صحافة دولية

شعبان الدلو.. شاب من غزة أراد أن يصبح طبيبا قبل أن يقتله الاحتلال حرقا أمام العالم

الاحتلال ارتكب مجزرة مروعة إثر قصفه خيام النازحين وسط قطاع غزة- إكس/ متداول
شدد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، على أن المقطع المصور الذي أظهر الشاب الفلسطيني لشعبان الدلو وهو يحترق حتى الموت بعد غارة إسرائيلية على مستشفى في غزة، أثار انتقادات من حلفاء "إسرائيل" وسلط الضوء على محنة الناس المحاصرين في القطاع.

كان شعبان الابن الذي تفاخرت به والدته؛ فقد حفظ القرآن الكريم بالكامل عندما كان صبيا، وارتقى إلى قمة فصله الجامعي. وأراد أن يصبح طبيبا. ولكن الأهم من ذلك كله، أن شعبان كان يحلم بالنجاة، بحسب التقرير.

ومنذ أن بدأ الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، كتب شعبان مناشدات عاطفية على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر مقاطع فيديو من خيمة عائلته البلاستيكية الصغيرة، بل وأطلق صفحة GoFundMe مناشدا العالم المساعدة في الخروج من قطاع غزة. 

بدلا من ذلك، شاهده العالم وهو يحترق حتى الموت، وفقا للتقرير. 

وقالت عائلة الدلو، 19 عاما، إن ابنها هو الشاب الذي كان يلوح بذراعيه عاجزا، وقد اشتعلت فيه النيران، في مقطع فيديو أصبح رمزا لأهوال الحرب بالنسبة لسكان غزة المحاصرين داخل قطاعهم المحاصر بينما يراقب المجتمع الدولي. 

في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، قصف الاحتلال الإسرائيلي باحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وهي مدينة ساحلية في وسط غزة. وقد أقامت العشرات من العائلات مثل عائلة الدلو، التي أجبرت على الفرار من منازلها، خياما في موقف سيارات داخل مجمع المستشفى. وكانوا يأملون أن تضمن القوانين الدولية التي تحظر معظم الهجمات على المرافق الطبية سلامتهم. 

ومع اندلاع النيران في خيمة عائلة الدلو، ركض والده، أحمد، إلى الداخل. "لقد حمل ابنه الصغير، ثم ابنتيه الأكبر سنا، إلى مكان آمن. وعندما عاد، كان الوقت قد فات بالنسبة لابنه الأكبر. 

وقال أحمد للصحيفة: "لقد رأيته جالسا هناك، يرفع إصبعه ينطق بالشهادتين.. ناديت عليه: شعبان، سامحني يا بني! سامحني! لا أستطيع أن أفعل أي شيء". 

واستشهد شعبان قبل يوم من عيد ميلاده العشرين. لم تُحفر لحظة وفاته في ذاكرة والده فحسب - بل تم تداولها في جميع أنحاء العالم. 

ودفعت صور الناس في ذلك المخيم وهم يحترقون أحياء، ومن بينهم والدة شعبان، حتى أقوى حليف لإسرائيل، الولايات المتحدة، إلى التشكيك في ذلك الهجوم. 

قالت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يوم الأربعاء: "شاهدت في رعب الصور من وسط غزة وهي تتدفق عبر شاشتي". 

وقالت في بيان للأمم المتحدة: "لا توجد كلمات، ببساطة لا توجد كلمات، لوصف ما رأيناه. تقع على عاتق إسرائيل مسؤولية بذل كل ما هو ممكن لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، حتى لو كانت حماس تعمل بالقرب من المستشفى". 

تم تحديد موقع مقطع الفيديو للجثة المحترقة، التي حددتها الأسرة على أنها شعبان، من قبل صحيفة "نيويورك تايمز" في موقع المخيم في مستشفى شهداء الأقصى. 

شعبان، الذي أصبح مريضا بسبب الصدمة وسوء التغذية وسط الحصار المتفاقم، غالبا ما كان يبوح لخالته، بأفكاره للهروب من غزة. 

قالت خالته في مقابلة مع "صحيفة التايمز"، بينما كانت جالسة في غرفة المستشفى مع ابنتها تسنيم، التي كانت تتعافى من إصابات بشظايا في بطنها من نفس الضربة: "كانت خطته هي إخراج نفسه، ثم إيجاد طريقة لإخراج شقيقاته وإخوته ووالديه". 

لجأ شعبان إلى الإنترنت، واتصل بالناشطين في الخارج الذين ساعدوا سكان غزة في إنشاء صفحات لجمع التبرعات على الإنترنت. 

كتب في إحدى منشوراته على "إنستغرام": "عليك أن تفتح قلبك لنا. أنا في التاسعة عشرة من عمري ودفنت أحلامي. ادعموني للعثور عليها مرة أخرى". 

جمعت الحملة أكثر من 20 ألف دولار. ولكن حتى لو كان ذلك كافيا لدفع الرسوم الباهظة لترتيب هروبه من غزة وبعض أقاربه، فإن الجهد كان بلا جدوى: فمنذ أيار/ مايو، أغلقت "إسرائيل" معبر رفح الحدودي إلى مصر، ما جعل مثل هذه المخارج مستحيلة. 

في رسالة نصية من شهر أيار/ مايو الماضي، عرضتها عمته على الصحيفة، سألها شعبان الدلو عن ما إذا كان مرضه المتكرر قد يؤهله للإجلاء الطبي، وهو ما حدث في بعض الأحيان. فأجابت بأن هذا غير مرجح، حتى إن صديقتها "التي فقدت أختها عينها، تكافح من أجل إيجاد طريقة لإخراجها". 

ومع ذلك، قالت إن ابن أختها، الذي كان يزورها في كثير من الأحيان في خيمتها لتناول الطعام، بدا هادئا. وقالت إنه كان يشاهد الأخبار، ويحلل خطابات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، ويقول لها: "كوني متفائلة، كل شيء سيكون على ما يرام".

كانت القصة مختلفة بين أصدقائه، كما قال ابن عمه وزميله في المدرسة محيي الدين الدلو. فخلال الحرب، كان الاثنان يقضيان في كثير من الأحيان أمسيات حزينة على الشاطئ. 

كان شعبان يحلم بالسفر إلى الخارج للحصول على درجة الدكتوراه في هندسة البرمجيات، والتي درسها في آخر عامين له في جامعة الأزهر في غزة. وقال ابن عمه إنه تخلى بالفعل عن طموحه في أن يصبح طبيبا، لأن عائلته لم تستطع تحمل تكاليف تلك الدراسة. 

ومع استمرار الحرب، قال إن رؤية شعبان للهروب تحولت من السفر إلى الاستشهاد.
 
وأضاف: "كان يخبرني أكثر فأكثر أنه يريد الاستشهاد، ويريد أن يكون مع أصدقائه الذين استشهدوا، مع جده وجدته في الجنة". 

قبل عشرة أيام فقط من الهجوم الذي قتله، كان شعبان على وشك الموت عندما ضربت "إسرائيل" المسجد القريب من المستشفى، حيث إنه كان يتلو القرآن ويقيم الليل.

في ذلك الانفجار، الذي قالت السلطات المحلية إنه أسفر عن استشهاد 26 شخصا، جرحت قطعة من الشظايا رقبة شعبان، خلف أذنه. وقالت خالته وهي تجهش بالبكاء: "لم تتم إزالة الغرز بعد". 

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بعد قصف المسجد، وصف شعبان الدلو كيف استيقظ في المستشفى، وهو يصرخ للمسعفين أبنه وصل إلى الجنة مع صديقه أنس الزراد. 

وبدا شعبان متألما بشكل خاص في المنشورات الأخيرة حول وفاة ذلك الصديق مؤخرا، وقد نشر صورا لهما معا كصبيين ومراهقين، وهما يضحكان ويتبادلان النكات. 

وكتب في إحدى المنشورات: "لم أشعر قط بشيء أكثر رعبا من فكرة غياب الموتى. إن العقل البشري، بكل خلاياه الدماغية وكل قدرته على الاستيعاب والإبداع، عاجز أمام هذا الغياب". 

قالت الصحيفة إن أولئك الذين يواجهون الآن نفس الانقطاع في غياب شعبان يتذكرون شابا أكثر حكمة من سنوات عمره، وطموحه وطاقته بدت بلا حدود، وجعل من الجميع صديقا له. 

وتتذكر خالته، الطريقة التي تعاملت بها والدته، آلاء، معه "كأخيها أكثر من كونه ابنها"، مع الكثير من المزاح والمحادثات الحميمة. 

وباعت والدة شعبان ذات يوم أساورها الذهبية لتمويل دراسته الثانوية. وقالت خالته إنه عندما بدأت الحرب العام الماضي، استخدم شعبان المال الذي كسبه من العمل في هندسة البرمجيات عبر الإنترنت لشرائها لها. 

وقالت إن شعبان استخدم أمواله أيضا لمساعدة والده وعمه في إنشاء كشك فلافل بجوار خيمتهم خارج المستشفى، كوسيلة لكسب المال بعد تدمير مصنع الملابس الصغير الذي يملكه الشقيقان في الحرب. 

وقال والد شعبان إنه رأى علاقتهما كشيء يتجاوز علاقة الأب والابن. 

وقال، بينما تغطي الضمادات وجهه وذراعيه بسبب الحروق: "لقد احتفظ بأسراري، واحتفظت بأسراره. كنا أصدقاء، وكنت فخورا بذلك". 

وقال إنه بينما كان يقف يشاهد الحريق الذي أودى بحياة زوجته وابنه، ظل يتحدث إلى شعبان: "قلت لشعبان إنني لم أشعر قط بهذا القدر من الانهيار كما أشعر الآن. لم أشعر قط بهذا القدر من الهزيمة كما أشعر الآن". 

آخر ذكرياته عنهم تعود إلى اليوم السابق للحريق. ذهب الثلاثة إلى الشاطئ، وتسلوا على بذور دوار الشمس وتجاذبوا أطراف الحديث. وقال: "الآن، حسنا، رحم الله روحه". 

في يوم الجمعة، تلقى والد شعبان ضربة أخرى: فقد توفي ابنه الأصغر، 10 أعوام، متأثرا بحروقه الشديدة على الرغم من جهود والده لإنقاذه. ودُفن إلى جانب والدته وشقيقه.