إن الطلب الاسرائيلي باستمرار السيطرة على ضفة
الاردن الغربية والمعابر بين اسرائيل والاردن في اطار التسوية الدائمة مع
الفلسطينيين يقوم الآن في مركز الجدل بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. إن لغور الاردن معاني عسكرية عظيمة الوزن عند اسرائيل في ضوء تجربتها السيئة مع الفلسطينيين، فيما يتعلق بالعمليات وتهريبات الوسائل القتالية من
حدود الاردن في الماضي ("بلاد المطاردات")، ومن تجربتها الجارية معهم على حدود غزة. لا شك في أن سيطرة اسرائيل على الغور أفضل من الوجود على خط حدودي بديل غرب الغور.
اذا تجاوزنا قضية المستوطنات بدا أن قضية الأمن هي القضية المركزية التي يجب أن توجه اسرائيل في هذه المباحثة. في واقع الربيع العربي الذي يتدفق فيه مجاهدون من العالم كله على مراكز المواجهة حولنا تزداد أهمية السيطرة على الحدود الاردنية. فالاردن القوي المستقر الذي يغلق حدوده من كل جهة، مهمة لوجود هدوء على حدود اسرائيل الشرقية. ولهذا ينبغي أن يؤخذ في الحسبان خطر تسليم المسؤولية عن حدود الاردن ومعابره الى الفلسطينيين، فهذه الخطوة ستعرض الاردن الذي أكثر سكانه فلسطينيون لتهديد انقلاب فلسطيني في المستقبل.
سياح الجهاد
إن الفحص عن التهديد العسكري الآتي من "الجبهة الشرقية" بمنظار انتقاض الجيوش العدوة وزيادة استعمال الصواريخ والسلاح المائل المسار قد يفضي الى استنتاج أن "العمق" غير مهم وأنه يمكن التخلي عن الغور. لكن التحدي الذي تقيمه الوحدات الاهابية لـ "سياح الجهاد" الذين يتدفقون آلافا على مراكز المواجهة في منطقتنا أخطر كثيرا ويُشكك في هذا الاستنتاج. إن نظم الحكم الملكية العربية في خطر ومنها الاردن. ولن يكون من الحكمة في هذا الواقع أن تتخذ خطوة ما قد تفضي الى اضعاف الاردن وإغراقه بمقاتلي القاعدة أو جبهة النصرة أو حماس.
إن سياح الجهاد الذين يعملون في الدول العربية المنتقضة لا تهمهم آلام السكان المسلمين الذين غزوهم. فهم يغتصبون ويقتلون السكان أنفسهم وهكذا يصعب ردعهم. ويوجد هذا التهديد في الأساس على الارض ويزيد في أهمية السيطرة على
معابر ضرورية ونقاط ردع وعمق ارضي. على سبيل المثال سوريا حالة كلاسيكية لفقدان السيطرة على المعابر الحدودية وتسلل فيضانات المجاهدين الى داخلها. في فترة حكم مبارك مكّنت مصر مقاتلي القاعدة والجهاد العالمي من الاتصال بالاخوان المسلمين في مصر ورجال حماس في القطاع وأن يؤسسوا في سيناء صناعة تهريبات بين سيناء وغزة وجهت الى اعمال ارهاب على اسرائيل.
ينجح الاردن الى الآن في صد هذا الاتجاه وأثبت نفسه بصفته شريكا يوثق به على حدودنا الشرقية. والاردن وإن لم يعلن ذلك غير متحمس لتسليم الفلسطينيين خط الحدود والمعابر في الاردن، فقد واجه في سبعينيات القرن الماضي محاولة سيطرة فلسطينية برئاسة عرفات (ايلول الاسود). وكذلك تواجه الملكية الاردنية صعوبات اقتصادية وتهديدات لاستقرار النظام في الداخل والخارج، أما القبائل البدوية التي كانت تؤيد الملك حتى المدة الاخيرة فضعفت.
والى ذلك يغرق الاردن تيار لاجئين ضخم (فيهم فلسطينيون كثيرون) من سوريا وهو يصد على حدوده الشرقية انتقال متطرفين اسلاميين من العراق الى داخل ارضه. فاذا سُلم الغور في هذه المرحلة أو غيرها الى الفلسطينيين فسيتضرر الامن الداخلي في المملكة لأن الغور سيصبح منطقة مخترقة من جهة أمنية سواء أغمضت سلطة أبو مازن عينها عن الارهاب أو انهارت وسيطرت حماس على المناطق. والضرر باسرائيل في هذا السيناريو واضح.
تشهد الدلائل جميعا بأن اسرائيل والاردن غير متحمستين لأن تستبدلا بالأمن الحالي على حدودهما تسويات مريبة بحسب الصيغة التي يقترحها وزير الخارجية الامريكي، ولهذا يقتضي التباحث في شأن حدود الاردن بتاً لسؤال: هل يُفضل استمرار السيطرة على مسار نهر الاردن ومعابره وتحمل الاضرار المتوقعة من فشل الاتصالات السلمية بالفلسطينيين أم تُفضل تسوية سياسية تجلب ارهابا معروفا سلفا، ينتهي الى أن يعمل الفلسطينيون بازاء الدولتين بحسب "أثر البالون": السيطرة على المكان الذي سينفجر أولا؟.
حتى لو تحول الاردن الى "فلسطين" فلا يجوز لاسرائيل أن تُمكّن من سيطرة فلسطينية على مسار نهر الاردن والمعابر فيه بسبب التهديد المحتمل من الاردن الفلسطينية المسلحة لاسرائيل.
إن الخوف الاردني من زيادة قوة تصور "الوطن البديل" للفلسطينيين في الاردن جعلهم يقطعون الصلة بالضفة الغربية ويؤيدون كل حل للمشكلة الفلسطينية ليس على ارض الاردن. وثم من يقولون إن المملكة الاردنية قد تحرك مسيرة مدبرة مُشرفا عليها للتغيير في الاتجاه الفلسطيني مع الحفاظ على الملكية الهاشمية والعلاقة باسرائيل. والمصلحة الاسرائيلية الاردنية حتى ذلك الحين هي في استمرار الوضع الراهن. بدأت المصالح الامنية المشتركة للدولتين بمواجهات عسكرية وعمليات رد وعمليات ارهاب وتهريب سلاح على أيدي فلسطينيين الى الضفة الغربية وكمائن لمخربين يجتازون النهر على طول مسار الاردن وفي الغور.
إن الصلات الامنية التي نشأت منذ ذلك الحين بين اسرائيل والاردن صدت هذه الظاهرة، وتميزت العلاقات التي تشكلت بتعاون استراتيجي سري تعرض لضغوط وتهديدات في الدائرة العربية وصمد لها. وقد أدار قادة الدولتين الصلة وأفضت الى اتفاق سلام بينهما. فقد أصبح الاردن الآن في الحقيقة دولة حاجزة بين اسرائيل وكثير من أعدائها ولا يجوز اضعافه.
في حين تطلب اسرائيل استمرار السيطرة على مسار الاردن وغور الاردن، يرفض الفلسطينيون ذلك ويُصرون على طلبهم السيادة والسيطرة على هذه المنطقة. وبازاء هذين الموقفين المتناقضين يوجد عندنا من يقولون إنه يجب خاصة الاستجابة للطلب الفلسطيني بعلة أن تهديد الجبهة الشرقية الذي يشمل حلفا عسكريا تقليديا قد زال وأن احتمال وجود هذا التهديد منخفض جدا.
يقول المتمسكون بهذا التوجه إن لاسرائيل قدرة ردع كافية تجعل الوجود العسكري في غور الاردن ثانويا ولا حاجة اليه. ويقوم هذا التوجه الخطير في الحقيقة على الدولة الاردنية في نظامها الحالي باعتبارها حقيقة غير مشكوك فيها، ولا يؤخذ في الحسبان خطر أن يتضرر الاردن بتسليم المعابر الى الفلسطينيين وأن يكف عن تقديم الخدمة المتوقعة منه أو أنه قد يحدث فيه تحول شديد في غير مصلحتنا.
ونقول في الخلاصة إن السيطرة الفلسطينية على مسار الاردن ومعابره ستضر بالامن المشترك بين اسرائيل والاردن، وينبغي أن نتذكر أنه يوجد خطر من أنه اذا حدثت تغييرات حادة في غير مصلحتنا في الاردن أو في محيطه العربي والاسلامي (ايران والعراق وسوريا ولبنان) فانها قد تهدد تهديدا شديدا أمن اسرائيل من الشرق ولهذا فان السيطرة الاسرائيلية على الغور عظيمة الأهمية.
عن صحيفة اسرائيل اليوم العبرية