"هنا أعيش بكرامتي وأشعر بوجودي رغم قسوة الحياة والوضع الاقتصادي المتدهور"، كلمات رد بها (رأفت) علينا عندما سألناه عن مدى إمكانية استجابته لإغراء الاحتلال للفلسطينيين لتشجيعهم على الهجرة. رأفت الخريج الجامعي والذي يعمل على عربة لبيع القهوة والشاي، نموذج لكثير من الشباب الذين يصرون على البقاء رغم صعوبة
الوضع الاقتصادي والبطالة التي يعاني منها الشباب.
وكانت الحكومة
الإسرائيلية خصصت حوالي مليار دولار لاستخدامها في تشجيع الفلسطينيين على الهجرة من الضفة الغربية، استغلالا لأوضاعهم الاقتصادية الصعبة وصعوبات الحياة اليومية المتمثلة بإجراءات الاحتلال وإذلاله للمواطنين.
ونشرت مواقع إسرائيلية تقريراً يتحدث عن تخصيص حكومة بنيامين
نتنياهو مبلغا تجاوز الثلاثة مليارات شيكل (حوالي مليار دولار أمريكي)، لتشجيع هجرة جزء من الفلسطينيين ليتحول من تبقى منهم إلى مجرد أقلية ديموغرافية يمكن لـ "إسرائيل" لاحقا أن تمنحهم الجنسية الإسرائيلية، دون أي خوف على معدل تمثيلهم في الكنيست الإسرائيلي.
ووفق التقرير فإن حكومة نتنياهو ستحاول استغلال أوضاع الفلسطينيين الحياتية وخاصة الفقراء منهم لتشجيعهم على الهجرة، من خلال إغرائهم بالأموال وصرف حوالي27 ألف دولار لكل أسرة تغادر الضفة إلى جانب تأمين دخول تلك الأسر إلى الدول المقرر الهجرة إليها.
وأشار التقرير إلى أن الخطة الإسرائيلية للتهجير تابعة لوزارة "الدفاع الإسرائيلية" لأن المشروع أمني بامتياز. وتقتضي إغراء 30 ألف أسرة فلسطينية كل عام بالهجرة، وإشعار باقي الفلسطينيين بأن تلك الفرصة للهجرة باتت تضيق.
تحذير من الاستجابة
وعقب المحلل السياسي الدكتور عبد الستار قاسم على ذلك بقوله لـ(عربي21): "يتعرض الفلسطيني لضغوط متنوعة من أجل هجر بلده. هناك إغراءات الدول الغربية، وهناك إجراءات "إسرائيل" الاقتصادية والأمنية، وهناك إجراءات السلطة التي تجعل الفلسطيني يكره وطنه. الدول الغربية تقدم إغراءات من حيث بحبوحة العيش والحريات، وهي استطاعت استقطاب فلسطينيين إلى النرويج والسويد وكندا وأستراليا. أما إجراءات "إسرائيل" من زاوية التضييق على الناس فتدفع الفلسطيني خارج البلاد. وفساد السلطة وجه ضربة هائلة للشباب الفلسطيني بحيث بات عدد كبير يفكر بالهجرة إن أتيحت له الفرصة".
وأضاف قاسم: "الأموال التي رصدتها "إسرائيل" تسهل للفلسطيني الانتقال من فلسطين إلى بلد آخر. يمكن أن توفر له تذاكر الطائرة، والمكوث في فندق عدة أيام لغاية استئجار سكن، ومن ثم البحث عن عمل. نعم "إسرائيل" تعرف ما تعمل، وقد سبق أن استعملت هذا الأسلوب الإغرائي وحققت نجاحا".
ولم يستبعد قاسم استجابة فلسطينيين لهذه الإغراءات، بقوله: "تقديري أن هناك فلسطينيين كثر سيتعاملون مع الموضع وسيخضعون للإغراء. هناك فلسطينيون يكرهون البقاء في فلسطين، وهم لا يرون لأنفسهم مستقبلا في بلادهم، ولا توجد لديهم روح نضالية من أجل البقاء. المجتمع عندنا يدمر أخلاقيا واجتماعيا، والسلطة هي الأساس في هذا التدمير. وما دام الأمر كذلك، ستجد ارتفاعا متواصلا بدرجة الاغتراب الإنساني عندنا، ومزيدا من التغلغل الإسرائيلي في صفوفنا".
تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء
بدوره قال الناشط ضد الغلاء، خالد منصور لـ(عربي21)، إن عدم الاستقرار يؤدي إلى "تفاقم ظواهر الفقر والبطالة وزيادة الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء، ويؤدي إلى طحن فئات اجتماعية واسعة ويضعف وحدته الداخلية، ما يضعف قدرته على الصمود ومواجهة أية مشاريع سياسية قادمة".
وحذر من خطورة الخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، فقال: "نعم هناك خطورة لهذه الخطوة، لكنها ليست جديدة وتأتي اليوم على خلفية أمرين: الأول الوضع الاقتصادي المتدهور لدى الفلسطينيين، والثاني غياب الأفق السياسي لدى الجمهور الفلسطيني العام، وفي سياق ما يتم تداوله من مشاريع لحلول سياسية سقفها أدنى من المواقف الرسمية الفلسطينية المعلنة وخصوصا حق العودة".
وأكد منصور أن المطلوب لمواجهة المخططات الإسرائيلية لتهجير السكان تتمثل بـ "رسميا التوقف عن النهج السياسي الحالي القائم على الرهان على الدور الأمريكي؛ وإحداث تغيير جذري في مجمل السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية؛ وإيلاء الفئات الشعبية واحتياجاتها الأهمية الكبرى.
وشعبيا تنفيذ السياسات البديلة للسياسات الرسمية، وتعزيز المقاومة الشعبية، وتعزيز مقاومة سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية والضغط عليها أكثر لتغييرها من خلال حملات شعبية حقيقية ضد الفقر والبطالة والغلاء، وضد المساس بالحريات ولمكافحة الفساد المالي والإداري والوظيفي المستشري في البلاد".