مقابلات

الجهاد الإسلامي لـ"عربي21": استشهاد السنوار يُشكّل لحظة فارقة في مسار قضيتنا

رسمي أبو عيسى أكد أن الرواية الفلسطينية انتصرت لأول مرة منذ تفجّر الصراع مع المشروع الصهيوني- الأناضول
قال مسؤول العلاقات العربية في حركة الجهاد الإسلامي، رسمي أبو عيسى، إن "استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار يُشكّل لحظة فارقة تعكس قوة المقاومة وعزيمة الشعب الفلسطيني، وهذا الارتقاء سيكون دافعا لمزيد من الإيمان بقدسية قضيتنا العادلة وضرورة المقاومة"، مضيفا: "دماء أبي إبراهيم نور يضيء الطريق إلى القدس ونار على قاتليه".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه "لأول مرة منذ تفجّر الصراع مع المشروع الصهيوني تنتصر الرواية الفلسطينية انتصارا ساحقا بفضل شجاعة وبسالة المقاومة وصمود شعبنا الأبي. لقد انتصرت روايتنا دون أن نرويها؛ فقد روتها الدماء والأشلاء، لقد هدمنا الركن الأكبر في المشروع الصهيوني".

وشدّد أبو عيسى على ضرورة "تجاوز الانقسامات الداخلية بين الفصائل؛ فلا مناص من الحوار والتعاون والاجتماع على كلمة سواء في ظل التحديات الراهنة"، مردفا: "الجميع مُدرك لخطورة الموقف الراهن، وهناك جهود كبيرة تُبذل نتمنى لها النجاح قريبا".

واستعرض مسؤول العلاقات العربية في حركة الجهاد الإسلامي، النتائج التي حققتها المقاومة بعد عام من عملية "طوفان الأقصى"، مؤكدا أن "ما تحقق عظيم وعميق وارتداداته على الكيان الصهيوني وعلى النظام الرسمي العربي ستظل تفعل فعلها حتى تغير وجه المنطقة".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تنظرون لواقعة استشهاد يحيى السنوار وتداعياتها؟


هذا ارتقاء اختاره المولى سبحانه وتعالى صعودا يليق برجل كالسنوار؛ فقد ارتقى مُقبلا غير مُدبر. ارتقى بين جنوده وفي مقدمتهم، وهذا ارتقاء يغيظ الأعداء ويشفي صدور قوم مؤمنين. إن استشهاد القائد يحيى السنوار يُشكّل لحظة فارقة تعكس قوة المقاومة وعزيمة الشعب الفلسطيني. إن مقاومة تقدم قادتها شهداء لا يمكن إلا أن تنتصر؛ فهذا الارتقاء سيكون دافعا لمزيد من الإيمان بقدسية قضيتنا العادلة وضرورة المقاومة، ولن يفت في عضدنا بأي صورة من الصور.

أما عن التداعيات فنقول دوما كان ارتقاء القادة يثير قلق المحبين، ويسيل لعاب المبغضين المتربصين. وللمحبين نقول: دماء أبي إبراهيم نور يضيء الطريق إلى القدس ونار على قاتليه، والمقاومة بخير ولعلكم تشاهدون بالصوت والصورة عمليات القسام والسرايا وهي تثخن في العدو على مدار الساعة إلى الآن.

أما "حماس" فهي حركة كبيرة، وفيها مؤسسات راسخة، وستختار قائدا جديدا يكون خير خلف لخير سلف.

وللمبغضين نقول: عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم؛ فلا تفركوا أيديكم فرحا، لأن المقاومة بخير وواثقون من نصر الله، ونحن في حركة الجهاد الإسلامي كنّا وسنبقى إلى جانب إخوتنا في حركة حماس كتفا بكتف في الميدان وفي السياسة، ولن نسمح لأحد أو جهة أن تستفرد بحماس فهم منا ونحن منهم.

ما تقييمكم لمجمل الأوضاع في غزة بعد مرور عام كامل على اندلاع عملية "طوفان الأقصى"؟

الأوضاع في غزة تتجلى في صورتين: الأولى هي المأساة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ البشرية؛ حيث سقطت الأقنعة عن وجوه كثيرة بداية ببعض النظم "العربية" القريب منها والبعيد وصولا لمهرجان النفاق الغربي بقيادة الولايات المتحدة حيث داسوا كل القيم التي استخدموها ذريعة لإسقاط أنظمة واحتلال دول وقتل وتشريد ملايين البشر.

المشهد الإنساني في غزة سيظل ناقوسا يدق لعقود قادمة يُذكّر البشرية بسقوطها المريع في بحر الدم الفلسطيني الذي شهد ارتقاء أكثر من اثنين وأربعين ألفا من الشهداء ومثلهم تحت الأنقاض ناهيك عن الشهداء من مرضى الأمراض المزمنة وضحايا توقف المستشفيات وفقدان الأدوية ليرتفع عدد الشهداء لعشرات الآلاف.

أما الصورة الثانية فهي للإنسان الفلسطيني في غزة الذي أثبت للعالم أجمع أنه من سلالة نادرة؛ فهم خلاصة الخير في هذا العالم يواجهون خلاصة الشر فيه.

أظهر أهلنا في غزة منسوبا عاليا من الإيمان بالله والتوكل عليه كنا نقرأه في كتب السيرة وقصص الأنبياء.

لقد أعادوا للأمة روحها وتوازنها العقائدي في ظل هجمات تترى على هويتها ودينها.

وها هم أهلنا في شمال القطاع يؤثرون الشهادة على النزوح وترك أرضهم وبيوتهم رغم الهجوم البربري والمجازر على مدار الساعة.

إلى أي مدى نجحت المقاومة في تحقيق أهدافها من عملية "طوفان الأقصى"؟ وكيف تنظرون للنتائج التي تحققت حتى الآن؟

أولا: قبل هذه المعركة كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وكثير من النظم "العربية"، يجهزون المنطقة لتدخل في الدين الجديد "الإبراهيمية" ثم يتوج نتنياهو ملكا على الشرق والعرب.

ثم كان الطوفان ليعلن للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني أكبر وأقوى من أن يطويه النسيان، وأنه قادر على قلب الطاولة على الجميع في أي لحظة؛ فلا أمن ولا استقرار في المنطقة والعالم دون أن يستعيد الشعب الفلسطيني وطنه كاملا.

ثانيا: لأول مرة منذ تفجّر الصراع مع المشروع الصهيوني تنتصر الرواية الفلسطينية انتصارا ساحقا بفضل شجاعة الرجال والدماء الزاكيات الطاهرات.

لقد اكتشف كل سكان هذا الكوكب أنهم تعرّضوا لخديعة كبرى على مدار عقود من الدعاية الصهيونية الكاذبة الخاطئة، وأن مَن كان يتقمص دور الضحية ما هو إلا وحش مصاص للدماء يرتكب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على الهواء مباشرة ولمدة عام كامل ويزيد.

لقد انتصرت روايتنا دون أن نرويها؛ فقد روتها الدماء والأشلاء، لقد هدمنا الركن الأكبر في المشروع الصهيوني.

ثالثا: أثبتت المقاومة الفلسطينية أن الكيان الصهيوني ضعيف بذاته، وأنه لولا الحماية الأمريكية ما استطاع أن يستمر في منطقتنا كل هذا الوقت، وهذا كشف للمطبعين طلبا للحماية أن هذا الكيان لا يستطيع حماية نفسه.

إن ما تحقق عظيم وعميق وارتداداته على الكيان وعلى النظام الرسمي العربي ستظل تفعل فعلها حتى تغير وجه المنطقة.

كيف ترون قوة وصمود قوى المقاومة اليوم بعد عام من "طوفان الأقصى"، وهل المقاومة حاليا في مأزق أم لا؟

الكيان الصهيوني كان يعاير العرب بحرب الأيام الستة، وها هي فئة قليلة من العرب وفي بقعة متناهية الصغر في الوطن العربي تأخذه إلى أطول حرب يخوضها منذ نشأته المشؤومة، ولا يزال المجاهدون في كل محاور القتال يسطرون بطولات خارقة ستغير الكثير في العلوم العسكرية ونظريات الحرب، بعد عام من القتال قصفت المقاومة تل أبيب وعسقلان ومدن الغلاف ثم عملية بطولية في يافا ثم الخضيرة وبئر السبع وغيرها.

أما في الضفة الغربية فقد شكلنا الكتائب في كل قرية ومدينة ومخيم لتشعل الأرض تحت أقدام المحتل.

قبل سنوات كان العدو لا يحتاج سوى لسيارة أو اثنتين ليتوغل في أي مكان ويعتقل ويقتل في الضفة، ولكن التوغل اليوم يحتاج لقافلة من ناقلات الجند المصفحة وعشرات الجنود من القوات الخاصة وغطاء جوي، ورغم ذلك لا يخرج سالما، بل يتكبد خسائر في الأرواح والمعدات.

أما أن المقاومة في مأزق فهذا الكلام قاله العدو منذ الشهر الأول للمعركة ثم بعد شهرين، وكرّره أيضا بعد ستة أشهر، وها هي المقاومة تتجاوز العام وهي فاعلة وتكبّده الخسائر في كل شبر من فلسطين.

كيف تردون على مزاعم الاحتلال بأنه قضى على مصادر قوة المقاومة الفلسطينية وأوقع بها خسائر فادحة؟

أعتقد أن الميدان يجيب على هذا السؤال. الكمائن وعمليات القنص وتفجير الآليات والمروحيات التي تنقل القتلى والجرحى تثبت أن المقاومة لا تزال عفية وقادرة، كما أن أهم مصادر قوتنا هو الشعب الفلسطيني العظيم أربعة عشر مليون مستحيل هم مصدر قوتنا وفخرنا، وهذا معين لا ينضب.

تكبّدنا خسائر صحيح. خسرنا قادة وكوادر غالية صحيح، ولكن التجربة علمتنا أن دماء الشهداء تتحول إلى وقود يشعل نار الثأر والإصرار على مواصلة الدرب ويأتي خير خلف لخير سلف.

كيف تنظرون للحرب النفسية التي تُشنّ ضد جمهور المقاومة ومحاولة بث حالة من الإحباط واليأس في صفوفهم؟

دوما كانت الحرب النفسية رديفا للحرب في ميادين القتال، وقد حذرنا القرآن الكريم من خطورة هذه الحرب؛ فهي أشد خطورة من الحرب العسكرية.

لذلك، هذه الحرب النفسية لا تفت في عضد المؤمنين الذين يتلون قوله تعالى "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". لم تُهزم الأمة يوما في الميدان دوما كانت الهزائم نفسية وسياسية.

يُقال إن الروم سألوا سيدنا خالد بن الوليد عن السيف الذي أنزله له الرب من السماء. هذا السيف لم ينزل من السماء، بل نزل من عقول المهزومين ونفوسهم المكسورة.

وهنا يأتي دور الإعلام الحر والإعلاميين الشرفاء الذين نجوا من خراب الزمان وتمردوا على الواقع الخرب ليرفعوا راية الأمل ويكونوا سيوفا مسلولة في مواجهة الحرب النفسية.

ولجمهور المقاومة نقول: تنتهي الحرب وتحل الهزيمة عندما يُهزم العقل؛ فحصنوا عقولكم بالوعي والثقة بنصر الله سبحانه وبأبنائكم المجاهدين في ميادين القتال.

ما هي استراتيجيتكم في التعامل مع الانقسامات الداخلية الفلسطينية؟ وهل هناك مساع جادة للمصالحة مع الفصائل الفلسطينية؟

بداية نحن في الجهاد الإسلامي لسنا طرفا في الانقسام، ولسنا في خصومة مع أي مكون فلسطيني، واستراتيجيتنا كانت دوما أننا كفلسطينيين ورغم اختلاف البرامج وتضادها في بعض الحالات محكومون بالحوار.

ولا شك أن هذه الملحمة الأسطورية التي يخوضها شعبنا منذ أكثر من عام تملي علينا أن نرتقي إلى مستوى الحدث لنضع خلافاتنا جانبا ونجتمع على كلمة سواء؛ فالعدو أعلن عن نواياه مبكرا وقال إنه لا يريد لا "حماس ستان" ولا "فتح ستان"، باعتقادي أن الجميع مُدرك لخطورة الموقف الراهن، وهناك جهود كبيرة تُبذل نتمنى لها النجاح قريبا.

ما موقف حركة الجهاد من أي مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل وما فرص نجاح تلك المفاوضات في المرحلة المقبلة؟

حركة الجهاد موقفها ثابت لم ولن يتغير، فلسطين كل فلسطين هي أرض الشعب الفلسطيني، وهذا الكيان مجرد خطأ تاريخي يجب تصحيحه بأن يختفي إلى الأبد، وهذا ليس موقفا دوغمائيا أو منفصلا عن السياسة بالعكس لقد أثبتت كل التطورات منذ أوسلو إلى يومنا هذا أن رؤيتنا لطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني هي الأقرب للصواب.

وها هم الأعداء يعلنونها دون مواربة لا دولة فلسطينية، بل حتى السلطة أصبحت في مرمى نيران الاحتلال، وكل العالم يشاهد ما يتداوله قادة العدو من خرائط لما تسمى بإسرائيل الكبرى؛ وبالتالي عن أي مفاوضات نتحدث؟

هل كان إسناد حزب الله لغزة كافيا طوال عام من الحرب؟

بالتأكيد الإخوة في حزب الله ساهموا مساهمة فعّالة وقدّموا تضحيات جساما توجت باستشهاد الأمين العام السيد حسن نصر الله، وقد أدخلوا العدو في حرب استنزاف شرسة على مدار عام كامل كبّدوه فيها خسائر فادحة في الأفراد والمعدات وأرهقوا الجبهة الداخلية بعشرات الآلاف من المُهجّرين. لذلك، نعم كان الإسناد قويا ومُشرفا ولا يزال.

في تقديركم، هل يمكن فك الارتباط بين جبهة غزة ولبنان في ظل الضربات الأخيرة التي تعرض لها حزب الله؟

هذا السؤال أجاب عليه الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في ظهوره الأول بعد استشهاد السيد حسن نصر الله حيث قال إن حزب الله لن يفك الارتباط مع جبهة غزة، ورغم كل ما حدث لا يوجد أي مؤشرات على تغيير في هذا الموقف.

كيف تقيمون الدور الذي لعبته جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وإيران؟ وما مدى فاعلية تلك الجبهات؟

جبهات الإسناد أبرأت ذمتها أمام الله وأمام التاريخ وأقامت الحجة على الأمة حكومات وشعوبا وجيوشا.

أما من حيث الفعالية فهي بالتأكيد كانت ولا تزال تقض مضاجع العدو وتستنزفه عسكريا واقتصاديا، وحتما هي ساهمت في تشتيت جهود العدو بدل أن يستفرد بغزة وفلسطين.

من وجهة نظركم، إلى أين سيذهب التصعيد بين إسرائيل وإيران؟

نرى أن العدو كان يريد تصفية حساباته كلها مرة واحدة، وأن يجر الولايات المتحدة إلى حرب كبرى مع إيران، ولكن الرد الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية خلط الأوراق لدى العدو وداعميه؛ فالرد كان مفاجئا وقويا ودقيقا وأرسل رسالة مفادها أن إيران تمتلك القدرة والكفاءة والشجاعة لضرب كل مكان في فلسطين المحتلة، ومن هنا نعتقد أن احتمال الذهاب إلى حرب كبرى أصبح أقل احتمالا من ذي قبل، ولكن لا ننفيه بالمطلق.

كيف تنظرون إلى مواقف الدول العربية والإسلامية من "طوفان الأقصى" خلال العام المنصرم؟

لا يمكن أن نضع الجميع في سلة واحدة؛ فكثير من النظم الرسمية العربية تواطأ مع الكيان الصهيوني وفتحوا مطاراتهم وموانئهم وحدودهم لإمداد العدو وتعويضه عن إغلاق ميناء إيلات، وهذه الأنظمة حتما ستدفع الثمن من أمنها واستقرارها؛ فالشعوب لن تغفر ولن تنسى ما فعلوه.

وهناك أنظمة عبّرت عن مواقف سياسية جيدة ومتقدمة، ولكن لم يتبع ذلك أي فعل على الأرض، وبشكل عام لقد كانت مواقف دول في أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا أكثر قوة وفعالية.

ما السيناريوهات المتوقعة مستقبلا؟

هناك سيناريوهان: الأول أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين استلام الرئيس الأمريكي الجديد منصبه مطلع العام القادم.

الثاني: أن نذهب إلى حرب كبرى في حال ضرب العدو المنشآت النووية الإيرانية، وهذا سيأخذ المنطقة إلى فوضى شاملة لن تكون في مصلحة الكيان ولا الوجود الأمريكي في المنطقة.