تتوالى دعوات
مصرية من أصحاب توجهات سياسية مختلفة
لعقد مصالحة مجتمعية بين رئيس النظام عبد الفتاح
السيسي، ومعارضيه، من تيار
الإسلام السياسي، وعلى رأسهم جماعة
الإخوان المسلمين وباقي التيارات السياسية
الأخرى.
وعقب إعلان النيابة العامة المصرية الأحد الماضي، رفع
أسماء 716 مصريا من قوائم الإرهاب بينهم أسماء لافتة من جماعة الإخوان المسلمين،
ومعارضي السيسي بالخارج، ومن المعتقلين السابقين والحاليين، تزايدت الآمال في عقد
مصالحة بعد أكثر من 11 عاما من الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، على الرئيس
الراحل محمد مرسي، وتسبب في قتل واعتقال ومطاردة وفرار وتهجير آلاف المصريين في
الداخل وإلى الخارج.
وكشفت حيثيات قرار محكمة جنايات القاهرة رفع أسماء
716 شخصا من قوائم الإرهاب بناء على طلب النيابة العامة، عن إجراء الأمن الوطني
تحريات تكميلية بشأن 808 أشخاص آخرين، ما فتح الآمال في أن يتبع القرار الأول
قرارات أخرى، بل يتعداه إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
"خروج
عباس وجناح التهدئة"
ويرى البعض في القرار وبينهم السياسي المصري
والبرلماني السابق الدكتور ثروت نافع، أن رفع أسماء 716 مصريا من قوائم الإرهاب
خطوة تشير إلى انتصار جبهة داخل النظام تؤمن بالتهدئة مع
المعارضة وترفض استمرار
التعامل الأمني.
ويشير مراقبون إلى أنه منذ إطاحة السيسي، برئيس
مخابراته اللواء عباس كامل في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهناك مؤشرات على
احتمال حدوث تغييرات في المشهد المصري، وبينها القرار السابق ذكره الذي يأتي للمرة
الأولى منذ العام 2013، والذي حرصت وسائل إعلام الدولة التأكيد على أنه بتوجيه من
السيسي.
وهو ما سبقه إعلان المحامي الحقوقي خالد المصري، في
30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سماح السلطات الأمنية لكثير من المعتقلين
السياسيين من أصحاب الأحكام سواء خفيفة أو مشددة بالتوقيع على "استمارة إفراج
شرطي".
وتلك الاستمارة تتيح الإفراج عن المحكوم عليه بعد قضاء
نصف مدة عقوبته، فيما ضمت تلك التوقيعات السياسيين إلى جانب الجنائيين للمرة
الأولى في عهد السيسي، وذلك وفي تطور لافت قرأه حقوقيون بأنه خطوة قد يتبعها
انفراجة بالملف المعقد.
"آمال
ومخاوف"
وعبر مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي
وبالفضائيات المصرية المعارضة من الخارج عن آمالهم في عقد مصالحة تنهي ملف
المعتقلين.
وراح البعض في طرح العديد من المؤشرات التي تقول
بإمكانية تغيير وجهة النظام من القبضة الأمنية إلى
المصالحة المجتمعية، مشيرين إلى
أن أزمات البلاد الداخلية والخارجية والإقليمية وحاجته إلى استعادة الحاضنة
الشعبية التي فقدها بسبب الغلاء والبطش الأمني، قد تجبر جميعها السيسي على هذا
التوجه.
لكن هناك من أعرب عن مخاوفه من ألا يسمح داعمو
السيسي في الخليج والغرب والكيان المحتل بمصالحة مجتمعية وإنهاء الخلاف مع جماعة
الإخوان المسلمين، بل ذهب آخرون إلى الدعوة لعدم الثقة في السيسي، ذاته.
"تجربة
مبارك والإسلاميين"
وشهدت مصر مطلع عام 1992 وحتى عام 1997، وقوع أحداث
دموية في مصر بين الجماعة الإسلامية وقوات الأمن المصرية، إثر تفجيرات واعتداءات
على منشآت ومرافق حكومية وسياحية، ثم محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في إثيوبيا
عام 1994.
وهي الأزمة التي انتهت مع مبادرة الجماعة لنبذ العنف
في تموز/ يوليو 1997، وتسليم جناحها العسكري لأسلحته وحل نفسه، فيما قام عقلاء
وقيادات المجتمع المدني ومن علماء مصريين في العام 2002، بدعوة النظام لعمل
"مراجعات فكرية" لقيادات الجماعة في السجون وعقد مصالحة معها، والتي
انتهت بخروج كثيرين من السجون، وانتصار نظام مبارك، ومد أجله في الحكم حتى 2011،
وفق مراقبين.
وهو الموقف التاريخي الذي دعا البعض للتساؤل: هل
يقلد السيسي مبارك؟ وأين دور علماء الدين وقيادات المجتمع المدني وعقلاء
مصر في إنهاء الأزمة بين النظام الحالي وتيار الإسلام السياسي في عقد مصالحة
مجتمعية ووقف العنف وإنهاء أزمة المعتقلين؟
"مفاوضات
سرية"
وكانت قد خرجت تصريحات تشير لوجود مفاوضات بين
النظام وبين جماعة الإخوان المسلمين عقب تطبيع العلاقات المصرية التركية منذ العام
الماضي، ما دفع البعض لإعادة التساؤل حول ما وصلت إليه تلك المفاوضات أو المبادرات.
وفي 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، قال رئيس القسم
السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر الدكتور حلمي الجزار، لـ"بي بي
سي"، إنهم يبحثون عن تسوية سياسية للوضع في مصر لا تقتصر فقط على جماعة
الإخوان المسلمين والنظام المصري بل تشمل كافة الأطراف بالداخل والخارج.
"نفذ
رصيد التفاؤل"
المحامي المصري الشهير منتصر الزيات، وفي حديثه
لـ"
عربي21"، أعرب عن أمنيته بأن "تكون هناك سياسات مختلفة يكشف
عنها قرار رفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب".
وأضاف: "دائما بطبيعتي أتفاءل، وأدعم مثل هذا
التوجه؛ إلا أني أتريث وأنتظر وأرقب ما يتبع هذا القرار من إجراءات تكشف عن كونه
تغيير حقيقي أم إجراء وقتي".
ومضى يؤكد أنه "ما عاد عندي رصيد مناسب من
التفاؤل المفرط؛ إنما ننتظر لنرى".
وعن دور العقلاء والمجتمع المدني والقيادات الدينية
والمدنية في حل الأزمة كما جرى مع الجماعة الإسلامية في عهد مبارك، قال الزيات:
"جف المداد؛ فلم تعد هناك نخبة صالحة أو قادرة على نصح أو توجيه أو قول رأيا
حرا".
"لن
يصالح إلا بهذه الحالة"
وفي قراءته، قطع السياسي المصري والبرلماني السابق
ممدوح إسماعيل، في الأمر بقوله إن "السيسي لن يتصالح مع الإسلاميين لأن وجوده
مرتبط بوجود الإسلاميين بالسجون، ونفيهم من خارطة السياسة المصرية، وهذا ما يريده
الغرب الداعم للسيسي".
وفي حديثه يرى المحامي المصري، أن "قرار رفع
أسماء من قوائم الإرهاب أمر شكلي ومسرحي؛ فالقوائم مجرد تدابير ولا يشمل ذلك
المشكلة الكبيرة، وهي المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم من محاكم سياسية".
وأكد أنه "توجد قوائم أمنية تشمل مئات الآلاف
من المصريين الممنوعين من السفر أو لهم ترقب وصول أو ممنوع تجديد جواز سفرهم وليسوا
بقوائم الإرهاب".
ويرى أنه "لا يوجد جبهة داخل النظام تريد
المصالحة، وكل ذلك دجل يتم تسريبه ويردده البعض دون عقل، فنظام السيسي جبهة واحدة
هي السيسي، وأي صوت يخرج عما يريد يتم طرده خارج المنظومة".
ومضى يقول: "لا يوجد ما يفرض على النظام المصالحة
مطلقا، والغرب يدعمه في ذلك، والواقع الإقليمي يجعله يشدد قبضته الأمنية؛ وكل من
يقول غير ذلك واهم".
وختم مؤكدا أن "نظام السيسي، لن يتغير إلا
بتغيير السيسي ذاته، أو قوع حرب إقليمية تدخلها مصر رغم أنفها، يتداعى فيها النظام
وينكسر، ويحاول أن يبحث عن مخرج، وعندها فقط سيضطر إلى محاولة تخفيف الاحتقان
الداخلي رغم أنفه".
"خطوة
مثيرة تحتاج خطوات"
وفي قراءته لمؤشرات إمكانية تغيير وجهة النظام من
القبضة الأمنية إلى المصالحة المجتمعية، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي،
إن "الخطوة التي حدثت مثيرة بالفعل ولكن لا يمكن الركون إليها باعتبارها تمثل
توجها جديدا للنظام، وتحتاج إلى أفعال أخرى تؤكدها".
وأضاف لـ"
عربي21": "وحتى لا يظهر
أنها حركة مؤقتة تستهدف رسالة للعالم قبل المراجعة الدورية لملف مصر الحقوقي
بالأمم المتحدة، وربما رسالة لجهات أخرى، وحتى يتأكد هذا المسار فإنه يحتاج لخطوات
وبالتالي فإننا نستطيع الحكم هل هذا مسار جديد أم مسألة شكلية".
وعن احتمالات وجود ما يجبر نظام السيسي على اتخاذ
هذا التوجه من أزمات البلاد الداخلية والخارجية والإقليمية، أكد العربي، أن
"النظام يمر بأزمات، ومصر نفسها تمر بأزمات مجتمعية واقتصادية وسياسية
وانسداد سياسي؛ وكله يستدعي وجود وئام داخلي وسلم أهلي ومصالحة وطنية مجتمعية
واسعة تعبر بالبلاد من النفق الضيق، والمصالحة الشاملة الحقيقية التي تعطي كل ذي
حق حقه ستسهم في حلحلة الأمور والخروج من المآزق".
وبشأن سماح داعمي السيسي في الخليج والغرب بمصالحة
مع جماعة الإخوان المسلمين، قال إن "هذا ما سنراه لاحقا، وواضح أن حذف 716
اسما من قوائم الإرهاب ربما رسالة أيضا لهؤلاء".
وحول احتمالات أن يستجيب السيسي للمصالحة لحاجته إلى
استعادة الحاضنة الشعبية التي فقدها بسبب الغلاء والبطش الأمني، رد العربي:
"لا ندري، فهذا النظام لم يكن مهتما بقضية الحاضنة الشعبية ويكتفي بالحاضنة
العسكرية وأجهزتها الأمنية، ولا يعبئ كثيرا بالحاضنة الشعبية ولا ندري هل غير وجهة
نظره بعد 11 سنة حكمها".
"رسائل
لا تعني مصالحة"
وفي تقديره، يرى القيادي بحزب "الحرية
والعدالة" المصري الحاكم سابقا، محمد سودان، أن "رفع السيسي أسماء 716
مواطنا من قوائم الارهاب، رسالة سياسية يثبت منها أنه لا سيطرة للقانون ولا القضاء
ولا النيابة، ووحده من بيده مقاليد الأمور والسيطرة على الحياة السياسية والأمنية،
وربما رسالة أخرى للاتحاد الأوربي والغرب، يهرب بها من ضغوط انتهاك حقوق الإنسان".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، لفت السياسي
المصري، إلى أنه "من الأسماء التي رفعها الشيخ وجدي غنيم، والراحل الدكتور
يوسف القرضاوي، وأبقي على لاعب الكرة المحبوب بشكل جنوني مصريا وعربيا، فهل في هذا
منطق أو مفهوم سياسي وأمني؟، بالطبع لا".
وبشأن رضا داعمي السيسي، من دول الخليج أو عدم
رضائهم عن مصالحة مع الإخوان، أكد أن "رفع الأسماء منهم من قضوا نحبهم، ومنهم
في السجون وهاربون بالخارج، ولم يُسقط عنهم الاتهامات المفركة والقضايا الكيدية
والأحكام القاهرة التي أمر القضاء المنبطح بأن يصدرها ضدهم، لن يضر أو يزعج داعميه
لأن لهم مآرب أخرى".
وعن احتمالات تقليد السيسي مبارك وعقد مراجعات
وإخلاء سبيل المعتقلين، يرى أن "سياسة مبارك ضد الجماعات التي أثارت شغبا ضد
الأمن في مصر اعتراضا علي النظام إبان حكمه ثم تصالح مع بعضهم وبقي معظمهم بالسجون
حتى بعد أن انتهت أحكامهم وبقوا في المعتقلات بلا سقف زمني لخروجهم؛ لولا أحداث 25
يناير 2011، ما خرج منهم أحد من السجون وهو حي".
ومضى يقول إن "سياسة السيسي تنم على خوفه
الشديد من المعارضة بجميع أطيافها، لأنه جاء للسلطة على ظهر دبابة مدعوما من بعض
دول الخليج، وأمريكا، والكيان المحتل، والدولة العميقة، ورجال أعمال فاسدين،
والكنيسة، والمجلس العسكري، وبالتالي علا قدر قسوته وتعامله مع الشعب وسرقة ثروات
البلاد واقتياد للهاوية".
وأكد أن "مخاوفه تزداد يوما بعد يوم من انفجار
الشعب ضده من كثرة المظالم وضيق العيش وإذلال الناس وإجبارهم على ترك منازلهم
وتهجيرهم قسريا لمصالح سياسية واقتصادية دون النظر لما يطال الشعب من أضرار".
وختم حديثه مؤكدا أن "مسألة التصريحات عن تطبيع
علاقات النظام مع جماعة الإخوان المسلمين ما هي إلا شائعات يروجها إعلام نظام
السيسي، لتهدئة منظمات حقوق الإنسان، وتقليل الضغط عليه؛ وهي عارية تماما عن الصحة
وقد صدر من الجماعة عدة تصريحات رسمية بذلك".
"وطن
ينتظر حكماء"
وقال الكاتب المصري سليم عزوز، في مقال
بـ"
عربي21"، إنه يمكن للسيسي استلهام تجربتي السادات ومبارك مع جماعة
الإخوان المسلمين، و"يصل إلى اتفاق بعدم ممارسة السياسة تماما في عهده،
والثمن هو الإفراج عن المعتقلين، وعدم مطاردتهم"، متوقعا أنهم "سيوافقون".
وألمح عزوز، إلى أنه "بالمصالحة يضمن السيسي
حكما مستقرا من الناحية السياسية"، لكنه أكد أن هناك معوقات بينها أن
"الإخوان بالذات ملف إماراتي"، فضلا عن وجود أصحاب مصالح يلتفون حول
الحكم ويستفيدون من "التخويف من البعبع الإخواني".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، كتب السياسي المصري
والخبير في الصناعات البحرية الدكتور إبراهيم فهمي، تحت عنوان "وطن ينتظر
الحكماء"، إن "الوطن لن يبرأ من الأسقام ودموع عشرات الآلاف من الأسر
مستمرة تشكو لربها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، لذلك فمن الأخلاق أن تبادر جميع
الأطراف سلطة ومولاة ومعارضة للوصول إلى حل يتبناه الحكماء حتى لا تمتد الجراح
لسنوات أخرى قادمة".
وأضاف: "وبالتوازي مع ترسيخ أهمية التعجيل بحل
يغلق ملف المظلومين ويعيدهم إلى أسرهم ووظائفهم ويعوضهم عما أخذ منهم، لابد من
اعتراف السلطة بأن تدمير المسار الديمقراطي وتحطيم المؤسسية ودهس الحقوق والحريات
أدى لتجفيف منابع السياسة".
ورأى أن "الحد المعقول من معالجة الأزمة يبدأ
بخروج جميع المعتقلين، وعودة جميع الطيور المهاجرة، وتعويضهم وعودتهم لوظائفهم ورد
اعتبارهم، وممارسة كافة حقوقهم القانونية والدستورية".
"رافضو المصالحة"
وعلى الجانب الآخر، أكد متابعون وإعلاميون محسوبون
على النظام المصري، رفضهم لأية مصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان، وبينهم: إبراهيم
عيسى، وعمرو أديب، وأحمد موسى، ونشأت الديهي.
وقال إبراهيم عيسى، عبر فضائية "القاهرة
والناس"، الثلاثاء إنه "لا مصالحة مع الإخوان"، فيما أعلن مؤسس حركة
"تمرد" النائب الحالي بمجلس النواب محمود بدر، عبر موقع "إكس"
رفضه أي مصالحة مع الجماعة.