ينظر نبيل كريشة إلى مصنع الأحذية الذي عمل فيه ما يزيد على عشر سنوات تعرف خلالها على شريكة حياته ونسجا معا أحلام قصة جميلة. ولم تستطع زوجته أن تحبس دموعها أمام المصنع حين تذكرت أن الحلم الجميل تحول إلى كابوس بعد أن أغلق المصنع وتركها تواجه مع زوجها وأبنائهما الثلاثة مصيراً غامضاً.
ففي آب/ أغسطس أغلق مصنع جال جروب" الإيطالي للأحذية الواقية الواقع في مدينة منزل بنزرت بسبب أزمة مالية ليضيف أكثر من 4500 الى قائمة العاطلين عن العمل في بلد يبلغ معدل البطالة فيه 15.9 في المئة.
وقالت زوجة نبيل أمام المصنع: "آخر نهار نخدموا. لا باس علينا ما عندنا حتى شي. ما عندنا شي. ثمة اشعات المعمل بش يقف. المعمل بش يقف". وأضاف زوجها: "واحنا توا قاعدين معناتها توا أربعة أشهر واحنا قاعدين على أمل بش يحل".
وقال موظف سابق في المصنع يدعى محمد عبد المؤمن: "حياتي اليومية كلها تغيرت.. الكل.. أبدأ من أولادي. بنتي مستانسة.. بابا أعطني بش نشري كتاب.. تفضل بنتي توا وقتها نخدم. توا كي تثول لي بابا أعطني بش نشري كتاب. أنا ما نلقاش بش نوكلها.. خلي بش نشري لها كتاب".
وتونس مثقلة بهموم
اقتصادية لم تتوقف منذ احتجاجات اجتماعية بدأها الشاب العاطل عن العمل محمد البوعزيزي في أواخر عام 2010 بإحراق نفسه.
وبعد حوالي ثلاث سنوات لا يزال كثير من
التونسيين الذين يصل عددهم إلى 11 مليون نسمة يشعرون بالضيق ويرون أن الأوضاع الاجتماعية لم تزد إلا سوءاً بفعل استمرار الخصومات السياسية بين الحكام الإسلاميين والمعارضة العلمانية.
لكن الفرقاء السياسيين بدأوا الشهر الماضي مفاوضات لإنهاء أسوأ
أزمة سياسية والتوافق على حكومة جديدة لقيادة البلاد إلى انتخابات.
وأضاف عبد المؤمن: "بالأزمة السياسية إحنا مشينا في العفس.. احنا مشينا ضحية. هم يتعاركوا على البلايص (المراكز) وإحنا جئنا تحت الحيط".
وجاءت الأزمة السياسية التي فجرها اغتيال اثنين من المعارضين العلمانيين هذا العام لتزيد تعقد الوضع في تونس رغم بدء محادثات بين المعارضة والحكومة لإنهاء الجمود السياسي.
وبعد أكثر من أسبوع من بداية الحوار بين الفرقاء السياسيين علقت المحادثات بسبب الفشل في الاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء. لكن كثيرين لا يكترثون فعلاً لهذه المحادثات ويرون أنها تتعلق باقتناص المناصب ولا تعنيهم في شيء.
ورغم الصراعات السياسية، ذكر وزير الاقتصاد التونسي رضا سعيدي أن السياسية لا صلة لها بإغلاق مصنع جال جروب. وقال: "وضعية مؤسسة جال ما عندهاش علاقة بالإضرابات في المستوى الوطني ولا بالأوضاع السياسية. هي صعوبات مرت بها المؤسسة الأم في إيطاليا وفي فرنسا وتبعاتها كانت على المؤسسة وموقع الإنتاج في ولاية بنزرت".
لكنه أضاف أن الأضطرابات السياسية جعلت المستثمرين أكثر حذراً في التعامل مع تونس. وقال سعيدي: "كي نتفاوض مع المستثمرين نلقى أنه العقبة الأساسية هي الوضع السياسي. عدم وضوح الرؤية السياسية في الفترة المقبلة.. سوى إنهاء المرحلة الانتقالية اللي الناس الكل ينتظروا أنه يقع انهاؤها في أسرع ما يمكن. كذلك تحديد موعد للانتخابات".
وتحت ضغط المقرضين الدوليين أعلنت الحكومة أنها ستبدأ سياسة تقشف تشمل تقليص الدعم وتجميد زيادة الرواتب الأمر الذي قد يزيد الاحتقان ويقود البلاد إلى مزيد من الاحتجاجات الاجتماعية.
ويأتي هذا في وقت يعاني فيه التونسيون من ارتفاع الأسعار والتضخم الذي وصل إلى 6.5% لأول مرة هذا العام قبل أن يتراجع إلى 5.8% في تشرين الأول/ أكتوبر.