يسود اعتقاد بأن كفة القوات المدافعة عن النظام السوري، بدأت ترجح لصالحها على الأرض، بينما تفقد المعارضة المسلحة مواقعها على خطوط الجبهة، وذلك في الأشهر الأخيرة، بعدما كبدت الجيش النظامي خسائر فادحة لمدة طويلة.
وما يعزز هذا الاعتقاد، أن ما تبقّى من الجيش السوري مدعوما بمقاتلين شيعة إيرانيين وعراقيين ولبنانيين، ينفذ استراتيجية تقضي بتطويق
دمشق من الجهة الجنوبية، ومنطقة القلمون في ريف العاصمة التي تعتبر معقلا مهما لمقاتلي المعارضة، والمناطق الواقعة شرق مدينة
حلب وجنوب شرقها، وذلك بهدف قطع طرق إمداد السلاح على المعارضة.
وخلال الشهرين الماضيين، استولت القوات الداعمة للنظام على سلسلة بلدات ومناطق جنوب العاصمة، بهدف شطر دمشق عن ضاحيتها وتقطيع الضاحية لتشتيت المجموعات المقاتلة ضدها.
وتمكنت القوات الداعمة للنظام بهذه الطريقة من السيطرة على منطقة تمتد من شبعا (شرقًا) على طريق مطار دمشق الدولي، وصولا إلى معضمية الشام (جنوب غرب) المحاصرة منذ أشهر.
وفي وسط هذه الدائرة، يوجد عدة بلدات صغيرة استرجعها النظام من مقاتلي المعارضة وسط معارك دامية، أوقعت عشرات القتلى في صفوف الطرفين.
وأوضح مصدر أمني سوري لوكالة فرانس برس، أن السيطرة على هذه المناطق أوقفت وصول السلاح والذخائر والمواد الغذائية إلى المجموعات المسلحة الموجودة في الأحياء الجنوبية للعاصمة، والهدف إخراج هذه المجموعات من هذه الأحياء.
وقال المصدر "إنها استراتيجية متكاملة لتطويق المسلحين".
وقال مصدر عسكري لوكالة فرانس برس "إنه قضم تدريجي وطويل الأناة لمواقع العدو".
وفي شمال البلاد، نفذت وحدة من أربعة آلاف جندي مدعومة بخبراء في حرب الشوارع من حزب الله اللبناني هجوما خاطفا على مناطق تقع جنوب شرق حلب، وصولا إلى السفيرة (شرقًا).
واستولت القوات الموالية للنظام خلال الأسابيع الأخيرة على بلدات تتيح تأمين حماية مطار حلب الدولي المغلق منذ سنة بسبب المعارك في محيطه. وينوي الجيش متابع طريقه نحو شرق مدينة حلب.
وفي وسط البلاد، بدأت القوات الموالية للنظام منذ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعملية واسعة في منطقة القلمون شمال دمشق الحدودية مع لبنان لوقف تهريب السلاح والمسلحين من لبنان.
في هذا الوقت، وفي ظل غض طرف واضح من النظام، يعزز الأكراد منطقتهم شمالا، محاولين بسط سيطرتهم على كل المنطقة الحدودية مع تركيا التي تشكل أحد أبرز الداعمين للمعارضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وقد تمكنوا من قطع الطريق التي كان يستقدم عليها المقاتلون الجهاديون الإمداد بين الموصل العراقية والحسكة (شمال شرق)، وهم يتقدمون نحو "تل أبيض" الذي يعتبر أحد معاقل المجموعات الإسلامية في المنطقة.
وتنفذ بقايا الجيش السوري مدعومة بالقوات الإيرانية ومليشيات حزب الله وشيعة العراق، أفظع الجرائم بحق المدنيين السوريين في أنحاء
سوريا كلها لتحقيق استراتيجية التطويق الشامل لمعاقل المعارضة.
ويبدو أن التوتر الذي بدأ في أعقاب سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام " (
داعش) على بلدة إعزار، شمال سوريا، ينتشر في كافة أنحاء البلاد، والمناطق المحررة على وجه الخصوص، حيث تنشغل المعارضة بالمشاكل داخل تلك المناطق، ما يضعف تركيزها على خطوط الجبهة، فيما يشن النظام حملات واسعة في ريف دمشق، وحلب وحمص، وحماة، ضد المعارضة.
وأوضح خبير الشرق الأوسط علي حسين باكير في تصريح للأناضول، أن النظام السوري يستخدم كل قوته في ريف دمشق وحمص وحلب، في ظل دعم من حزب الله والميليشيات الشيعية، لتحقيق تقدم في هذه الجبهات، ولإضعاف القدرة التفاوضية لأصدقاء سوريا، والائتلاف السوري المعارض، في مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده لإيجاد حل للأزمة السورية.
وذكر الباحث أن المعارضة المسلحة نزفت دماء وتراجعت قوتها، بعد استخدام الأسد للسلاح الكيميائي، والتقارب الروسي الأميركي لعقد جنيف 2، حيث أخذت واشنطن تضغط على دول المنطقة لإقناعها بالحل السياسي، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية بذلت جهودا كبيرة لإيقاف دعم السلاح للمعارضة من قبل دول بما فيها السعودية.
ومؤتمر "جنيف 2" دعا إليه لأول مرة وزيرا خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، وروسيا، سيرغي لافروف، في آيار/ مايو الماضي، بهدف إنهاء الأزمة السورية سياسياً، ولا زال موعد انعقاده غير محدد.
وأعلنت "أصدقاء سوريا"- وهي مجموعة من الدول الداعمة للمعارضة السورية، عقدت اجتماعها الأخير في لندن بمشاركة 11 عضواً وصدر عنه "وثيقة لندن"- التوافق على أن "الأسد ومساعديه المقريبين الذين تلطخت أيديهم بالدماء لن يكون لهم أي دور في سوريا".
ولفت باكير، أن (داعش)، ومجموعات متعاونة مع النظام على غرار "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، ساهمت في إضعاف المعارضة، منوها بأن بعض الفصائل اتجهت لتوحيد جهودها ضد النظام، إلا أن الوضع الحالي يشير إلى أن الاشتباكات ستتواصل لفترة طويلة، مالم يوقف الأسد المجازر التي يرتكبها.
ومنذ آذار/ مارس 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 40 عامًا من حكم عائلة بشار الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة.
غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات؛ ما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية وقوات المعارضة؛ حصدت أرواح أكثر من 133 ألف شخص، بحسب إحصائية خاصة بالمرصد السوري لحقوق الإنسان (مستقل).
وفي جريمة حربية أخرى قصف الجيش الأسدي مستشفى الوليد بحمص بصواريخ أرض أرض، ما قتل ما لايقل عن عشرة أشخاص وجرح عشرات الآخرين. ودمر المستشفى بالكامل ومعظم القتلى والجرحى من الأطباء والممرضين أو النساء اللاتي كن يتلقين العلاج.
من جهته، لفت الناشط السوري، ناصر أحمد، أن المشاكل التي برزت في المناطق التي حررتها المعارضة، أضعفت قدراتها في جبهات القتال، مشيرا إلى أن (داعش) ساهمت في إضعاف المعارضة، والنظام استغل ذلك وحقق تقدما.
و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش"، هو تنظيم يتبع للقاعدة ومدرج على لائحة الإرهاب الدولية، وكثرت المخاوف خلال الفترة الماضية من تحول الصراع في سوريا إلى صراع داخلي بينه وبين
الجيش الحر بالتوازي مع الصراع القائم مع النظام، وذلك مع كثرة الاتهامات من قبل الجيش الحر لـ"داعش" بكثرة الانتهاكات والسعي لتوسيع نفوذه في مناطق البلاد