعة في الإعلام المصري بمجرد ذكر "الإخوان المسلمين".
هذا التحول الإعلامي يستند إلى قرار الحكومة المصريّة، المشار إليه، وكما جاء في نصّ الجريدة الرسميّة، بأنه إعلان: "جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها تنظيما إرهابيّا في مفهوم نصّ المادة 86 من قانون العقوبات"، إذ تضمّن نصّ القرار في بنده الأوّل عبارةً عامّةً وفضفاضة، هي "توقيع العقوبات المقرّرة قانونا لجريمة الإرهاب على كلّ من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم، أو يروّج لها بالقول أو الكتابة أو بأيّ طريقة أخرى، وكلّ من يموّل أنشطتها".
ويعني هذا الأمر تنفيذ قانون الإرهاب على أكبر حزبٍ سياسي في البلاد، حصل على ما تصل نسبته إلى 40% من مقاعد مجلس الشعب المنحلّ، وأكثر من ربعِ أصوات المصريين في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في أيار/ مايو 2012، كما يضع ملايين المصريين ممّن لا يقرّون سياسات قمع عناصر الجماعة أو ملاحقتهم، أو حتّى يدعون إلى التصالح معهم في دائرة الملاحقة والاتّهام.
هذا التحول يأتي بعد عامين ونصف العام منذ ثورة 25 يناير 2011، وهو الإعلام نفسه الذي ظل يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وقياداتها ورموزها، كجماعة سياسية وطنية مشروعة، بعد أن أكمل إسقاط وصف "المحظورة" عنها بعد ثورة 25 يناير، وهو الوصف (الأمني) الذي ظل إعلام مبارك خلال العقد الأخير من حكمه يتبنى وصم "الإخوان" به في خطابه الرسمي، والدعائي.
توابع التوصيف الإعلامي الخاطئ
من توابع تعميم هذا الوصف الجديد على "جماعة الإخوان" وأعضائها، توصيف الأمور إعلاميا كما يلي: مؤيدو الشرعية ورافضو الانقلاب مدموغون بأنهم إخوان.. مظاهرات تأييد الشرعية ورفض الانقلاب هي مظاهرات الإخوان.. أي اعتداء من قوات الأمن عليهم هو اعتداء منهم على الأهالي.. وأي اعتداء من البلطجية عليهم هو اشتباكات مع الأهالي.. إلخ!
وهذا مثال بسيط: مظاهرات مؤيدي الشرعية يوم الجمعة 17 كانون الثاني/ يناير 2014 التي أسفرت عن مصرع سبعة مواطنين، وجرح واعتقال العشرات منهم، تحولت في إعلام الانقلاب (السبت) إلى مانشيتات من عينة: "رصاص الإخوان يرد على صندوق الشعب" (الوطن)، "الإخوان يردون على الاستفتاء بالمولووف والدم ويحرقون الدستور" (الشروق)، "قتيل وعشرات المصابين في اشتباكات الجماعة بالفيوم" (الوفد)، "مصرع شخص وإصابة عشرات في اشتباكات بين الأمن والإخوان في الإسكندرية والسويس والفيوم ودمياط" (التحرير)، "الإرهابية تجهز لمعارك دموية في 25 يناير" (اليوم السابع)، "الإخوان يحاولون إفساد فرحة المصريين ويشتبكون مع الأهالي (الأهرام)، "5 قتلى وعشرات المصابين في اشتباكات الإخوان والأمن" (الجمهورية).
ويمثل تحول الإعلام المصري استخدام تلك التعبيرات، وصبغ الإخوان بالإرهاب؛ دون دليل ولا بينة ودون استناد إلى تشريع أو قانون مكتفيا بقرار حكومي؛ توريطا خطيرا للإعلام المصري في خضم صراع سياسي، بل وقذفا به في أحضان نظام العسكر الانقلابي، وخيانة لأمانة المهنة، وعدم إخلاص للممول الأساسي، بشكل مباشر أو غير مباشر، ألا وهو الشعب المصري.
وحسبما يرى المفكر السعودي مهنا الحبيل، فإن "المراقب لجدولة شيطنة الإخوان أو الإسلاميين الرافضين للانقلاب يدرك أن تصعيد مفهوم المطاردة والشيطنة وصولا إلى تشريع الإبادة الجماعية أو الفردية، بدأ منذ أول الحركة الانقلابية للفريق السيسي، وركزه في أدبيات الانقلاب".
خطورة التوجه.. وكارثية النتائج
الخطورة في هذا التوجه - بحسب الحبيل - أن اللغة الإعلامية السائدة في الصحافة والإعلام المرئي المصري الحكومي أو الحليف المدعوم من رأس المال القوي لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ومحور خليجي مساند له والكنيسة القبطية؛ تحول تطبيقات القانون إلى تشريع للقتل، وإبادة هذا العنصر البشري المصري ابتداء، وقبل أي مذكرة قبض أو متابعة قانونية.
كما ينشأ عن "إصرار وسائل الإعلام المصريّة على تصوير الاحتجاجات ضدّ الانقلاب العسكريّ، وضدّ ممارسات الدولة الأمنيّة، على أنّها "صراعٌ بين الشعب والإخوان المسلمين"؛ أن يصبح من يعارض الاستبداد كأنّه يعارض "الإرادة الشعبيّة"، لتمتلئ الفضائيّات المصريّة بدعوات سحب الجنسيّة، واتّهامات التخابر مع جهاتٍ أجنبيّة معادية لمصر. وما تلبث هذه الدعوات أن تتحول إلى تهمة رسميّة يوجّهها النظام بأجهزته القضائيّة الفاسدة لاحتجاز المعارضين واعتقالهم بتهم الخيانة العظم"، بحسب المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة.
الإعلام المصري إذن عندما لم يتوقف عند كون قرار الحكومة المؤقتة بإعلان جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" قرارا باطلا شكلا وموضوعا، وغير قانوني وغير دستوري، ولا تترتب عليه أي إجراءات قضائية وفق القانون والدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، ولأنه أيضا لم تصدر أي أحكام نهائية بشأن الجماعة وقياداتها، وبالتالي: "لا يمكن لرئيس أو وزير أو كان من كان أن يقف منتفخا ليعلن أنه يعتبر هذا إرهابيا وذاك غير ذلك، وإلا ألغت الأمم المحاكم وأغلقت كليات الحقوق" بحسب وصف الدكتور محمد محسوب، وزير الشؤون البرلمانية الأسبق.