رغم ما يزعمه
الاحتلال
عن تحقيق جملة من الإنجازات العسكرية في الشهرين الأخيرين، وعلى رأسها القضاء على
قادة المقاومة في
غزة ولبنان، بجانب الهجوم على إيران، لكن ذلك لم يمنع الأوساط
التحليلية من وضع اليد على ما أسمتهما "ثغرتين" أساسيتين ومترابطتين قد
تقودان إلى الغرق بحرب
استنزاف.
وأوضح المستشرق ميخال
ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب أن أولى
الثغرتين عدم إجراء تحقيق متعمق في جذور الفشل الذريع يوم السابع من أكتوبر، وثانيتهما
عدم وجود استراتيجية منظمة في إدارة الحرب الجارية، وبالتالي فإنه بدون دراسة
معمقة لأحداث العام المنصرم، ووضع بوصلة استراتيجية واضحة، فإن دولة الاحتلال في
طريقها لأن تغرق في نظام استنزاف غني بالشعارات، لكنه خال من الأهداف القابلة
للتطبيق والبعد الزمني الواضح.
وأكد ميلشتاين أن
"عدم التحقيق في كارثة أكتوبر يضمن الحفاظ على بقايا المفهوم الذي ولد في ذلك
اليوم، وخلق تصورات جديدة تظهر على خلفية نواقص لم يتم حلّها بعد، وباستثناء
التحقيقات العسكرية المخصصة، فإن التصورات والسياسات المتبعة تجاه غزة في السنوات
التي سبقت الحرب، وفي المقام الأول التنظيم الاقتصادي، لم يتم تحليلها بشكل متعمق،
ولم يتم دراسة السبب الذي دفع رجال الدولة ورؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات
لإجراء تحليل متعمق عن نوايا حماس الحقيقية".
وأضاف في مقال نشرته
صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "أحد استخلاصات فشل
أكتوبر أنه كان لدى كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين ما يمكن وصفها
بـ"تشوهات شديدة" في النظرة تجاه حماس، مع غياب طرح آراء أخرى في هذه
المنظومة، بل نشأ وضع وهمي يعيش فيه معظم المسؤولين عن تقصير أكتوبر، على
المستويين السياسي والأمني، وهم ذاتهم الذين أداروا الحرب خلال العام الماضي، التي
لا تزال مليئة بسوء الفهم".
وأوضح أن "ما تم
تحقيقه في ساحات المعارك في الشهرين الماضيين، على جبهتي غزة ولبنان، لكن ما يمكن
اعتبارها إنجازات لا تنجح في طمس ذكرى الفشل المؤلم الذي حدث قبل أكثر من عام
بقليل فيما يتعلق بعدم التحقيق فيما حصل فعلا، لأن إجراء مثل هذا التحقيق يعترضه
ذريعة ومزاعم مفادها أنه في زمن الحرب التي لا تلوح نهايتها في الأفق، لا يجب عمل
هذا التحقيق".
وأشار إلى أن
"الأحاديث الإسرائيلية عن غياب الاستراتيجية باتت متزايدة، وتشمل جميع
الأوساط، وهو ما يتم التعبير عنه بحالة التراخي، ونقيض النصر المطلق، الأمر الذي
يجد طريقه من خلال تصريحات غير مقنعة يصدرها قادة الاحتلال في المستويين السياسي
والعسكري، وتزعم أن الإنجازات العسكرية هي الاستراتيجية، بغض النظر عن عدم تقديم
رؤية طويلة المدى، غالبًا ما تكون منفصلة عن الواقع، تتضمن أهدافًا مثل نزع
المقاومة في غزة، وتدمير حماس، وإنشاء نظام جديد في لبنان، وزعزعة استقرار النظام
في إيران، و"تدمير محور الشر"، وإنشاء أرضية استراتيجية جديدة".
وأكد أن "إصدار
هذه الوعود تعني أن الإسرائيليين باتوا في وضع لا يطاق، ويعبر حقيقة عن عدم التعلم
من نواقص ما قبل السابع من أكتوبر، ويتطلب من الجمهور العام، لا سيما الأكاديميين
والإعلاميين، تجنب متابعة الصور الرنانة، وطرح الأسئلة المحددة، لأن ما يحصل اليوم
في شمال غزة بالتحديد يعكس كل النواقص الإسرائيلية، بعد أن بات أن المقصود لا
يتعلق بتنفيذ "خطة الجنرالات" أو إعداد الأرض لتجديد المستوطنات في
المنطقة، ومن ناحية أخرى، فلم يوضح ذلك كيف يعزز هزيمة حماس، لأن الحديث
الإسرائيلي المتكرر عن "تطهير" المنطقة من حماس، لم يتم تعريف كيفيته،
ومتى سيتم تحقيقه، وما إذا كان واقعياً أصلا".
وأضاف أن "السلوك
الإسرائيلي في غزة اليوم يعكس تكرار التجربة الأمريكية الفاشلة في العراق 2003،
حين تنبأت بشرق أوسط جديد وديمقراطي ومستقر، وإعادة تشكيل وعي الشعب العراقي،
واليوم تظهر في الخطاب الإسرائيلي أوهام ذات نكهة أمريكية لنظام جديد يقوم على
"فقاعات" عقيمة، وإدارة غزة من خلال معلمين ورجال شرطة من العالم العربي
والدولي، مع أن إسرائيل مطالبة بأن تفهم أنه من غير الممكن إبادة العدو، مع وجود
احتمال كبير بعدم تحقيق ذلك، لأنه لن يلوّح بالعلم الأبيض في الشمال والجنوب".
وأشار إلى أن "دولة
الاحتلال تبدو مطالبة بأن تكون واقعية، وتختار البديل الأقل سوءاً من بين كل
البدائل الإشكالية، فهي لا ترغب باحتلال غزة بالكامل، وتحملها المسؤولية عنها، مما
يستدعي منها النظر في ترتيب من شأنه إطلاق سراح المختطفين، حتى على حساب الانسحاب
من غزة المدمرة، حيث لم تعد حماس تشكل تهديداً كما في أكتوبر، وإلا فإننا سنكون
أمام حرب استنزاف تعرّض حياة المختطفين للخطر، وبالتالي فإن القناعة السائدة اليوم
أن الأهداف العسكرية قد اكتملت، وحان الوقت للتسوية من موقع التفوق الاستراتيجي،
وبعد إزالة التهديد الذي يسمح بعودة المستوطنين لمنازلهم، مع ضمان حرية العمل، إن
تجددت التهديدات".