لاءات كثيرة أشهرّها "أبو علي" في وجه زوجتهّ وصغاره، فلا للزيارات ولا لشراء الملابس الجديدة، ولا للخروج من المنزل. فسلفة قدرها ألف شيكل ما يعادل (300 دولار) أعلنت مالية
غزة عن صرّفها لن تكفي لتأمين متطلبات ولوازم العيد كما يؤكد الموظف في إحدى وزارات
الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة والتي تديرها حركة
حماس.
ويشعر "أبو علي" باستياء شديد لعدم تلقيه راتب شهر أكتوبر_تشرين أول الجاري واكتفاء الحكومة بصرف سلفة وصفّها في حديثه لـ"الأناضول" بـ"الفتات".وفي مشهد يتكرر منذ ثلاثة أشهر كاشفاً عن حجم الضائقة المالية التي تعاني منها
حركة حماس؛ قامت وزارة المالية قبل يومين بصرف سلفة للموظفين قدرها (1000 شيكل)، بعد عجز الحكومة عن صرف راتب كامل.ويتلّقى 42 ألف موظف يعملون في دوائر ومؤسسات حكومة غزة، وأجهزتها الأمنية رواتبهم من حركة حماس منذ توليها الحكم في القطاع في صيف يونيو/ حزيران 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح والذي قسم فلسطين إلى حكومتين الأولى في غزة، والثانية في الضفة.وبحسب بيانات لوزارة المالية في حكومة غزة فإن فاتورة
الرواتب الشهرية للموظفين التابعين لها تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريا.وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كتب عشرات الموظفين الحكوميين بغزة برقيات غاضبة تكشف عن تذمرهم البالغ من عدم تلقيهم راتبا كاملا بالكاد يلبي الحد الأدنى من احتياجاتهم في الأيام العادية، فكيف الحال في موسم العيد وقوائمه التي لا تنتهي.وأمام سلفة لن تكفي لتسديد فواتير الهاتف والكهرباء، والمياه، سيمتنع الموظف "خالد ياسين" "42 عاماً" عن تقديم العيدية لشقيقاته، ولأمه ولزوجته وأرحامه وأضاف في حديثٍ لـ"الأناضول" أن الموظفين يحتاجون لضعفي الراتب لتدبير أحوالهم اليومية، وما حصلوا عليه من مبلغ وصفه بالزهيد سيمنعهم من منح أقاربهم العيدية التي ينتظروها بشوق كبير.ويقوم الأب والإخوة والأعمام وبقية الأرحام بتقديم مبلغ من المال للنساء والصغار في أول أيام العيد كتقليد اجتماعي توارثته الأجيال ولم ينعدم هذا المظهر في غزة، إلا أن الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أهالي القطاع هذه الأيام ستدفع بالكثيرين إلى إلغاء الزيارات والعيدية لعدم امتلاكهم المال اللازم.ويقف الموظف الحكومي " أبو خالد" عاجزاً أمام إلحاح صغيراته الأربع بارتداء ملابس جديدة في العيد، فما في جعبته لا يكفي لتلبية أدنى الاحتياجات الضرورية للمنزل.ورفض في حديثٍ لـ"الأناضول" أي مبرر ترفعه الحكومة بغزة حول تأخر صرف الرواتب، وأشار إلى أن الموظفين يعيشون أوضاعا قاسية.وعلى عكس الموظفين التابعين لحكومة غزة فقد تقاضى الموظفون المحسوبين على حكومة رام الله راتبا كاملا مطلع الشهر الجاري.ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفيها في قطاع غزة والبالغ عددهم 55 ألف موظف.وأدّى إغلاق الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية الفلسطينية إلى انخفاض منسوب إيرادات حركة حماس المالية كما يؤكد أمين عام مجلس وزراء حكومة غزة "عبد السلام صيام" والذي أكد سعي حكومته لتجاوز هذه الأزمة في القريب العاجل.وقال صيام في حديثٍ لـ"الأناضول" إن حكومة حماس تعرضت لمثل هذا التحدي في سنوات الحصار الأولى، واستطاعت أن تتغلب على العقبات الاقتصادية وهو ما تحاول أن تفعله اليوم من خلال ترشيد النفقات الحكومية، و تطوير الأداء الضريبي بما يحقق المزيد من الإيرادات للحكومة والخزينة العامة.وتفرض حكومة غزة على البضائع الواردة عبر الأنفاق ضرائب تدرّ عليها دخلاً شهرياً، وتعمل لجنة تابعة للحكومة على ترخيص ومراقبة تبادل البضائع والسلع عبر الأنفاق.وتكشف مصادر مطلعة في وزارة الماليّة في غزّة عن أن إيرادات الضرائب المفروضة على البضائع التي تدخل عبر الأنفاق تشكّل حوالي 40% من مجموع إيرادات حكومة غزّة.ويقدر اقتصاديون حجم مصادر ربح الأنفاق بحوالي 365 مليون دولار سنوياً كانت تدخل لحكومة حماس.غير أن حركة دخول البضائع والسلع المختلفة من مصر إلى القطاع توقفت بعد تعرض الأنفاق لحملة هدم مكثفة ومستمرة من قبل الجيش المصري، وهو ما انعكس بالسلب على أداء حكومة غزة المالي والاقتصادي.وفي دراسة أعدّتها وزارة الاقتصاد بغزة مؤخرا وحصلت "الأناضول" على نسخةٍ منها فقد كشفت أرقام آثار إغلاق وهدم الأنفاق عن خسائر بلغت نحو 460 مليون دولار.