ترتب ملابس ابنتها الراحلة منذ نحو 3 أشهر بحنان جارف وكأنما تتخيل جسدها الغض ووجهها الطفولي يتألف فيها.. تضع صورة الصبية ابنة السبعة عشر ربيعا بين الملابس.. وتداري ألما يعتصر فؤادها.
"ثناء عبد الجواد" زوجة محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض
الانقلاب المؤيد للرئيس
المصري المعزول محمد
مرسي، ووالدة أسماء، التي باتت إحدى "أيقونات" الحراك الرافض لعزل الأخير في مصر والعالم.
وقتلت أسماء الطالبة بالصف الثاني الثانوي، خلال قيام الجيش والشرطة بفض اعتصام مؤيدي الرئيس مرسي في ميدان "رابعة العدوية" شرقي القاهرة بالقوة، في 14 آب / أغسطس الماضي.
في بيتهم الكائن بالحي الثامن في مدينة نصر (شرقي القاهرة)، استقبلت والدة أسماء مراسل الأناضول، قائلة إنها "غير نادمة علي تقديم تضحيات من أجل عودة الشرعية، واستشهاد أسماء، واعتقال زوجي لن يثنينا عن طريق الحرية والكرامة".
ضمت صورة ابنتها الراحلة قائلة "رغم استشهادها، أسماء لاتزال ترافقنا في كل شيء، حتى أنها ترافق والدها في سجنه، فقد رأى أسماء مرتين في المنام خلال فترة حبسه بنفس الصورة التي رآها فيها قبل استشهادها بيوم، تلبس نفس الثياب البيضاء وكأنها في يوم زفافها، وهي سعيدة وتضحك، وفي حالة جميلة، يقول إنه لم يرها بها من قبل".
وتردف "طلب زوجي صورة كبيرة لأسماء ليعلقها بين يديه في الزنزانة، ليكون معها دائما، وتكون صورتها أمامه في كل الأوقات، يتكلم معها ويحدثها".
وعن عزاء الرئيس المعزول للبلتاجي خلال أولى جلسات محاكمتهما الإثنين الماضي، والتي كانت أول ظهور علني لمرسي بعد الإطاحة به في 3 تموز/يوليو الماضي، تعتبر أن "هذا موقف إنساني كبير، من رئيس يشعر بالمسئولية أمام شعبه، ونوع من التقدير للبلتاجي أن قدم أغلى ما يملك، وهي حياة ابنته الوحيدة في سبيل حرية هذا الوطن وعودة الشرعية".
وتستطرد "أما نحن كأسرة، فلم نكن نتخيل أن يعرف الرئيس مرسي خبر استشهاد أسماء، أو يشغل باله بها، وسط آلاف الشهداء، وفي ظل الظروف القاسية التي يواجهها، ولذا كان في كلماته الكثير من العزاء لنا، فرغم أن الجراح تداوى بمرور الأيام، إلا أن عدم دحر الانقلاب وكسره حتى الآن، يجعل الجرح لا يزال ينزف".
ولأول مرة منذ عزل مرسي، يرى الرئيس المعزول، الذي كان محتجزا في مكان مجهول، البلتاجي، والمتهمين معه في قضية قتل متظاهرين العام الماضي أمام قصر الاتحادية الرئاسي (شرقي القاهرة)، والذين كانوا محبوسين في سجون متفرقة.
واعتبرت ثناء أن "كسر الانقلاب سيكون دافع على تضميد جرحنا بفقد أسماء"، موضحة أن "ثلاثة شهور لم تكن كفيلة أن تنسيني أسماء، وألم فراقها وقسوته".
إلا أنها تمضي قائلة أن "استشهاد أسماء، وكل ما تتعرض له حرائر وأحرار مصر، من قتل واعتقال ومطاردة، أتى ثماره، وأبرزها خروج الآلاف يوميا في الشارع للدفاع عن هؤلاء الشهداء والسعى نحو القصاص لهم والحفاظ على حقهم"، مضيفة "الثمن الذي دفع لم ولن يضيع، ونحن واثقون من النصر، ونتوقع زوال الانقلاب قريبا".
"أرى أسماء في كل حرائر مصر اللواتي يخرجن يوميا في المسيرات، حتى باتت أسماء نموذجا يقتدى لكل نساء مصر، في تضحيتها، وتعليمها، وحياتها، وتعدد ثقافتها، وسلوكها، وأشعر أن بنات مصر كلهن أسماء"، تتابع ثناء.
وتضيف "أفرح كثيرا عندما أسمع وأرى اسم وصورة الشهيدة أسماء مرفوعة في كل دول العالم، سواء على الحدائق أو المكتبات أو دور الأيتام أو حتى في المظاهرات، رغم الحسرة التي تنتابني أن سلطة بلادي هي من قتلتها وتتعامل معنا بهذا الشكل".
وتحكي أن "أسماء أصبحت كذلك قدوة لنا كأسرة، فكلماتها لا تفارق آذاننا، ودائما ما يوصينا والدها من محبسه أن نسير على العهد الذي تركتنا عليه الشهيدة أسماء، من ثبات على الحق، فقد كانت هي لأبيها جزء كبير جدا في حياته، وكان يعز عليه أنه لم يلق نظرة الوداع عليها، ولم يشرف بالصلاة عليها".
وتتابع "خلال الزيارات، دائما أجد زوجي فرحا مستبشرا ثابتا صامدا متفائلا هو وكل زملائه، رغم قسوة المحبس والظروف المؤلمة التي يعيشونها، ويرسل رسالة لكل الشعب المصري أن يستبشروا بقرب النصر والخير وكسر الانقلاب وعودة الشرعية والديمقراطية، وأن مصر ستعود أفضل".
وتختم "نحن دفعنا الثمن، والله لن يضيعنا في الدنيا ولا الآخرة، ونعتبر أن استشهاد أسماء شرف لنا، ونحن كذلك غير نادمين على سلوك هذا الطريق الذي تعاهدنا أن نستمر عليه باعتباره طريق الشهيدة أسماء، متمردين على الطغيان، ولا نقبل أي انكسار ولا رجوع عن المسار الذي اخترناه، حتى ينكسر هذا الانقلاب".