لا داعي أن يصدع أي زعيم
فلسطيني أو منظمة محسوبة على كامل الشعب الفلسطيني وتمثله في المحافل كافة، كمنظمة التحرير، رأسه أو يزعج من مقيله بخصوص فلسطينيي سورية، فالكل يتخلى عن هؤلاء البائسين، بعد أن كانوا محط حسد وغبطة من قبل بقية إخوانهم اللاجئين الفلسطينيين، بسبب ما كان ممنوحاً لهم من الشعب السوري (لا نظامه) من حقوق تساويه بالمضيف، بل وتفضله في بعض الحالات.
المفوض العام لوكالة (الأونروا)، فيليبي غراندي، كشف عن وضع مأساوي يعيشه
اللاجئون الفلسطينيون في سورية، فنصفهم نزح من المخيمات في سورية، بعدما باتت ‘ساحة قتال’ بين القوات الحكومية والمعارضة. الأونروا أرسلت عدداً من موظفيها الذين باتوا خبراء طوارئ نتيجة الحروب المتكررة في قطاع غزة، لتدريب موظفي الوكالة الدولية في سورية، لأن هؤلاء لم يسبق لهم أن عاشوا في ظروف معارك كالتي تشهدها مخيماتهم حالياً.
غراندي أوضح أن الفلسطينيين في سورية عاشوا في استقرار لوقت طويل. فقد كانوا موضع ترحيب منذ 1949. وقد عملت الأونروا هناك بطريقة جيدة، غير أن شيئاً لم يحصل في البداية لمخيمات الفلسطينيين التي تتوزع على 12 موقعاً. ولكن، مع نهاية عام 2012 بدأ الصراع يشمل هذه المواقع أكثر فأكثر، والآن 7 أو 8 مواقع (من بين المخيمات الـ12) باتت ساحة قتال: المعارضة في وسطها والقوات الحكومية من حولها. معظم الناس هـــناك يحاولون الفرار. وبما أن الأنروا لا تستطيع الوصول إلى هذه المواقع بسبب القتال، فإنه لا يعرف تحديداً عدد الفلسطينيين الذين غادروا المنازل بالضبط، ولكنهم يقدرون بنصف السكان. فإذا كان عدد الفلسطينيين المسجلين في سورية 540 ألف شخص، فهذا يعني أن نصفهم – 270 ألفاً – نزح من مكانه. ومن بين هؤلاء قرابة 70 ألفاً غادروا سورية كلياً ليصبحوا لاجئين للمرة الثانية، بعدما كانوا يعيشون في سورية كلاجئين. معظم هؤلاء – حوالي 50 ألفاً – ذهب إلى لبنان وهو بلد ليس سهلاً أصلاً على الفلسطينيين.
ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين الهاربين من سورية، كشف موقع ‘ديبكا’ الاستخباري الإسرائيلي، أن رئيس السلطة
محمود عباس وقع اتفاقا سريا للتعاون مع الرئيس السوري
بشار الأسد، يقضي بمنع الفلسطينيين من التدخل في شؤون سورية والمشاركة في الحرب إلى جانب المعارضة المسلحة التي تقاتل ضد الجيش السوري. المخابرات الإسرائيلية رصدت الاتفاق الذي تم توقيعه الشهر الماضي، وجاء فيه أن الفلسطينيين الموجودين في سورية سيلقون أسلحتهم ولن يتدخلوا في الصراع الدائر حاليا، ولن ينحازوا إلى المعارضة ضد الجيش السوري.
وتم الاتفاق بوساطة أردنية، حيث وقع الرئيس الأسد على مذكرة التفاهم في 22 تشرين الاول/أكتوبر الماضي، ونقلت في نفس اليوم مساءً إلى الأردن ليرسلها رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور مع مبعوث شخصي إلى رام الله ليوقع عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وجاء الاتفاق وفقا للجهود الدبلوماسية التي بذلتها روسيا طوال الفترة الماضية من أجل تهيئة الأوضاع لنجاح مؤتمر جنيف 2، الذي سيعقد 23 تشرين الثاني/نوفمبر القادم لبحث الأزمة السورية، وبذلك يصبح عباس أول رئيس عربي يوقع مثل هذا الاتفاق ويساند بشار السد في الحرب الدائرة منذ ما يزيد على عامين ونصف العام.
الاتفاق المسرب من قبل الموقع الإسرائيلي قد يكون للضغط على عباس وتقديم مزيد من التنازلات في ملف التفاوض، لكن تركيبة السلطة ومعها المسؤولون عن ملف اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، الذين لا هم لهم سوى استغلال معاناة فلسطينيي سورية والتكسب من ورائها، لم يعنهم على سبيل المثال أن تطلق السلطات السورية أربعة معتقلات فلسطينيات من بين عشرات المعتقلات اللواتي تم إطلاق سراحن أخيراً، ضمن صفقة إطلاق سراح لبنانيي إعزاز، إذ نشر المركز الإعلامي السوري، وهو تنسيقية إعلامية تابعة للمعارضة السورية، أسماء 48 معتقلة، بينهم 44 سورية و4 فلسطينيات أفرج عنهم النظام السوري في إطار صفقة الإفراج عن اللبنانيين التسعة، الذين كانوا مختطفين في اعزاز السورية مقابل الإفراج عن طيارين تركيين خطفا بالمقابل في لبنان، بل إن السلطة لم تعد تكلف نفسها مؤخراً إلا بزيارة دمشق والتوسط بين النظام السوري ومعارضيه من الدول العربية بحكم علاقتها الجيدة مع النظام السوري، رغم ما يرتكب في حق الفلسطينيين من جرائم وأهوال… ولنا بعد ذلك أن نسأل: من فوض السلطة في رام الله أن تساوم على لحوم فلسطينيي سورية في مزاد النخاسة السياسي؟
* كاتب وباحث فلسطيني
(عن صحيفة القدس العربي)