يكاد يتفق جمهور المحللين على استحالة القضاء على
جماعة الإخوان المسلمين في
مصر، ليس لأنها جماعة «سوبرمانية» ولكن لأنها مرت بظروف سابقة اشد وأقسى مما تمر به اليوم، وعادت بصورة أشد قوة، ففي أعقاب استشهاد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا عام 1949، عادت إلى الصدارة السياسية من خلال دعمها للثورة التي تزعمها «الضباط الأحرار» والتي أطاحت بالملك فاروق عام 1952. ثم، بعد عقود من القمع الشديد الذي مارسه الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954 والذي أدى إلى إدخال الآلاف من أعضاء الإخوان إلى السجن، أطلت الجماعة برأسها في سبعينيات القرن الماضي في ظل الحرية النسبية التي أتاحها الرئيس أنور السادات، حيث قامت بصورة هادئة بإعادة بناء هيكل القيادة على مستوى الدولة المصرية، وهو ما مكنها من الفوز بسرعة بالسلطة بمجرد سقوط حسني مبارك عام 2011..
هاتان صفحتان من التاريخ، لا يمكن تجاوزهما، ولعل الباحث في معهد واشنطن اريك تراجر يتكىء عليها للإجابة عن سؤال كبير، له ما بعده، ويحدد كثيرا من المعطيات، وهو»كيف يمكن أن يعود الإخوان المسلمون مرة أخرى إلى المشهد؟» على اعتبار أن عودتهم لا شك فيها، ولكن الاجتهاد هو في هذه الكيفية، لا في «حتميتها» نقول هذا، ونحن ننظر في نتائج مائة يوم على
الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الجماعة في مصر، ونحاول قراءة المستقبل، عبر ما يضعه إريك تراجر الذي يضع ثلاثة احتمالات في معرض إجابته عن السؤال آنف الذكر:
أولاً، من الممكن أن تقيم جماعة الإخوان مقراتها العملياتية في الخارج، وخلال فترة أقل قمعاً في البلد الأم، وإعادة بناء علاقاتها مع جمهور أفراد أعضاء الجماعة داخل مصر من خلال الشبكات الرقمية والتواصل مع الآخرين على حد سواء. ويعني ذلك تمكين كبار قادة الإخوان الذين تمكنوا من الهرب إلى خارج البلاد من إدارة التنظيم والحفاظ عليه - ومن بين هؤلاء القادة على سبيل المثال، الأمين العام محمود حسين الذي شوهد في تركيا وقطر، ونائب «المرشد العام» جمعة أمين الموجود في لندن. وإلى حد ما، تضع جماعة الإخوان بالفعل الأساس لهذه الإستراتيجية منذ أن نقلت مركزها الإعلامي إلى لندن.
ثانياً، يستطيع قادة الإخوان من الصفوف الدنيا إعادة بناء سلسلة القيادة الهرمية لـ الجماعة من القاع إلى القمة. فبعد أن يصدر بحق مرسي وزملائه من كبار قادة الإخوان أحكاماً فعلية بالسجن مدى الحياة (هكذا يعتقد بل يكاد يجزم اريك تراجر!) فإنه من الممكن لقادة الجماعة المنتشرين بشكل واسع في أنحاء مصر التنسيق لانتخاب قادة جدد على مستوى كل إقليم ثم بعد ذلك انتخاب قادة جدد لـ الإخوان على مستوى الدولة المصرية.
ثالثاً، يستطيع قادة الإخوان من الصفوف الدنيا الترشح للانتخابات البرلمانية كمستقلين، وبالتالي الالتفاف على الحظر المفروض على الأحزاب الدينية التي من المرجح أن يتم تعديلها في الدستور الجديد(!). وإذا اتخذ قادة الإخوان هذا القرار الاستراتيجي، فقد يكسبون عدداً كبيراً من المقاعد، كما وهذا هو اعتقاد الباحث الأمريكي، والتعبير له، حيث يقول أيضا أن نظام الجماعة من شأنه أن يمكن الوحدات المحلية من الحشد للانتخابات ربما بشكل أكثر فعالية وكفاءة من أي حزب سياسي آخر. ومن خلال عودتهم إلى البرلمان، قد يحصل الإخوان مرة أخرى على النفوذ السياسي من أجل استنهاض الهمم لبلوغ مصالحهم!
هذا رأي لباحث متمرس في شؤوننا، وقضى ردحا طويلا في بلادنا يدرس ويبحث، وهو يتقن العربية والعبرية، ونال درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في الدراسات العربية والإسلامية تحديدا، وهو يجزم أن مرسي سيُدان، كما هو شأن قادة الإخوان، ولكن لا شك بعودة الجماعة، فإن كان ذلك كذلك، فعلام يراهن قادة الانقلاب، ومن يدعمهم؟
لله در من قال: يمكنك ان تدوس الزهور ولكن لا يمكنك أن تؤخر الربيع! (الدستور الأردنية)