نشرت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية تقريرًا
تحدثت فيه عن خلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية
جديدة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، من خلال تبسيط التهديد
النووي وإعلانه أن
القنبلة النووية قد تصبح سلاحًا قابلًا للاستخدام.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حصل سنة 2009 على
"جائزة نوبل للسلام"، بفضل دعوته إلى إنشاء "عالم خالٍ من الأسلحة
النووية".
وتضيف الصحيفة أنه في ذلك الوقت بدت آمال الرئيس
الأمريكي الأسبق وهمية، في ظل استثمار قوى أخرى في سباق الأسلحة النووية. وبعد مضي
خمس عشرة سنة، بعد أن أصبحت معاهدات نزع السلاح غير سارية وبدأت بعض البلدان بتحريك الأسلحة النووية، تحت شكلها التكتيكي، من مبدأ الردع إلى مفهوم الاستخدام
الفعلي، فقد بدت هذه الأحلام السلمية تبدو وكأنها تنتمي إلى العصور القديمة.
وعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح النووي؛ فقد ساهم
فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من
التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية
لأوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية في شباط/ فبراير 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول
الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم
"الإرهاق والإغراءات بالتخلي عن أوكرانيا باسم الأمن الزائف".
وأوردت الصحيفة أن استخفاف الكرملين بالأسلحة
النووية بدأ سنة 2014، عند استخدامه التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه
جزيرة القرم من طرف واحد إلى
روسيا. ومنذ ذلك الحين، لوّح باستخدام السلاح النووي
في كل مرة واجهت فيها روسيا صعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع.
ففي 27 شباط/ فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة
تأهب.
وفي نيسان/ أبريل من السنة ذاتها، استخدمت روسيا
التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وفي
آذار/ مارس 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. وفي شباط/ فبراير
2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـناتو في
أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعادت روسيا مرة أخرى
الخطاب النووي إلى
الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى على أوكرانيا
كما أنها أدخلت تعديلات على البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر
مراجعة عقيدتها النووية.
التصعيد اللفظي لبوتين
وذكرت الصحيفة أن
التهديدات النووية التي أطلقتها
السلطات الروسية تندرج في الأساس ضمن الابتزاز السياسي لأن اتخاذ خطوات فعلية عبر
تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، لا يخدم مصلحة بوتين وهو ما يعني نهاية نظامه. كما أن
التصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم يصاحبه استخدام للأسلحة
النووية على أرض الواقع. ولم يتغير الوضع النووي الروسي؛ الذي تراقبه الأجهزة
الغربية عن كثب. بينما تستمر الصين أيضًا في لعب دور معتدل، حيث إنها تحذّر موسكو
بانتظام من أن الأسلحة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.
إن التقليل من شأن الخطاب الروسي غير المقيد بشأن
استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛
فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن المرجح محاولة قوى
أخرى تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن، أو
إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت
دولة نووية فرض معادلات جديدة.
في هذا الشأن يقول ضابط فرنسي: "لولا الأسلحة
النووية، لكان الناتو قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في
جميع أقطار العالم".
بعد غزو العراق بقيادة صدام حسين سنة 2003، والتدخل
ضد ليبيا بقيادة معمر القذافي في سنة 2011، فإن الحرب في أوكرانيا تمثل تشجيعًا جديدًا
على استئناف انتشار الأسلحة النووية في العالم. فقد تم الهجوم على هذه البلدان
الثلاثة، في ظروف مختلفة، بعد تخليها عن برامجها النووية. ومن هنا استخلصت العديد
من الدول العبر، وخاصة إيران. وبعد فشل الحلول الدبلوماسية التي حاول المجتمع
الدولي تطبيقها؛ طورت طهران بشكل كبير برنامجها العسكري ومن الممكن أن تتحول بشكل
سريع إلى دولة نووية، لا سيما أن روسيا، التي كانت في وقت سابق تتعاون مع الغرب
للحد من برنامجها، أصبحت تتعاون مع طهران مقابل الحصول على دعم عسكري في حربها ضد
أوكرانيا.
خطر نووي عالمي
من جانبه، ولتجنب نشوب حرب بين إسرائيل وإيران، طلب
جو بايدن من بنيامين نتنياهو عدم توجيه ضربات نحو المنشآت النووية الإيرانية ردًّا
على الهجمات الصاروخية المكثفة ضد إسرائيل.
وأوضحت الصحيفة أن تحول إيران الى دولة نووية من
شأنه أن يدفع القوى السُنّية في المنطقة ـ السعودية وتركيا ومصر ـ إلى الشروع
أيضًا في المغامرة النووية. ولكن يأتي الخطر النووي يأتي أيضاً من كوريا الشمالية،
التي أرسلت عشرة آلاف جندي لدعم حرب بوتين في أوكرانيا، والتي أصبح سلوكها
عدوانيًّا على نحو متزايد في التعامل مع جنوب شبه الجزيرة الكورية.
ومنذ أن غذت الولاية الأولى لرئاسة دونالد ترامب
الشكوك حول مدى موثوقية حماية المظلة الأمريكية؛ فقد بدأ حلفاء الولايات المتحدة
الآسيويون بالتساؤل عن جدوى الانخراط في السباق النووي. ووفقًا لاستطلاع للرأي
أجري مؤخراً، فإن 70 بالمئة من الكوريين الجنوبيين يؤيدون هذه الفكرة.
لكن "الانتشار النووي الديمقراطي" شمل
اليوم أيضًا أوكرانيا. في عام 1994؛ وافقت أوكرانيا المستقلة حديثًا حينذاك على
التخلي عن أسلحتها النووية مقابل ضمان الدول الموقعة على مذكرة بودابست أمنها
وسلامتها الإقليمية. لكن في عامي 2014 و2022؛ كشفت الحروب التي شنتها روسيا ضد
أوكرانيا ولامبالاة المجتمع الدولي عن عدم جدوى ضمانات بودابست. ومنذ ذلك الحين؛
بدأت بعض الأصوات في أوكرانيا، تنتقد قرار عام 1994. في هذا الصدد قال زيلينسكي: "إما أن تطور أوكرانيا أسلحة نووية وتدافع عن نفسها بهذه الأسلحة، أو يتعين
عليها الانضمام إلى الناتو لأن دول الناتو ليست في حالة حرب اليوم".
ونقلت الصحيفة عن أحد الدبلوماسيين قوله: "إذا
كنا نتحدث عن نهاية الحرب وضمان الأمان، فينبغي التحلي بالمنطق. الاتفاقات الثنائية
لن تكون كافية لضمان أمن أوكرانيا. هناك ثلاثة حلول؛ الأول دعوة أوكرانيا للانضمام
إلى الناتو، الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة وألمانيا. أما الثاني فهو التخلي
عن كييف، وهو ما سيكون كارثيًا بالنسبة لأوكرانيا ولأوروبا. بينما يتمثل الثالث في
تطوير البرنامج النووي الأوكراني".
وتتباين الآراء بخصوص قدرة أوكرانيا على تطوير
برنامج نووي، ففي حين يرى البعض أنها غير قادرة على ذلك دون تلقي مساعدة من دولة
حليفة وأن لهذا الخيار تكلفة سياسية واقتصادية وعسكرية باهظة، كونه قد يعرض دعم
الشركاء الغربيين لأوكرانيا للخطر، يشير آخرون إلى المساعدة التي قدمتها فرنسا إلى
إسرائيل في الحصول على السلاح النووي في الخمسينيات، من أجل تعزيز أمن إسرائيل
وخدمة برنامجها العسكري الخاص.
وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة إلى أنه عقب العصر
النووي الأول، الذي امتد من سنة 1945 حتى نهاية الحرب الباردة؛ وبعد العصر النووي
الثاني، الذي صاحب فترة التهدئة ونزع السلاح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ فإن العصر النووي الثالث يهدد بتعدد الفاعلين المشاركين في انتشار غير خاضع للرقابة في شرق
أوروبا، وكذلك في آسيا والشرق الأوسط.