الشأن
الإيراني لا زال يهمين على الصحافة الاسرائيلية الصادرة اليوم الاربعاء، وقد خصص معظم كتاب الاعمدة الرئيسية مساحات واسعة للاتفاق النووي الايراني، الا ان اللملاحظ في مقالات اليوم هو الحديث عن السعودية والخليج وما خسروه من ذلك الاتفاق.
وتحت عنوان "اوباما يُدير الخد الثاني – والسعوديون غاضبون" كتب بوعز بسموت في صحيفة "اسرائيل اليوم":
جاءت السعودية لتساعد حينما قُدمت الى المشنقة على أثر اتفاق جنيف. إن محللين في وسائل الاعلام السعودية غاضبون على "الأم تريزا" (اوباما)، الذي أدار خده الأيسر بعد أن قدم الأيمن بشرط أن يوجد اتفاق وأن يوجد سلام. ولا يمكن أن توجه الدعاوى على اوباما، فهو لم يُسمع قط مثل جيري كوبر بل مثل إيفي نتان.
في موقع صحيفة "نيويورك تايمز" في الشبكة ظهر أمس في اكثر ساعات النهار نبأ بيّن الغضب السعودي. ويدرك السعوديون أن امريكا قد تغيرت، وعلى حسب هذا الايقاع ستصبح ايران حليفة الولايات المتحدة المركزية في الخليج. فأين الاحترام لتراث الخميني؟.
يتذكر السعوديون كيف تخلى الرئيس جيمي كارتر في 1979 عن الشاه محمد رضا بهلوي لصالح آية الله الخميني. ويخشون في الرياض الآن سيناريو مشابها يتخلى فيه الرئيس اوباما عن الملك السعودي عبد الله لصالح علي خامنئي. فلو أن الخليج الفارسي كان لعبة ورق لهزم آية الله الملك حينما يلعب حول الطاولة رؤساء ديمقراطيون.
إن العالم السني في هياج، والعالم الشيعي يقرص نفسه وكأنه غير مصدق. إن واشنطن في تراجع حقا لكنها ما زالت قادرة في تهاويها على تغيير توازن القوى في الشرق الاوسط. واوباما ساحر حقا كما تنبأوا في بداية ولايته الاولى، فقد نجح بحسب تصوره في جعل أشرار منطقتنا أخيارا وأخيارها أشرارا. واسرائيل في الجانب الخيّر، أي أنها في الجانب الشرير.
لا فرق كبير من وجهة نظر السعوديين بين الاتفاق الذي وقع عليه بمبادرة امريكية مع الايرانيين والاتفاق الذي وقع عليه مع السوريين، فكلاهما سيء. والعالم الشيعي يربح على حساب العالم السني. في يوم الاثنين مع انتهاء المحادثات في جنيف في الموضوع النووي الايراني، بدأت في ذلك المكان محادثات سوريا. وما كانت السعودية لتعارض أن تهاجم اسرائيل ايران وجنيف ايضا.
ترى السعودية، مثلنا جميعا، كيف تتخلى امريكا عن قوتها العسكرية وتراهن على اتفاقات. وتخشى السعودية أن تكون هي التالية في الدور. تحدث وزير الخارجية الايراني محمد ظريف في الحقيقة بعد توقيع الاتفاق في جنيف بساعة عن خليج فارسي جديد يعيش فيه الجميع في سلام وأمن. وطوبى لمن يؤمن بذلك. إن اوباما وحده يصدق الايرانيين. ومشكلة اوباما هي أن 53 بالمئة من الامريكيين بحسب استطلاع الـ سي.إن.إن لا يثقون به.
هزمت امريكا ريغان الاتحاد السوفييتي الشيوعي، وأسقطت امريكا بوش صدام وطالبان. أما امريكا اوباما فتحافظ على نظم حكم قائمة وتُتم اعمالا معها. إن الملابس العسكرية عند اوباما توجه الى الخزانة ويوجه الدبلوماسيون الى الجبهة.
إن ايران وسوريا وكوريا الشمالية يحل لها أن تهيج: فقد أعاد ضابط الشرطة بعد القضاء على ابن لادن المسدس الى قرابه.
لكن ليس كل شيء ضائعا، فقد أرسلت الولايات المتحدة أمس قاذفات بي 52 الى منطقة النزاع بين الصين واليابان التي حُظر الطيران فيها بعد أن أرسل الصينيون الى هناك حاملة طائرات. فهل يمكن أن يكون اوباما قد استطاع تحويل طائرة الـ بي 52 الى طائرة بلا طيار؟.
كتب جيفري غولدبرغ لصحيفة معاريف تحت عنوان "عقيدة اوباما":
في معالجة الازمة الايرانية كان للرئيس الامريكي براك اوباما هدفان اساسيان. الاول، منع النظام الايراني من التسلح بسلاح نووي. والثاني، منع هجوم اسرائيلي على منشآت النووي الايرانية. في نهاية الاسبوع حقق اوباما احد الهدفين. فقد حشر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الزاوية، والان لا يبدو معقولا ان تهاجم اسرائيل ايران في المستقبل المنظور. فاذا ما هاجمتها الان، في منتصف المفاوضات، سيكون هذا فعلا متسرعا ومغامرا من شأنه أن يجعل اسرائيل منبوذة، ويؤدي الى انهيار العقوبات بل وربما الى حرب في الشرق الاوسط.
في الموضوع الثاني، اوباما والقوى العظمى ابطأوا على الاقل سير طهران نحو الحافة النووية. وكما قال زميلي في بلومبرغ، ال هانت، يبدو انه في جنيف اختير الخيار الاقل سوء من بين الطرق الاربعة الممكنة لتعطيل البرنامج النووي الايراني. الامكانية الاولى هي الخيار العسكري، الذي تنفذه اسرائيل او الولايات المتحدة، ولكن الهجوم هو فكرة سيئة: صحيح أن الكثير من المنشآت النووية الايرانية ستدمر، ولكن سيقتل مدنيون ابرياء والعقوبات ستنهار. كما أن الهجوم لن ينجح في ابادة قاعدة المعلومات النووية في ايران ومن شأنه أن يوحد الشعب الايراني حول التطلع الى التسلح بسلاح نووي.
الخيار الثاني، العقوبات الشديدة، نجحت في جلب طهران الى طاولة المباحثات. ولكن سنوات من العقوبات لم تضع بعد النظام الايراني في خطر. وعندما يبدأ السكان بالاستياء – فان النظام سبق أن أظهر بان ليس لديه مشكلة حتى في أن يقتلهم. لا يبدو ان العقوبات وحدها ستدفع ايران الى التخلي عن تطلعاتها النووية. الامكانية الثالثة هي حملة لاسقاط النظام. غير أن التجربة الامريكية في العراق تشطب عمليا عن جدول الاعمال هذا الخيار.
ويتبقى الطريق الرابع: الدبلوماسية. من هذه الناحية يبدو ان الاتفاق المرحلي كان هو افضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تحققه. ففيه الكثير من البنود الاشكالية وهو يقترب بشكل خطير من الاعتراف بما يسمى حق ايران في تخصيب اليورانيوم. والان يوجد حتى احتمال منخفض اكثر بان يصطدم الغرب بايران في اعقاب سلوكها الاجرامي في سوريا. كما أن الاتفاق يحرر للنظام الايراني مليارات الدولارات مقابل التنازلات في الموضوع النووي – تنازلات قابلة للتراجع.
النظام في ايران لم يكن مطالبا في أن يفكك حتى ولا جهاز طرد مركزي واحد، وهو لا يزال يمكنه "الاقتحام" نحو القنبلة في غضون ثمانية اسابيع. ولكني واثق بان ايران لن تتخذ مثل هذه الخطوة حاليا. كما اني واثق جدا بان ادارة اوباما مستعدة لان تحطم الادوات في العرض المركزي – المحادثات القاسية على الاتفاقا النهائي – فتترك المفاوضات اذا رفضت ايران تفكيك العناصر في البنية التحتية النووية لديها والتي يمكن استخدامها لانتاج قنبلة.
يحتمل أن تضطر الولايات المتحدة الى ترك المحادثات. إذ انه لا يوجد في واقع الامر دليل على ان الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف لديهما الاذن من الزعيم الاعلى خمينئي للموافقة على حل وسط هام في موضوع البرنامج النووي. التوقفان الاستراتيجية هو امر ممكن، ولكن التخلي الحقيقي عن النووي؟ من الصعب التصديق. السبب الابسط هو حقيقة أن هذه مصلحة بعيدة المدى لدى النظام لتحقيق قدرة تسمح له بانتاج سلاح نووي. ومن جهة اخرى فان الموافقة على أن تقوم الولايات المتحدة، الخصم اللدود الذي يسمى حتى "الشيطان الاكبر"، بنزع السلاح النووي من ايران – فانه حقا ليس مصلحة النظام.
في السطر الاخير، يحتمل أن يكون كل ما يحصل في الاشهر الاخيرة لن يؤدي الى تحقيق انجاز حقيقي. ولكن بينما يطرح نتنياهو طلبا غير واقعي باستسلام تام لايران، فان اوباما لا يتصرف بغباء عندما يحاول التأكد مما هي مستعدة لان تتنازل عنه الى الابد، اذا كانت ستفعل ذلك على الاطلاق.
و
كتب تسفي برئيل في هآرتس تحت عنوان "المشروع النووي الايراني قد فعل فعله":
اليكم مسار استثمار جديدا ومُغريا. إن سعر الريال الايراني قفز في يوم واحد درجتين مئويتين. والتوقع هو أن يرتفع سعر هذه العملة التي خسرت أكثر من نصف قيمتها في فترة العقوبات في الاشهر التالية بعشرات الدرجات المئوية. ويُبلغ صرافون في دول الخليج عن وجود شراء مجنون للريال.
وفي حين يشتغلون في اسرائيل بتحليل دقيق جدا لتفاصيل الاتفاق، واختلاف في كمية اليورانيوم التي تستطيع ايران أو لا تستطيع تخصيبها والعدد الدقيق للدولارات التي ستحول الى الخزينة العامة الايرانية، أصبحوا في طهران يفحصون عن الاتفاق بمعان تعبيرية. فليست الارقام هي المهمة بل الواقع الجديد الذي أخذ ينشأ سريعا ولم يتوقعه أحد.
إن أهم انجاز لايران هو أنها نجحت في جعل برنامجها الذري وسيلة ضغط سياسي عظيمة القوة. فقد أصبحت القوى العظمى الست وعلى أثرها أكثر دول العالم تعترف بأن ايران دولة ذات حقوق؛ ويتحدث رئيس امريكي الى رئيس ايراني على نحو مُساو؛ ويحظى النظام الايراني بالشرعية بصفته نظاما عقلانيا يقظا؛ وزال الخيار العسكري.
أجل لقد سارت هذه الدولة طريقا طويلا يثير الاعجاب منذ أن سيطرت بريطانيا على مصادر نفطها في بداية القرن الماضي، مرورا باحتلال بريطانيا لها والاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وعزل رئيس حكومتها محمد مُصدق بانقلاب دبرت له الاستخبارات البريطانية والامريكية في سنة 1953، الى أن كان تعلق الشاه محمد رضا بهلوي المطلق بالدول الغربية.
إن ايران التي تحمل على ظهرها تاريخا استعماريا واستعماريا جديدا تواجه الآن تحالفا دوليا أخذ ينتقض. وقد أصبحت القوى العظمى مستعدة للموافقة على وجود شريك في الاتفاق بعد أن كان يوجد تصور غربي جامد عرّف النظام الديني بأنه غير عقلاني يعمل مستلهما أمرا إلهيا وهو أسير ما يخرج من فم زعيم واحد.
وإن الهذيان الذي صاحب الغرب وكان يرى أن العقوبات ستُحدث عصيانا مدنيا يُسقط النظام الذي أفضى بالدولة الى العقوبات، حل محله هدف موضوعي يتغيا غاية وهي صد السباق نحو السلاح النووي. وقد أصبح هذا التحول الذي حاول أن يتبناه الرئيس بيل كلينتون وجدده براك اوباما، ايديولوجية امريكية جديدة: فنوع النظام هو شأن المواطنين، وتصدير الديمقراطية وتصدير الثورة الاسلامية، أي لا يمكن فرضه.
ليست ايران دولة الأحلام لا لمواطنيها ولا لجيرانها. فتقارير حقوق الانسان عن وزارة الخارجية الامريكية ومنظمات حقوق الانسان مشحونة بأوصاف تثير القشعريرة وحكايات مثقفين وممثلين وأدباء وطلاب جامعات ومواطنين معدمين يشهدون على مبلغ بُعد ايران عن المثال الليبرالي الغربي. لكن لا حكاية من هذه الحكايات أفضت الى عقوبات أو الى تهديدات بحرب. وقد أصبحت الرؤيا الاستراتيجية الجديدة للبيت الابيض هي: عدد أقل من الحروب وعدد أقل من التدخل العسكري وقدر أقل من الدعوة الى الديمقراطية.
يستطيع علي خامنئي من وجهة نظر الدول الغربية أن يشتغل حتى بالشعوذة أو أن يعذب آلاف المواطنين باسم الدين ما بقي يفصل بين الدين والدولة حينما يتجه الى تنفيذ الاتفاق. وقد يكمن هنا النجاح الأكبر الذي حظيت به ايران.
إن الثورة الاسلامية قد حظيت باعتراف بأنه لا يمكن قلبها ولا سيما من الخارج. وهذا هو الرعب الذي أصاب الآن بنيامين نتنياهو لأنه حينما يصبح النظام في ايران شرعيا وحينما يُسقطون عنه النقاب المهدد الذي يجعل ايران كابوسا، فكيف يمكن التخويف؟ وكيف نقنع بأنه نظام مجنون؟ ومن يصدقنا بعد الآن في قولنا أن الشيعة هم الشيطان الحقيقي؟ ونتنياهو على حق. إن ايران تبني الآن تصنيفا خاصا بها يُعرف من جديد منظومات العلاقات في المنطقة. وقد أصبح المشروع النووي الايراني قد فعل فعله.