قضايا وآراء

سوريا بين رمزية السقوط وآمال البناء

"تبيّن أن النظام الذي ادّعى القوة والاستقرار لعقود كان هشّا أمام أصوات الناس وموجات الغضب الشعبي السوري"- جيتي
في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري انهار النظام الذي حكم سوريا بالحديد والنار لعقود في أيام قليلة، رغم أنه بَنى نفسه على أساس الخوف والقمع والتهميش. فبشار الأسد، الذي تسلّم السلطة عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد الذي حكم البلاد منذ عام 1971، قاد نظاما جعل من الدولة أداة لترسيخ سلطته عبر استخدام الأجهزة الأمنية والجيش لقمع أي صوت معارض.

لكن، وكما علّمنا التاريخ، لا يمكن لأي نظام مهما بلغت قسوته أن يصمد أمام إرادة الشعوب. فسقوط الأسد ليس مجرد انهيار لحاكم، بل هو رمز لانهيار منظومة القمع والتسلط التي حاولت أن تجعل من الإرهاب والخيانة تهمة جاهزة ضد كل من يطالب بالحرية، فأين الآن هذه التهم التي رمى بها الأسد معارضيه؟

لطالما لجأ بشار الأسد إلى وصم المعارضة بتهم الإرهاب والخيانة لتبرير قمعه الوحشي، إلا أن سقوطه أظهر زيف هذه الادعاءات. فملايين السوريين الذين انتفضوا ضد الظلم لم يكونوا إرهابيين، بل شعبا يطالب بحقوقه في الحرية والكرامة.

سقوط الأسد ليس مجرد انهيار لحاكم، بل هو رمز لانهيار منظومة القمع والتسلط التي حاولت أن تجعل من الإرهاب والخيانة تهمة جاهزة ضد كل من يطالب بالحرية، فأين الآن هذه التهم التي رمى بها الأسد معارضيه؟

ومع فرار الأسد وعجزه، بل جبنه عن المواجهة، تبين أن النظام الذي ادّعى القوة والاستقرار لعقود كان هشّا أمام أصوات الناس وموجات الغضب الشعبي السوري، فالتهم التي وُجّهت للمعارضين لم تكن سوى ستار لحماية نظام استبدادي وحشي، وقد سقطت هذه التهم مع انهيار النظام نفسه، لتُسجل صفحة جديدة في تاريخ سوريا عنوانها "لا بقاء لطاغية".

لماذا يجب على حكامنا أن يخافوا؟

إن سقوط بشار الأسد يحمل رسالة مباشرة للحكام المستبدين في عالمنا العربي؛ فهذا هو نظام الأسد صاحب السطوة الأمنية والقبضة الحديدية التي لا يمكن اختراقها قتل أكثر من 600 ألف وشرد ملايين السوريين في شتى البلاد، ها هو قد سقط الآن، فلا مجال أمامكم سوى السماع لصوت الناس والاعتبار من هذا المصير المحتوم الذي سيأتيكم ولو في قصور يحوطها الحرس من كل جانب..

إن الروايات التي يحيكها المحررون من سجون صيدنايا والسجون المركزية في حلب وحماة وغيرها تتطابق مع الروايات التي يحكيها السجناء المفرج عنهم من سجون أنظمة عربية حاكمة ما زالت تمارس القمع تجاه كل من يعارضها، فإن كانت الأدوات التي تمارسها الأنظمة متطابقة فإن النتيجة لن تختلف كثيرا من بلد لآخر حتى لو تأخرت فهي محتومة.

فعلى المستبدين في عالمنا أن يدركوا أن التغيير قادم لا محالة، وأن الخيار الوحيد لضمان استقرارهم هو الإصلاح الحقيقي والاستماع لصوت الشعوب بدلا من محاولة إسكاته.

إن الرسالة التي يحملها معتقل محرر بعد 40 سنة في أسوأ سجون العالم وأشدها تعذيبا وانتزاعا للآدمية والإنسانية يحمل كذلك رسالة لأولئك المغيبين ظلما وزورا خلف أسوار السجون في كل بقعة من عالمنا العربي والإسلامي؛ مفادها أن الحرية قادمة وبلا أدنى شك في ذلك مهما طال الزمن أو تبين أن السجان قوي فهو ليس كذلك بل ربما يستغرق إسقاطه فقط بضعة أيام.

آمال وطموحات

أملي أن تكون سوريا نموذجا حقيقيا لربيع عربي ناجح، موحدة لا طائفية، عادلة لا استبداد بها تفتح المجال للجميع دون تمييز بين طائفة وطائفة أو دين ودين أو حزب وحزب، بل سوريا لكل السوريين تعيد بناء ما هدمه الطغيان والاستبداد في الإنسان والبنيان لأكثر من نصف قرن من الزمان.

سقوط بشار الأسد يحمل رسالة واضحة لجميع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي إذ أصبح من الضروري أن تعيد هذه الأنظمة بناء جسور الثقة مع شعوبها من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الظلم عن المظلومين، وفتح المجال أمام الحريات الأساسية

إن ما حدث في بلدان الربيع العربي ابتداء من انطلاق الشرارة الأولى له في تونس مرورا بمصر وليبيا واليمن وما يحدث حاليا في فلسطين عامة وغزة خاصة والسودان يحمل للقائمين على الأمر في سوريا رسالة مباشرة واضحة لا تحمل إلا معنى واحدا:

نجاحكم في إدارة النموذج هو طوق النجاة لنا جميعا، ومهما تحالفت ضدكم ذات القوى التي أفشلت ثوراتنا ومكّنت العسكر من رقابنا وزجت بالثوار في السجون أو أرغمتهم للخروج من البلاد.. فكونوا على قدر هذه المسؤولية التي تقدمتم لها، فنجاح الثورة في سوريا سيقول لذاك المعتقل الذي يقبع في زنزانة انفرادية ربما منذ 10 سنوات؛ إنه ما زال هناك أمل في الخروج من هنا نحو دولة واعدة حرة مصانة فيها الكرامة والعدالة وبها من الحرية ما يكفي ويزيد.

ختاما أقول إن سقوط بشار الأسد يحمل رسالة واضحة لجميع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي إذ أصبح من الضروري أن تعيد هذه الأنظمة بناء جسور الثقة مع شعوبها من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الظلم عن المظلومين، وفتح المجال أمام الحريات الأساسية.

فالنهاية التي شهدها نظام الأسد بعد أكثر من عقد من القمع هي درس مؤلم، ولكنه ضروري. فالشعوب لا تنسى، وإن تأخرت، فإن إرادتها ستنتصر. والمصير المحتوم لأي نظام قائم على الاستبداد هو السقوط، إلا إذا اختار الإصلاح الحقيقي والتغيير الجذري وكما قيل: السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه، فليكن لكم في الأسد العبرة وفي سوريا المثال والأسوة.