في هذا المقال الذي كان بعنوان "ميدان إطلاق النار" وكتبه المحلل السياسي الإسرائيلي عمير ربابورت في صحيفة "معاريف" اليوم الجمعة، تقييم للوضع الذي تعيشه إسرائيل على كل الجبهات السياسية والأمنية والعسكرية، ويلخصها في ست نقاط. هنا نص المقال.
1. صعود درجة. الشهر الذي يوشك على الانتهاء يتحدى الجيش الاسرائيلي في كل الجبهات: عمليات واخطارات ساخنة سجلت على الحدود مع لبنان، سوريا وحتى على حدود مصر الطويلة (من حظنا أنه توجد حدود الاردن التي بقيت مستقرة نسبيا وكثيرا بفضل تكنولوجيا اسرائيلية تخدم الاردنيين وبفضل تصميم جيش الملك). ولكن مع كل الاحترام للحدود، فان الاسبوع الاخير من كانون الاول اعاد الى العناوين الرئيسة الارهاب الفلسطيني مع تنوع واسع لانواع العمليات – زرع عبوة في باص في بات يام، طعن قرب مستوطنة آدم ونار على حدود قطاع غزة. ومن الجهة الاخرى كان مصابون كثيرون فلسطينيون في حملات اعتقال كانت تمر ذات مرة بسلاسة وباتت الان معقدة جدا، وطفلة غزية ابنة ثلاثة قتلت بهجوم لسلاح الجو.
2. فوضى. رغم عبق الانتفاضة في المناطق يدور الحديث في هذه المرحلة عن "فوضى". موجة الارهاب يحركها احباط عام – ولا سيما من
السلطة الفلسطينية، وكذا من المفاوضات السياسية التي لا يؤمن بها أحد. السلطة من جهتها تنفس الضغط من خلال تشجيع اعمال تعتبر في نظرها "احتجاج شعبي" وفي نفس الوقت تتعاون بنشاط مع أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في الحرب ضد العدو الخطير حقا في نظرها –
حماس والمنظمات الاسلامية المتطرفة.
ولغرض التوازن، من المهم أن نعرف بانه خلافا لايام الانتفاضة الثانية في بداية العقد الماضي، لا يزال الجيش الاسرائيلي يعمل بحرية شبه مطلقة في كل نقطة في المناطق والمنظمات الاسلامية تجد صعوبة في خلق بنية ارهابية ذات مغزى في مواجهة استخبارات ثلاثية: للجيش الاسرائيلي، للمخابرات الاسرائيلية وللسلطة الفلسطينية (ليس بالضرورة بهذا الترتيب من الاهمية). التقديرات الاستخبارية للجيش الاسرائيلي وللمخابرات الاسرائيلية، هذا الاسبوع ايضا كانت ان الجمهور الفلسطيني والسلطة غير معنيين بانتفاضة ثالثة.
هكذا فان البنية التحتية الهامة الاخيرة التي بدأت تترسخ على الارض، لمنظمة سلفية متطرفة على نحو خاص في قرية يطا في جنوب جبل الخليل سحقت هذا الشهر من قبل قوات الامن الاسرائيلية. وطالما بقي ميزان المصالح (وهو سيبقى) لن تندلع انتفاضة ثالثة. ولكن الطرفين يتدحرجان الى وضع جديد يتميز بعمليات تقوم على اساس مبادرات محلية وتأييد سلبي من جانب معظم الجمهور الفلسطيني. يتعين على الفلسطينيين أن يخترعوا للكفاح في صيغته المتبلورة اسما جديدا، وفي كل الاحوال فان الذروة لا تزال امامنا. موجة الارهاب ستتصاعد حين يتبين في الربيع أن المفاوضات لا تؤدي الى أي مكان. الا اذا تقرر تمديد حياة المفاوضات بوسائل مصطنعة فقط من أجل الابقاء عليها.
3. خطآن. في ضوء الوضع على الارض لا يمكن الا نلاحظ خطأين اسرائيليين. تحرير السجناء الفلسطينيين ذوي الدم على الايدي، والذي ستنفذ نبضته الثالثة في الاسبوع القادم، يستهدف ان يكون بادرة طيبة تعزز ابو مازن. اما عمليا فهو يعتبر كوهن اسرائيلي ان لم يكن غباء حقيقيا. وفي المدى البعيد سيشجع الارهاب فقط.
كما ان حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لا يرد بسرعة على الوضع ولا يعزز القوات في المناطق بشكل كبير من شأنها ان تتبين كاشكالية. والسبب الذي يجعل قوات قليلة نسبيا تعمل على الارض هو ان الجيش الاسرائيلي يمتنع على نحو شبه مطلق عن تجنيد الاحتياط لاعتبارات مالية. وهكذا فبعد كل النزاعات الاعلامية، وعلاوات الميزانية التي اقرت مع نهاية السنة، فان الجيش الاسرائيلي لا يزال يوجد، من ناحيته على الاقل، في عجز 1.5 مليار شيكل مقابل ما يعتبره كاحتياجاته الاساسية.
4. بيبي – بوغي. الاحداث الاخيرة ترسخ الثنائي بنيامين
نتنياهو وموشيه يعلون بانهما المؤثران الحصريان في موضوع الامن. ويمكن منذ الان القول ان المجلس الوزاري السياسي الامني في حكومة نتنياهو الثالثة ضعيف جدا. شخصيات مثل دان مريدور وبيني بيغن ممن كانوا اعضاء في المجلس السابق اعتزلوا السياسة تماما. وزراء قدامى مثل سلفان شالوم وحتى وزير الاستخبارات والاستراتيجية يوفال شتاينتس يستبعدان عن مداولات المجلس الوزاري. اما للوزراء يئير لبيد، نفتالي بينيت، اسحق اهرنوفيتش وحتى افيغدور ليبرمان الذي عاد الى الشؤون مؤخرا، فلهم وزن أمني هامشي.
عندما وصلت التقارير عن مواطن اسرائيلي قتيل على حدود قطاع غزة يوم الثلاثاء كان يعلون في مكتبه في وزارة الدفاع. وجاء التقرير بعد عدة ايام متوترة على حدود غزة وأدى الى رد فعل شبه شرطي "يعلوني": الاطلاق الى الجو بالتنسيق مع الجيش الاسرائيلي في ظل اطلاع رئيس الوزراء، بطائرات سلاح الجو. اذا هوجمنا – سنرد الهجوم. من نواحٍ عديدة، يعلون أقل ذكاء او تذاكيا بكثير من سلفه ايهود باراك: فهو مؤمن اقل بـ "الروافع" وبالخطوات متعددة المراحل. ولهذا فقد كان الرد يوم الثلاثاء شبه فوري.
كان التقدير بان من يقف خلف اطلاق النار على المواطن الاسرائيلي هم الجهاد الاسلامي أو لجان المقاومة الشعبية. حماس لم تكن مشاركة، ورغم ذلك، تقرر الهجوم على اربعة اهداف لحماس من اصل ستة هوجمت. هدف اختيار الاهداف كان البث بانه من ناحية اسرائيل حماس هي المسؤولة على ما يحصل في القطاع. وبالتوازي مع الهجوم، بسط الجيش الاسرائيلي بطاريات قبة حديدة في الجنوب واستعد لجولة مناوشات لم تقع.
5. ضغط مصري. مع كل الاحترام لسياسة الرد الحازمة والسريعة فان ما اوقف جولة العنف الدورية في غزة حقا حتى قبل أن تبدأ هو الضغط الشديد الذي تمارسه مصر على حماس في غزة.
في ارجاء سيناء تدور حرب ضروس من الجيش المصري والمنظمات الاسلامية والتي تقع للجيش فيها خسائر أليمة ومهينة غير قليلة. وكجزء من هذه الحرب جفف الجيش المصري لاول مرة منذ سنين معظم انفاق التهريب التي تربط قطاع غزة مع الاراضي المصرية. وقد استجدت اسرائيل في الماضي عمل ذلك ولكن المصريين دحرجوا عيونهم. والان، عندما بات الحديث يدور عن مصلحة مصرية عليا (حماس هي في نظر الجيش المصري الحليف القريب لحركة الاخوان المسلمين التي اخرجت في مصر عن القانون) يتبين فجأة أنه توجد طريقة ناجعة لسد الثغرات.
عمليا، حماس مخنوقة من ناحية اقتصادية وسياسية وذلك لان مصر واسرائيل تسيطران على نحو شبه مطلق على توريد البضائع الى القطاع. وهي غير معنية في جولة قتال اخرى مع اسرائيل. ليس الان على الاقل.
6. حرب تحت ارضية. هذا لا يعني أن حماس لا تعمل الا في الشؤون الاجتماعية والخيرية والاقتصادية بل العكس. في ظل "التهدئة" التي في نهاية المطاف لم تخترق بشكل جوهري هذا الاسبوع تعد نفسها بكثافة لجولة القتال التالية مع اسرائيل. القطاع لا ينجح في تلقي تموين صواريخ فجر الايرانية عبر مصر، ولهذا فان حماس والجهاد الاسلامي ايضا يعملان على تطوير ذاتي لصواريخ بعيدة المدى، تصل الى "ما بعد ما بعد تل أبيب". ومع ذلك، يبدو ان هذا الجهد زائد. فالصواريخ لم تشكل تحديا هاما لـ "لقبة الحديدية" ولـ "صيادي وسائل الاطلاق" لسلاح الجو في يوم الامر، وذلك لانها تحتاج الى ارض اطلاق واسعة سيتم العثور عليها بسرعة وتهاجم في غضون ثوانٍ من اجهزة التحكم في الجيش الاسرائيلي.
غير أن بذلك لا تنتهي جهود حماس تمهيدا للمواجهة التالية. فالمنظمة تطور منظومة طائرات بدون طيار بل ومنظومة سايبر ولكن التهديد الاكبر بالذات معروفا أقل للجمهور الاسرائيلي، (ولكنه معروف بالتأكيد للجيش الاسرائيلي): "يتبين أنه سواء في قطاع غزة أم في جنوب لبنان تقام ساحات قتال تحت أرضية كبرى استنادا الى شبكة من الانفاق والخنادق. ومن هذه المساحات التحت أرضية ستطلق النار نحو اسرائيل. ليس بالضرورة بالصواريخ بعيدة المدى.
ان التصدي للمجال التحت ارضي سيكون تحديا هاما للجيش الاسرائيلي. كما أن الانفاق قد تشكل الاساس لعملية الاختطاف التالية. وامكانية أن تكرر قضية جلعاد شاليط نفسها ليست اقل من كابوس في سيناريوهات الجيش الاسرائيلي.