سياسة عربية

خطط المعارضة ومصير "قسد".. ما هي سيناريوهات حكم سوريا بعد الأسد؟

هل يسقط النظام الأسد رسميا خلال الساعات المقبلة؟ - جيتي
تطوي فصائل المعارضة السورية المسافات في طريقها إلى دمشق للإطاحة برئيس النظام بشار الأسد. وفي حين يركز الاهتمام على تطورات المعارك ومستجدات خرائط السيطرة، تتعالى تساؤلات عن سوريا الجديدة وشكل الحكم فيها حال الإطاحة بنظام الأسد. ولا يتردد البعض في السؤال كذلك عما إذا كان "ردع العدوان" سيفتح الأبواب نحو سوريا للسوريين جميعا أم أن متاريس تنتظر في الطريق لتقلب التوق للحرية إلى مواجهة جديدة بين خصوم الأسد فور التخلص من نظامه.

فترة انتقالية ضرورية

حتى الآن، لم تكشف فصائل المعارضة عن تفاصيل خططها لسوريا بعد تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في إسقاط الأسد.

ومع ذلك، ثمة شبه إجماع بين المختصين في الشؤون السورية على أن سوريا تحتاج إلى فترة انتقالية بين نظام الأسد والعهد الجديد المنشود. 

وفي هذا الإطار، توقع الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية عمار فرهود، تشكيل هيئات حكم انتقالية حال إطاحة الأسد. 

ورجح فرهود، في تصريحات خاصة لـ"عربي 21"، أن ينتقل هذا التركيز الملاحظ في العملية العسكرية إلى الشق الإداري بحيث تدعم القوة العسكرية الموحدة الحكومة الانتقالية وتحميها بعد تشكيلها، ضمن مشروع وطني جامع و"الذي سينهض بسوريا نحو مستقبلها المنشود منذ 14 عاماً" على حد تعبيره.

السيناريو نفسه يتوقعه المحلل السياسي درويش خليفة وإن بعبارات مختلفة. فرغم تأكيده على أن من المبكر الحديث عن شكل الحكم في سوريا قبل كتابة دستور جديد للبلاد، شدّد على أنه يفترض قيام قوى المعارضة السورية بإنشاء هيئة حكم انتقالية. ويرى درويش أن هذه الهيئة الانتقالية ستتألف من شقين أولهما "سياسي تنفيذي"، وثانيهما "عسكري يضمن أمن واستقرار البلاد ويمنع التعدي على الحقوق والملكيات العامة والخاصة"، على حد قوله.



ورغم صمت المعارضة السورية حتى الآن عن شكل الحكم البديل، إلا أن الباحث والضابط السوري السابق رشيد حوراني، اعتبر أن الخروج الإعلامي الأخير لأحمد الشرع "الجولاني" بمثابة التزام أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي بأن تكون الدولة القادمة في سوريا دولة مدنية قائمة على القانون والمؤسسات"، متوقعا أن " أن ترعى المعارضة المسلحة العملية السياسية لتصل بها الى الاستقرار والتداول".

ومن هذا المنطق، يستشرف حوراني، بعين الباحث وخبرة الضباط، "مستقبل دولة سورية قائمة على حياة سياسية منفتحة، لأن "سوريا تولد من جديد في ظل التأييد الكبير لعمليات المعارضة من قبل كافة الشرائح والتيارات السياسية المعارضة للنظام وتثمينها المنجزات الميدانية للعملية والمرونة السياسية".

الدعم الدولي وموقف إيران وروسيا

وبما أن العمليات التي تقودها المعارضة السورية حاليا هي إسقاط عسكري لنظام الأسد، وليست تسوية سياسية، فإن هذا الأمر يعفيها، بحسب المحلل السياسي درويش خليفة، "من الحفاظ على العقود والاتفاقيات التي وقعها نظام الأسد خاصة مع الجانب الإيراني والروسي". إذ يتوقع درويش أن تتجه المعارضة مستقبلا في سياق التسويات السياسية إلى مراعاة الجانب الروسي على حساب إيران التي "لن يكون لها حتما أي مستقبل في سوريا إلا في حال سقوط النظام الإيراني الحالي".

وبعيدا إيران وروسيا، حلفاء الأسد، يؤكد الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية عمار فرهود أن المجتمع الدولي "لن يتأخر في مساعدة الشعب السوري والمشروع الوطني" بالنظر إلى أن هذا المشروع "يسعى للاندماج في محيطه الإقليمي والدولي بما يضمن مصالح السوريين ومصالح هذه الدول".

ولعل بشائر الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة تخفف من تعقيد المشهد السوري. وفي هذا الصدد، يشير رشيد حوراني في تصريحات خاصة لـ"عربي 21"، إلى أن "التصريحات في الصحافة الدولية والإقليمية عن المعارضة وعمليتها وما فيها من انضباط تعتبر صورا أولى لهذا الدعم، خاصة أن نظام الأسد وظف ملف تهريب المخدرات واللاجئين لابتزاز أطراف دولية وإقليمية، فضلا عن رفضه كل محاولات التعاون والانفتاح على المعارضة وتحقيق الانتقال السياسي".

ومن علامات زخم الدعم الدولي لعمليات فصائل المعارضة، فتور حلفاء نظام الأسد في مساعدته، إذ أعلنت روسيا أنها لا تستطيع تقديم شيء للنظام طالما أن الجيش غير قادر على الاحتفاظ بثكناته، أما إيران فاكتفت بإرسال مستشارين لتحفيز الجيش، لأن "حليفي النظام وصلا إلى أن الأسد لم تعد تجدي معه كل محاولات الإنعاش"، حسب الباحث والضابط السوري السابق رشيد حوراني. ويذكر هنا أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت، السبت، عن شروع إيران في إجلاء مستشاريها العسكريين من سورية، كما دعت موسكو الروس إلى مغادرة البلاد فورا.

شبح انقسام الفصائل

حتى الآن، تبدو الفصائل كتلة موحدة تسير في طريق واحد نحو تحقيق هدف إسقاط النظام، غير أن هناك مخاوف من تحول التركيبة المتنوعة للفصائل إلى فتيل يشعل خلافاتها ويكرر سيناريو الانقسام.
وبينما يقرُّ عمار فرهود بأن هذا الهاجس مازال قائما، يؤكد بأنه "يمكن دفعه بما ظهر من مركزية عالية في ضبط أداء الثوار وخاصة في التعامل مع موضوع الغنائم، إذ تم جمعها فورا ونقلها الى خطوط التماس لاستثمارها في العملية العسكرية بدل اقتسامها أو الاقتتال حولها". كما أن طريقة تعامل الفصائل مع المناطق التي سيطرت عليها تنبئ بوحدتها، حيث صدرت، مثلاً، بيانات "بعد أيام من تحرير حلب تطالب فيها من العسكريين الخروج من المدينة وتسليمها لإدارة تشاركية من أبناء المدينة" بحسب فرهود. 

من جهته، يستبعد رشيد حوراني نشوب خلافات بين فصائل المعارضة بفضل "الخطاب الوطني الذي نجحت المعارضة في بلورته خلال عمليتها الأخيرة". وفي الاتجاه نفسه، يعتبر درويش خليفة بأن هذا الخطاب "يؤطر القوة السورية المحلية وإجماعها على أن سوريا القادمة ستكون دولة يسودها العدل وتدبير الخلاف السياسي بالحوار لا بالعنف". كما تبنى خليفة نظرة أكثر تفاؤلا تستند إلى أن "جميع الأطراف تتحلى بروح معنوية وطنية تنبذ العنف وتتعامل بحذر مع الملفات الخلافية"، متوقعا أن "يكون التعامل مع جميع الملفات مستقبلا عبر الآليات القانونية المتمثلة في إعداد دستور جديد للبلاد وصياغة قانون انتخابات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وتشكيل جيش وطني". 

ماذا عن "قسد"؟

إلا أن هذه النبرة التفاؤلية قد تصطدم بطبيعة المشهد السوري، الذي ازداد تعقيدا منذ الربيع العربي، خاصة مع سيطرة قوات سوريا الديموقراطية المعروفة اختصارا بـ"قسد" على المناطق الشرقية في دير الزور والرقة والحسكة وجزء من ريف حلب الشرقي. وفي هذا الإطار، يرى الباحث رشيد حوراني أن "المعارضة السورية تركز حاليا في عمليتها على إسقاط النظام باعتباره العقبة الأكبر في الحياة السياسية السورية على أن يتم لاحقا التعامل مع "قسد" بما يناسب التوافق السوري العام الرافض لقيام كيانات قومية أو دينية فرعية داخل الدولة". 

ويذهب حوراني إلى أن "قسد حالة مؤقتة تستطيع المعارضة إيجاد حل لها وضمان حقوقها الخاصة بالمكون الكردي". ويستند في هذا القول إلى، ما يعتبره، فشل "قسد" في تحقيق توافق مع القوى الكردية الأخرى المختلفة معها سياسيا عبر مسار الحوار الكردي الكردي، فضلا عن أن تهميش المكون العربي داخل مناطق سيطرة قسد "بات واضحا حتى لداعمها الأمريكي"، بحسب حوراني الذي ذكّر في هذا الصدد بتأكيد واشنطن، أكثر من مرة، على أن "شراكتها مع قسد كقوة محلية مقتصرة على محاربة الإرهاب "داعش" دون أي وعود سياسية.

وفي المقابل، لا يستبعد المحلل السياسي درويش خليفة أن "تلعب قسد على وتَر تنظيم داعش والتلويح بورقة سجن مخيم الهول الذي يشم مقاتلي تنظيم الدولة، إلا أن التوافقات الثنائية التركية الأمريكية قد تدفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات لمصلحة تركيا، خاصة "وأن الأتراك ربما يستبعدون التحالف مع قسد في المستقبل". كما رجح خليفة في تصريحات خاصة لـ"عربي 21" أن "تكون هناك عمليات لإرغام قسد على تقديم تنازلات في حال تعنتت، والذهاب باتجاه حلول سياسية لصالح القضية السورية العامة. 

وفي حين مدت "قسد" يدها إلى أنقرة للحوار لحل خلافاتهما، رأى الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية عمار فرهود أن أمامها أيضا على ضوء "ردع العدوان" المستمرة منذ 11 يوما، "فرصة ذهبية لتمد يدها للسوريين الذين مدوها لها في بياناتهم التي نشروها مؤخرا، وإلا فإنها "ستواجه الشعب السوري صاحب الإرادة التي تسقط نظام الأسد الآن على كل الجبهات". علما بأن فرهود يعتبر أن "قادة قسد رهنوا مشروعهم بتنظيم عابر للحدود يجعله منافيا لمصلحة سوريا العامة".