تشير بطاقة عمل حسين شريعتمداري إلى أنه «ممثل المرشد الأعلى» في صحيفة «كيهان»، الصحيفة المحافظة الأبرز في
إيران. وعندما تستمع إلى دفاعه الصلد عن سياسات الثورة الإيرانية، تدرك مدى صعوبة التوصل إلى الاتفاق النووي الذي أبدى كثير ممن التقيتهم هنا رغبة في إبرامه.
أشار شريعتمداري صراحة إلى أنه لا يؤمن بإمكانية التوصل إلى تسوية مع الغرب، وأن «هوية كلا الجانبين تلعب دورا في الصراع. وهذا ليس وليد اللحظة، بل هو أمر بنيوي. والمشكلة سيجري حلها عندما يتخلى أحد الجانبين عن هويته، وحينها فقط سيكون التوصل إلى اتفاق ممكنا».
يستخدم رئيس تحرير «كيهان» موقفه القوي لمعارضة الاتفاق الذي تفاوض عليه الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف. وقال صراحة إنه يعتقد أنه ما كان ينبغي لإيران توقيع اتفاق الأشهر الستة لتجميد برنامجها النووي، الشهر الماضي في جنيف، وأكد على أن ظريف ضلل روحاني والمرشد الأعلى علي
خامنئي، عندما قال إن الاتفاق ضمن حق إيران في تخصيب اليورانيوم. وأكد على أن «هذا الجنتلمان (ظريف) لم يتفوه بالحقيقة».
هل يمكن للمتشددين مثل شريعتمداري وقادة الحرس الثوري الإيراني منع تنفيذ الاتفاق؟ ربما يكون مصرفي إيراني صائبا في قوله لي إن ظريف يحظى بدعم 90 في المائة من الإيرانيين للتفاوض حول اتفاق يرفع العقوبات الاقتصادية ويخفف من عزلة إيران. لكن الجناح الذي يمثله شريعتمداري والحرس الثوري يتولون المراكز القيادية.
تعد قوة الحرس الثوري متغيرا حاسما. وقد قال لي روحاني في مقابلة في نيويورك في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إنه يعتقد أن المؤسسات الأمنية، مثل الحرس الثوري، ينبغي أن تكون أقل نفوذا في إيران، وقد أعلن ذلك أمام الإيرانيين في حملة الانتخابات الرئاسية، لكني عندما سألت شريعتمداري عن تصريح روحاني، رفضه قائلا إنه «دعاية انتخابية».
بدت
طهران هذا الأسبوع أشبه بدولة تقع في مكان وسط بين بيونغ يانغ ولوس أنجليس، فهي مدينة مترامية الأطراف أهلها متحضرون واجتماعيون، لكن شعارات ثورة 1979 الإسلامية بدأت في التلاشي على الجدران، بالمعنى الحرفي.
لكن الجذور الراديكالية للنظام لا تزال قائمة. ويتحدث شريعتمداري عن الفريق الذي استوعب الرسالة على لوحة جدارية ضخمة في شارع كريم خان زاند، بالقرب من مكتبه، التي تظهر مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني والتي تقول: «لن ننكس العلم الذي رفعته».
ويستطيع زائر طهران، بحسب شريعتمداري، أن يرى أن إيران تواجه في المفاوضات النووية صراعا داخليا حول هويتها. وقد اتضح ذلك في التصريحات الحادة التي تبادلها ظريف ومنتقدوه، بما في ذلك قائد الحرس الثوري الجنرال محمد الجعفري. ربما تكون القيادة الإيرانية قد سمحت بهذا النقاش لتؤكد نفوذها في المفاوضات - لتشجيع تقديم تنازلات للمعتدلين المتعاطفين الذين يصارعون المتشددين. لكن ذلك ليس للعرض، إذ يمكنك أن تشعر بالتوتر الخفي في المحادثات العادية.
ينبع الدعم الشعبي لروحاني بشكل جزئي من إعياء قومي بعد ثماني سنوات من حكم الرئيس التحريضي محمود أحمدي
نجاد، الذي بدا سعيدا بالتصادم مع الغرب بخطاباته الشديدة اللهجة التي يهاجم فيها إسرائيل، لكن الكثير من الإيرانيين يرون فيه نوعا من الحرج. وقد تحدثت إلى ستة أفراد هنا وقالوا إن سنوات أحمدي نجاد تذكرنا بسياسات اقتصادية سيئة والمحسوبية لصفوة السلطة.
منح الشعب روحاني 51 في المائة من الأصوات التي تبارى عليها ستة مرشحين، ولو ترشح مرة أخرى لكانت النتيجة أفضل بكثير، كما يؤكد سعيد لايلاز، الصحافي الاقتصادي البارز، في مقابلة معه في شقته شمال غربي طهران. وقال لايلاز: «نحن ندعمه بشكل مطلق»، لكن لا توجد بيانات لاستطلاعات الرأي تعزز هذا الافتراض. أما بالنسبة للمرشد الأعلى، فيعبر لايلاز عن وجهة نظر سمعتها أيضا من آخرين قالوا إن «خامنئي يدعم روحاني لأنه من دون ذلك سينهار النظام».
إن شغف الشعب الإيراني في التخلص من كآبة الثورة الإسلامية يتضح في عدة أشياء.. حيث حدثني أحد الإيرانيين عن موضة السفر إلى السليمانية وكردستان العراق ودفع تذكرة تصل قيمتها إلى 100 دولار لسماع نجوم البوب الذين لا يستطيعون دخول إيران. وهناك أيضا ازدهار في السفر المنخفض التكلفة إلى المجتمعات المنفتحة، فدبي وإسطنبول، اللتان كانتا تشكلان الوجهة الأمثل لهم، صارتا أكثر تكلفة بالنسبة لهم، وهو ما دفع الإيرانيين للتحول إلى الرحلات الجوية الرخيصة إلى يريفان في أرمينيا وتبليسي في جورجيا.
يعتقد شريعتمداري أن الإغراءات الغربية مسمومة. ويتشكك حتى في محادثة الرئيس أوباما الهاتفية مع روحاني في سبتمبر التي يرى فيها محاولة لإذلال إيران. وسألته عما إذا كان على روحاني أن يتوقف، فرد بابتسامة نادرة: «نحن نؤمن بالكياسة».
(الشرق الاوسط 21/ديسمبر/2013)