قضايا وآراء

دولة القانون ودولة رئيس الوزراء

"تسليم الشاعر المصري الثوري عبد الرحمن يوسف القرضاوي للإمارات من غير سند قانوني"- فيسبوك
ولأننا أو أغلبنا، مع الأسف، نصدق في كل ما هو غربي، وهو نتاج طبيعي للهزيمة الحضارية التي وضعنا فيها الاستعمار منذ أكثر من مئة عام، فسأبدأ بأقوال الفلاسفة الغربيين فيما يخص فكرة دولة القانون، ومنها أُعرّج على فكرة استقلال القضاء.

دولة القانون هي مفهوم أساسي في الأنظمة الديمقراطية، ومع ادعاء كل أنظمة الحكم في عالمنا الثالث تطبيق الديمقراطية، فإن الدولة لا توصف ولا تصنف ضمن دول الديمقراطية إلا إذا حكم فيها القانون وساد، بلا هوى ولا مآرب ولا مصالح شخصية لأي من كان، ومن ثم تُحترم القواعد القانونية وتُطبَّق بشكل متساو على الجميع، أفرادا ومؤسسات، بما في ذلك الجهات التنفيذية مثل الحكومة ورئيس السلطة التنفيذية، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، ومن ثم لابن رئيس على فرد من الشعب أمام القانون.

وينبثق من معنى دولة القانون مفاهيم ترسخ للدولة الديمقراطية، أهمها الفصل بين السلطات، بمعنى توزيع السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية لضمان توازنها واستقلاليتها، وكذا حماية الحقوق والحريات، بأن يضمن القانون والقضاء المستقل حماية حقوق الإنسان، ويحد من انتهاكها، وردع تغوّل السلطة التنفيذية التي تتقاطع في كثير من الأحيان مصالحها مع مصالح الأفراد.

ينبثق من معنى دولة القانون مفاهيم ترسخ للدولة الديمقراطية، أهمها الفصل بين السلطات، بمعنى توزيع السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية لضمان توازنها واستقلاليتها، وكذا حماية الحقوق والحريات، بأن يضمن القانون والقضاء المستقل حماية حقوق الإنسان، ويحد من انتهاكها، وردع تغوّل السلطة التنفيذية.

وأهم من كتب في هذا المفهوم، الفيلسوفان الفرنسيان مونتسكيو وجان جاك روسو، والإنجليزي جون لوك، والأخير من أوائل من حذر من خطورة عدم الفصل بين السلطات، وكأن الرجل استشرف المستقبل في عالمنا الثالث، ورأى رأي العين توغل السلطة التنفيذية على التشريعية والقضائية، لذا فقد كتب في استقلالية السلطة القضائية في كتابه "رسالتان عن الحكومة"، أكد فيه ضرورة وجود قضاء مستقل لحماية الحقوق الطبيعية (الحياة، الحرية، الملكية)، معتبرا أن القضاء المستقل هو وسيلة لتحقيق العدالة ومنع الاستبداد الحكومي.

لكن سبقه بأكثر مما يقارب الألف عام، في هذا المجال، عالمنا وفيلسوفنا المسلم الفارابي، الذي كتب "آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها"، الذي رأى فيه أن الحاكم الفاضل يجب أن يدعم قضاء مستقلا لتحقيق العدل، أي بالمفهوم المعاكس، ألا يتغوّل عليه ولا يفرض عليه رأيه ولا يوجهه، ومن باب أولى ألا يرهبه، وهي معان كلها تصب في استقلال القضاء وفصل سلطاته عن السلطة التنفيذية، ليكون حرّا يقضي بما ترد إليه من شواهد وأدلة، ويحكمه في ذلك سيادة القانون.

في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، برزت ظاهرة خطف الطائرات، وارتبطت في الغالب بدوافع سياسية، أيديولوجية، أو جنائية. هذه الظاهرة شكلت تحديا كبيرا للأمن الجوي، وأثرت على السياسات الدولية، ما أدى لاحقا إلى وضع تدابير أمنية مشددة لمنع مثل هذه الحوادث، مثل المجموعات الفلسطينية، والمجموعات الثورية واليسارية في شرق آسيا، مثل الجيش الأحمر الياباني، وأخواتها التحررية في أمريكا اللاتينية، مثل جيش التحرير الوطني في كولومبيا، والجيش الشعبي للتحرير في الأرجنتين، لكنها كانت حيلة الضعيف، التي كانت تستهدف طائرات فيها رعايا دول مختلفة؛ بهدف لفت الانتباه إلى قضايا سياسية أو الضغط على الحكومات، لتلبية مطالب هذه المجموعات، التي يراها البعض مشروعة، في ظل القهر الاستعماري المباشر أو بالوكالة.

ما فعله دولة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، من تسليم الشاعر المصري الثوري عبد الرحمن يوسف القرضاوي للإمارات من غير سند قانوني، هادما بقراره قواعد الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق الدولية والعهد الدولي الموقعة عليه دولته، وهي الحقوق التي أسستها الشرائع وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، إنما هي سابقة يخشى أن يُبنى عليها في المستقبل.

الجديد في الأمر، أن الأنظمة باتت هي من تقوم بعمليات خطف الأفراد من المعارضين، لا للفت الانتباه إلى قضيتها أو وضعها، بل لكي تقوم بوضع المخطوف في مزاد سري، وربما علني، في حال كشفت عن وجهها برقع الحياء، من أجل المساومة على مكاسب عامة لترابها، أو حتى مكاسب شخصية لمن اتخذ القرار بالخطف ومن ثم المساومة، وربما الاثنان، يجني مكاسب لدولته، و"يشهدوا منافع لهم"، وقد تكون هذه المنافع في صورة رشوة مباشرة توضع في بنوك غربية، وقد تكون تقديم أوراق اعتماد وتثبيت في المنصب، وهو يقوم من خلال ذلك المنصب، بما سبق.

وعمليات الخطف الجديدة تتطلب تدخلا وتغولا من السلطة، في الأغلب التنفيذية، على سلطات القضاء، أو حتى التشريع، فتسرع الإجراءات وتتخطى المواعيد القانونية ويضرب بعرض الحائط القوانين، من أجل عيون من رسا عليه المزاد وكسب بأمواله العطاء ونعم بالفريسة وتباهى بالانتصار، ضاربا بمقولة سعد زغلول الخالدة: "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" عرض الحائط، ليؤصل قاعدة جديدة مفادها: "المال فوق القوة والرشوة تحرك الحكومة".

إن ما فعله دولة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، من تسليم الشاعر المصري الثوري عبد الرحمن يوسف القرضاوي للإمارات من غير سند قانوني، هادما بقراره قواعد الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق الدولية والعهد الدولي الموقعة عليه دولته، وهي الحقوق التي أسستها الشرائع وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، إنما هي سابقة يخشى أن يُبنى عليها في المستقبل، لا سيما مع انشغال العالم أو تشاغله عن واحد من المبادئ التي نظم عليها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لتصبح الحريات والحقوق سلعة تباع لمن يدفع أكثر (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون).

المجد للثوار.. المجد للشرفاء.