تتكشف يوما بعد يوم تفاصيل "القضية الأمنية" التي شغلت
الأوساط السياسية والإعلامية في "إسرائيل" طيلة الفترة الماضية.
وتحقق النيابة العامة الإسرائيلية بما أطلقت عليها وسائل الإعلام "القضية الأمنية الجديدة"، والتي اعتُقِل خلالها موظف كبير في مكتب رئيس الوزراء.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن
القضية تتعلق بإحباط اتفاق تبادل أسرى مع حركة حماس، من خلال
تسريب وثائق مزورة إلى
صحيفتي "بيلد" الألمانية و"جويش كرونيكل" البريطانية.
ولا يزال أمر حظر نشر حول تفاصيل القضية
وهوية الضالعين فيها ساريا حتى الآن. وجاء في بيان صادر عن مكتب
نتنياهو، الأحد، أن
الأخير توجه إلى المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، "طالبا الانضمام
إلى الدعوى التي تطلب إزالة أمر حظر النشر في القضية التي تسمى "قضية أمنية خطيرة" بحسب الادعاء"، بحسب تقرير لموقع "عرب48".
ونشرت وسائل إعلام أجنبية، بينها
"جويش كرونيكل"، تقارير نقلا عن مصدر وُصف بأنه "مسؤول استخباراتي إسرائيلي"،
وجاء فيها أن 20 رهينة إسرائيلية في غزة على قيد الحياة، وأنها لن تحرر أبدا لأنها
تحيط بزعيم حركة حماس، يحيى السنوار.
لكن الاستخبارات الإسرائيلية لم تقدر أبدا
أن الوضع بهذا الشكل، واعتقدت أن "هذه تقارير كاذبة"، وفق ما ذكرت صحيفة
"يديعوت أحرونوت"، الأحد.
إلا أن نتنياهو استخدم تقرير "جويش
كرونيكل" خلال خطاب ألقاه في 2 أيلول/ سبتمبر الماضي، وقال إن هذه "وثيقة
كتبها أحد قادة حماس بكل تأكيد، وقد عُثر عليها وتشمل تفاصيل استراتيجية حرب نفسية
ضد إسرائيل". وأكدت "يديعوت" أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تكن
تعلم أبدا من الذي كتب الوثيقة، وأن هذه الوثيقة لا تلائم خط يد أي من قادة حماس المعروفين
لـ"إسرائيل".
وأفاد محلل الشؤون الاستخباراتية في
"يديعوت"، رونين بيرغمان، الأحد، أن الشبهات بشأن "القضية الأمنية
الجديدة" بدأت تتعالى في أعقاب خطاب نتنياهو، وتعززت في الأيام التالية.
"وكان واضحا أن إدارة "جويش كرونيكل" تدعم تقارير تعزز موقف نتنياهو.
وبعد ذلك تقرير "بيلد" التي لديها علاقات عميقة مع مكتب رئيس الحكومة، الأمر
الذي عزز الشبهات بأنه توجد هنا عاصفة من الأكاذيب".
وأضاف بيرغمان أن التقارير في الصحيفتين
الأجنبيتين بدأت تُنشر عندما تبين أن المفاوضات حول تبادل أسرى باتت قريبة من اتفاق،
وحينها نشر نتنياهو "رسالة التوضيحات"، التي تحدثت عن أهمية بالغة لمحور
فيلادلفيا، "رغم أن لا أحد في جهاز الأمن، ولا في أجهزة الاستخبارات، ولا حتى
نتنياهو نفسه، كانوا يعتقدون طوال تسعة أشهر أن للمحور أي أهمية".
وتابع بأن مطالبة نتنياهو ببقاء الجيش الإسرائيلي
في محور فيلادلفيا "جاء في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل وحماس قريبتين جدا من
اتفاق"، بينما "الجمهور الإسرائيلي تحول إلى ضحية لحملة أكاذيب وتضليل متواصلة
ومنعته من فهم ما يحدث. وقد أضاف نتنياهو إلى "رسالة التوضيحات" عقبات جعلت
التوصل إلى اتفاق مستحيلا". ووصف أحد أعضاء وفد المفاوضات الإسرائيلي هذه الرسالة
بأنها "رسالة الدماء".
ونقل بيرغمان عن مسؤول إسرائيلي مطلع على
تفاصيل التحقيق قوله إنه "من أجل عدم التوصل إلى مرحلة التصويت (على مقترح اتفاق
تبادل أسرى) وكي لا يهتز الائتلاف، فقد جلس أشخاص لأيام وليال من أجل نسج خرافة فيلادلفيا.
ومن أجل العثور على الوثائق التي بإمكانهم تزويرها أو تشويهها من أجل إثبات الخرافة،
والتأكد من أن تُنشر بشكل واسع".
وأفادت "القناة 12" بأنها مع
وسائل إعلام إسرائيلية أخرى طلبت نشر الوثائق التي نشرتها "بيلد"، لكن الرقابة
الإسرائيلية رفضت وفرضت حظرا على نشرها لأنها تنطوي على "خطر أمني".
وأضافت القناة أن هذه القضية لا تنطوي على
تسريب معلومات فقط، ونقلت عن مصادر رفيعة قولها إنه "في مركز التحقيق سرقة الوثائق
السرية من منظومات الجيش الإسرائيلي وتوزيعها بدون صلاحية أو مصادقة"، فيما قال
مسؤول قضائي إنه "على الأرجح أن القضية لن تنتهي بذلك المتحدث ومستشار نتنياهو"،
وأن "هذه التقديرات تفسر سبب تشاور مقربين من نتنياهو مع محامين".
وادعى مكتب نتنياهو في بيان، أن "المتحدث
المذكور لم يشارك أبدا في مداولات أمنية، ولم يطلع أو يحصل على مواد سرية، ولم يشارك
في جولات سرية. ونشهد منذ بداية الحرب طوفانا من التسريبات الممنهجة والجنائية من اجتماعات
سرية. ومستغرب جدا لماذا من بين جميع هذه التسريبات، يتم التحقيق في هذه الوثيقة بالذات،
التي كان مضمونها معروفا للجميع وساعدت دولة إسرائيل، بهذا الشكل الهجومي والمضلل".
ورغم نفي مكتب نتنياهو اعتقال أي من موظفي
المكتب، إلا أن المتحدث ومستشار نتنياهو المذكور، الذي يحظر نشر اسمه، معتقل وهو المشتبه
المركزي في القضية، وعمل في السنة الأخيرة كمستشار لنتنياهو.
ونقلت "القناة 12" عن مقرب من
هذا المستشار المشتبه قوله، إنه "خصص حياته من أجل رئيس الحكومة، الذي ألقى به
تحت العجلات. وكان المشتبه على استعداد أن يخاطر بنفسه من أجل نتنياهو، الذي يكذب ويقول
إنه لم يعمل عنده. وليس فقط أنه عمل لدى نتنياهو، وإنما كان يتواجد يوميا في مكتبه،
ورافق نتنياهو في جميع الجولات، وشارك في كافة المشاورات، وسافر معه في قافلة رئيس
الحكومة، وكان نتنياهو يتصل به شخصيا بشكل يومي، ليرسله إلى مهمات والتشاور معه".
من جهته قدر المحلل المعروف عاموس هرئيل أن نتنياهو سينجو هذه المرة
كذلك من هذه الفضيحة.
وقال في "هآرتس": "في مكتب نتنياهو هناك بشكل عام طبقة كثيفة من التمايز والحماية التي تهدف
إلى تمكين رئيس الحكومة من ادعاء البراءة ونفي أي صلة فعلية له بما ينسب لموظفيه".
وتوقع هرئيل أنه بعد العثور على جثث ستة أسرى الذين
قتلوا على يد حماس في رفح، حدث ضغط كبير من قبل الجمهور على الحكومة من أجل استئناف
العمليات من أجل التوصل إلى صفقة. ويبدو أن التسريب المشوه هدف إلى صد هذا الضغط وإلقاء
كل المسؤولية على الجمود في الاتصالات وعلى زعيم حركة حماس، يحيى السنوار.
ويتهم هرئيل نتنياهو، كما يظهر من التحقيقات التي أجريت معه، أنه يهتم بشكل
عام في عدم إبقاء أي شهادة موثقة عن العمليات، التي يمكن أن يتضح بأنها غير قانونية.