كاتب إسرائيلي يشيطن ربيع العرب كي يدافع عن الأسد

قال الكاتب الإسرائيلي ديفيد يوكي إن "الصراع في سورية ليس صراعا بين نظام غاشم ومعارضة ديمقراطية يدعمها الشعب، ولكنه حرب ضد المجموعات المنتسبة للقاعدة من كل أنحاء العالم". جاء ذلك في مقال له بصحيفة جيروسالم بوست بعنوان "الولايات المتحدة وحربها من أجل بقاء الأسد: حلفاء أوباما الغريبين".  

وبدأ يوكي مقاله بالقول إن "الشتاء الإسلامي الفوضوي القاتم يحقق أعلى الخسائر في سورية التي مزقت إربا إربا، والتي لم تصبح دولة فاشلة فحسب، بل أصبحت دولة مدمرة. وأكثر من أي مكان آخر تعكس سورية فشل العالم الحر في فهم الواقع في الشرق الأوسط. وهي تظهر المعضلة الثقافية والمدنية للمفاهيم الخاطئة والمغالطات، وهي ظاهرة تتكرر عبر التاريخ، وتتحدث المؤرخة باربارا توتشمان في كتابها "ذي مارتش أوف فولي"  (مسيرة الحمقى) عن الحماقة و الإصرار الأعمى وعمى الرؤية والقيادة التي تقود شعوبها إلى الكارثة.

ويضيف "تثبت نورما ديكسون في كتابها "أور أون وورست إنمي" (أسوأ عدو للنفس) أن الناس ينشغلون بظاهرتين: إنكار الحقيقة والتسويغ لهذا الإنكار. فنحن فعلا أشد أعداء لأنفسنا لأننا فقدنا قيمنا الأخلاقية وتوقفنا عن تذكير أنفسنا بحقيقة من نحن ومن هم أعداؤنا، وأننا الجانب المحق في حرب الحضارة هذه. وفي ذم للذات وصحوة ضمير خاطئة نعبد من يكرهنا ويكره الثقافة الغربية".

ويمضي للقول "هناك مغالطات كثيرة تمنعنا من فهم الوضع والتأسيس لسياسة صحيحة: اللياقة السياسية والجهل وسياسة القادة والغباء والعولمة، ولكن ما هو أهم  من هذه المغالطات هي صورة المرآة. وأنا أعتقد ان صورة المرآة هي أشد أعدائنا وهي تعني أننا ننظر إلى عدونا ونحلل تصرفاته حسب معتقداتنا وقيمنا. ونتعامل معه بنفس التوجهات المتعارفة وقواعد التنفيذ ونحاول أن نعكس تجاربنا الماضية عليه، وكأنه يشبهنا ويشاركنا التوجهات والقيم والأهداف".

ويقول "إذا أخذنا رواية جورج أورويل "1984" كدليل يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا لو كان معنى مصطلح "معتدل" و"متطرف" هو بالضبط عكسه في الإستخدام الغربي مقارنة بالثقافة العربية- الإسلامية؟ ماذا لو كان ما نعتبره اعتدالا يعتبر تطرفا في الثقافة العربية- الإسلامية السياسية والعكس صحيح؟ ماذا لو كنا نستخدم نفس المصطلحات؛ سلام واتفاقيات سياسية، مفاوضات، تعايش ..إلخ – ونترجمها عمليا، ولكن مفهومها مختلف عند كل واحد منا؟ ماذا لو كان مصطلح "جيد" بالنسبة للعرب والمسلمين يعني كل ما يحقق تقدما للإسلام في حربه ضد الكفار والسيطرة على العالم ومصطلح "شرير" يعني كل ما يقاوم مشروع الإسلام ويسمح للكفار بالوجود؟ ماذا لو كان الإسلام يعلّم الحرب باسم السلام والبغض باسم الحب؟ ماذا لو كانت القاعدة الذهبية في اليهودية والمسيحية حول ما هو جيد أو سيء تختلف تماما في الإسلام، حيث حكم الله وحده هو ما يحدد ما هو الجيد وما هو السيء؟".

تأسيسا على هذا الكلام يقول الكاتب "لا تتعلم الولايات المتحدة، ولا تتعلم حتى من أخطائها. إنها لا تفهم ما هي عناصر الواقع وافتقدت إمكانية الربط بين النقاط التي ترسم الصورة الحقيقية البشعة، وتصر على أن الشتاء الإسلامي، الفوضي المظلم هو "الربيع العربي" الذي سيوصل إلى زمن جديد مواكب للعصر. تؤمن بـ "ثورة الإنترنت". ولا تزال تقيم الواقع الموضوعي باستخدام صورة المرآة الوهمية. ومع أن إخفاقاتها كبيرة وواضحة، فهي لا تزال مستمرة في أوهامها وأحلامها لتقع في فشل بعد فشل".

ويضيف "ما حصل في مصر مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفي اليمن مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وفي ليبيا بذبح القذافي، توقف في سورية: التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط وأحيانا عدمه قاتل. أنهت الحكم العسكري وساعدت بعلم أو بدون علم في مجيء الأنظمة الإسلامية المتطرفة من الإخوان المسلمين إلى القاعدة.

- ففي تونس بدلا من نظام علماني منفتح أتتنا حركة النهضة الإسلامية.

- وفي مصر بدلا من نظام معتدل موال للغرب أتانا نظام سيء الذكر مرسي والإخوان المسلمون.

- وفي اليمن بدلا من نطام معتدل صديق للغرب أتتنا القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتسيطر على حوالي 50% من الأراضي اليمنية.

- وفي ليبيا بدلا من نظام مستقر أتتنا القاعدة في المغرب الإسلامي والتي كانت متمركزة في بنغازي سابقا، والتي لم تؤد إلى تهديد جيران ليبيا بل في الحقيقة قامت بتهديم النظام وأدت الي اقتتال واسع داخل البلد".

ويقول الكاتب إن "أكثر سياسة كارثية للإدارة كانت التهديد الأمريكي بالتدخل العسكري، مشيرا إلى أن العنف في سورية منذ البداية لم يكن داخليا بين نظام قمعي ومعارضة ديموقراطية تلقى دعما من الشعب، بل كان ضد القاعدة والجماعات المرتبطة بها في كل أنحاء العالم والمتمركزة الآن في سورية. وترمز لكل دعوات أيمن الظواهري الذي اعتبر سورية الساحة الجهادية الأكثر أهمية، وانتصار القاعدة فيها يعني ظهور هيمنة التنظيم في العالم.

وبالتأكيد يقول الكاتب إن ما نراه اليوم في سورية هي جماعات محلية وأخرى أجنبية من لبنان والقاعدة في الجزيرة العربية والمغرب الإسلامي، وأفغانستان والباكستان والشيشان وتركمنستان والصين، وتنفق وتتدفق ملايين من الدولارات وكميات كبيرة من الأسلحة على"المعارضة" من قطر والسعودية والولايات المتحدة. فسورية كبلد مدمر وأصبحت مدنها  خرابا وبملايين اللاجئين الهاربين للدول المجاورة.

ويقدم الكاتب جردة لأسماء الجماعات والفصائل المرتبطة بالقاعدة والتي قال إنها طويلة، ومن الصعب حصرها. وينقل تقديرات المركز الدولي لدراسة الراديكالية الإسلامية في لندن حيث قدر عدد المقاتلين الاجانب ما بين 3.300 – 11.000  من 70 دولة وهم يقاتلون ضد الأسد.

ويتحدث الكاتب عن انقسام بين هذه الجماعات حسب المنطقة والمدينة ولكن "الأمر المهم هو أن النظام السوري، الحاكم الشرعي والذي يقاتل من أجل بقائه يقاتل أسوأ عدو للعالم الحر وأن الولايات المتحدة تقوم بدعم الطرف الخطأ- وبشكل مطلق الطرف الأخر من الجانب الصحيح في هذه المعركة. ونتائج هذا الدعم مرعبة ومخيفة لوجود لشرق أوسط مستقر وعاقل. فراية القاعدة ترتفع الآن فوق أجزاء من شمال سورية، وفي 22 أيار/ مايو 2012 أعلنت القاعدة عن الدولة الإسلامية في العراق والشام. وتقوم هذه الجماعة بعمليات تؤبد الإبادة والتطهير العرقي ضد الأقليات، خاصة المسيحيين. وبالتأكيد لو أراد الواحد منا التوصل لنتيجة حول الوضع وبطريقة منتقاة فوضع المسيحيين يمثل حالة واضحة ".

 ويقول الكاتب إن أهداف الظواهري معلنة وواضحة وهي "الإطاحة بنظام بشار الأسد الكافر وإنشاء دولة إسلامية تقوم على الشريعة". ويضيف الكاتب أن أحسن تصريح صدر عن جنرال سوري "لماذا لا يفهم العالم أننا آخر سد يمنع تدفق الإسلاميين إلى أوروبا؟ أي عمى". 

ويعلق الكاتب أن "الولايات المتحدة تواصل وبعناد وحماقة كبيرة بدعم الشر، كأنها لم تتعلم من دروس أفغانستان حيث دعمت أسامة بن لاد والمجاهدين الأفغان، ولم تتعلم من دورس دعم الخميني ضد الشاه، فقد كان جون كلابر هو من اعترف في شهادته أمام الكونغرس أن القاعدة على ما يبدو تربح في سورية".

ومع ذلك "لا يزال الجيش الأمريكي يقوم بعمليات خاصة لتدريب ما بين 5000- 7000 من قوات الجيش الليبي، حسب الأدميرال ويليام ماكريفين، وستقدم هذه العمليات أكثر الأساليب تقدما وكيفية إدارة العمليات وكذا الأسلحة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهناك شيء أخر يكشف عن مسيرة أمريكا الحمقاء وهي تلقي وحدات من الجيش السوري الحر عمليات تدريب مكثفة من قوات المارينز المتمركزة في السعودية. ويجب أن نضيف لهذه العمليات الخاصة للسي أي إيه في تركيا (مرسين وأضنة)، وتدريب إرهابيي القاعدة القادمين مباشرة من الباكستان وأفغانستان، وفي الأردن (منطقة إربد)،  كما تدرب الولايات المتحدة إرهابيي القاعدة القادمين من العراق وليبيا وترسلهم إلى سورية لقتال قوات الأسد.

ويقول الكاتب أن أسئلة يجب أن تطرح حول  الإدارة الأمريكية والوضع في سورية. فعندما يقوم العالم الديموقراطي بشجب الأسد كديكتاتور دموي ويتهمه بذبح شعبه، فهل لديهم المعرفة الدقيقة والمعلومات الموثوقة عن الوضع المحلي في سورية والقوات العاملة هناك؟ هل الحقيقة تطابق الأساطير التي تبث حول  السفاحين وهويتهم؟ وأكثر من هذا هل تأخذ بعين الإعتبار أن كل القادة السياسين العرب والمسلمين كانوا طوال التاريخ كله وحشيين قمعيين ومضطهدين؟

 ويختم بالقول "أحببنا أم كرهنا، فلم يكن ممكنا الحكم بدون أن تكون قاتلا وديكتاتورا رهيبا، حيث يخاف الشعب من قائده وفي الوقت نفسه يُعجب به. وبدون هذه المزايا، لن يكون بامكان قائد السيطرة على القوى الخارجة وجلبها لمركز النظام والقانون. والعراق هو المثال الوحيد لهذا الوضع،  فقد أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين، الذي حافظ على ميزان القوة في العراق، واليوم ما يجري هو فوضى، وحكم تكفيريي القاعدة في الفلوجة يرمز إلى هذا الوضع، فهل الأسد حقيقة مختلفة عن القادة العرب- المسلمين المعاصرين له والقادة التاريخيين السابقين له؟