مدونات

هل يمكن لمؤسسات مصابة بالإيدز أن تتعافى؟ وكيف؟

"تحليل شامل دقيق للوضع الحالي للمؤسسة، وله أدوات علمية معتبرة"- CC0
يتسارع إلى الذهن هذا السؤال عندما يبدو بوضوح أن ما تعانيه المؤسسة -ربحية أو غير ربحية- من فشل إنما هو ناتج إصابتها بمرض نقص المناعة (إيدز)، ويظن كثيرون أن فرص التعافي مستحيلة أو شبه مستحيلة، لكني أرى أن تعافي المؤسسات التي وصلت إلى درجة عميقة من الفشل ممكن لكنه يتطلب أولا إرادة فولاذية من أصحاب القرار والملاك، وثانيا تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة تستند إلى تحليل دقيق للأسباب التي أدت إلى الفشل مع تطوير خطة محكمة للتعافي، وهذا للمؤسسات وليس لـ"دوار العمدة"، يتم ذلك وفق خطوات يجب أن يقوم بها فريق عمل متخصص مستقل، علما بأن من كان سببا في الفشل لا يمكن أن يكون جزءا من العلاج، أهم هذه الخطوات ما يلي:

تحليل شامل دقيق للوضع الحالي للمؤسسة، وله أدوات علمية معتبرة مثل "SWAT" و"PESTELS" وغيرهما، يتم ذلك بجمع وتحليل البيانات المتعلقة بأداء الإدارة والأداء المالي، ورضا العملاء والمستفيدين، وإنتاجية المنتسبين، تكون نتيجته تشخيص الحالة تشخيصا دقيقا وتحديد الأسباب الجذرية للفشل، سواء كانت مالية، أو تشغيلية، أو إدارية، أو غيرها.

نتيجة هذا التحليل ستكون قرارا بإمكانية التعافي أم أن وضع هذه المؤسسة قد تجاوز الحدود التي يمكن لها أن تتعافى، وبالتالي الأفضل لها أن تغلق أبوابها أو تغير نشاطها وأهدافها. فإن كان القرار أن هناك فرصة للتعافي فتكون الخطوات التالية:

- تبني وتنفيذ تطوير خطة استراتيجية، بوضع أهداف واضحة وقابلة للقياس لتعافي المؤسسة، وتطوير خطة عمل مفصلة تشمل الخطوات والإجراءات اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة، مع تحديد الأولويات والتأكد من التركيز على الجوانب الأكثر أهمية والأكثر تأثيرا في تحسين الوضع، وامتداد هذه الخطة لما بعد تحسن الوضع إلى الاستمرارية والنمو والتطور.

- إعادة هيكلة الإدارة والعمليات، فقد يكون أحد أهم أسباب الفشل المؤسسي هي القيادة، وبالتالي فإن تغيير القيادة العليا أو التنفيذية قد يكون أهم أدوات العلاج أيضا، فيتم تغيير القيادة وتعيين قيادة جديدة تمتلك الخبرة والكفاءة اللازمة لقيادة عملية التعافي، تقوم باتخاذ قرارات سريعة ومدروسة بناء على بيانات وتحليلات دقيقة، وتعمل على تعزيز ثقافة مؤسسية قائمة على التعاون والشفافية والابتكار، ثم إعادة هيكلة العمليات بتقييم دقيق وموضوعي لها ولمراحلها وإجراءاتها فضلا عن سياساتها، لتحسين الكفاءة والفاعلية، وتبني أفضل الممارسات التشغيلية، ثم تعزيز واستمرار تعزيز مهارات القيادة والإدارة لدى القيادة في مستوياتها المختلفة، بتوفير برامج تدريب وتشجيع تبادل المعرفة والخبرات، مع تقييم مستمر للتصحيح والتطوير.

- تولي إدارة مالية محترفة، تقوم بالتخطيط الدقيق لمالية المؤسسة، وتعمل على مراجعة وإدارة التكاليف بشكل دوري لتجنب الإنفاق الزائد وتحديد التكاليف غير الضرورية واتخاذ إجراءات لتخفيضها، وتحسين إدارة التدفقات النقدية والحرص على وجود تدفقات نقدية مستقرة وكافية لتلبية الالتزامات المالية من خلال تحصيل المستحقات بسرعة، والتفاوض مع الموردين للحصول على شروط دفع أفضل، والبحث عن مصادر تمويل جديدة تناسب الحالة والظروف والنشاط، مثل زيادة الاستثمارات، أو بيع الأصول غير الضرورية، ووضع ميزانيات دقيقة، وإجراء مراجعات وتقييمات مالية دورية لمعالجة المشكلات وللتحسين والتطوير.

- تبني وتنفيذ استراتيجية لتحسين المنتجات والخدمات، باعتماد استراتيجية الابتكار لتطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات العملاء والمستفيدين وتفوق توقعاتهم، وتجاري تطور المنافسين إن لم تسبقهم، مع تحسين جودة المنتجات والخدمات الحالية لضمان تحقيق أهداف ورضا العملاء والمستفيدين وزيادة ولائهم.

- تطوير استراتيجيات التسويق والمبيعات، بتحليل السوق وإجراء أبحاث سوقية لفهم احتياجات العملاء وتوجهات السوق، واعتماد استراتيجيات تسويقية جديدة ومبتكرة وتطوير استراتيجيات تسويقية فعالة لجذب عملاء جدد وزيادة الحصة السوقية، وتحسين وتعزيز خدمة العملاء لضمان رضاهم وتحويلهم إلى عملاء دائمين.

-  إدارة محترفة للتغيير، بالتواصل الفعال مع المنتسبين والموظفين والعملاء والمستثمرين حول خطط التعافي والتغييرات التي ستحدث، وتوفير التدريب والتطوير والدعم اللازمين للموظفين والمنتسبين لدعمهم وحفزهم على التكيف مع التغييرات الجديدة، وتبني ثقافة الابتكار والتغيير وتعزيزها المستمر داخل المؤسسة.

- مراقبة وتقييم الأداء، بتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) وتطبيق هذه المؤشرات لمراقبة مدى تحقق الأهداف والآثار، مع إجراء تقييمات دورية للأداء وتعديل الخطط والإجراءات بناء على نتائج الرقابة والتقييم.

- إدارة المخاطر بفعالية بإنشاء وحدات مختصة بإدارة المخاطر وتطبيق أنظمة إنذار مبكر لرصد المخاطر المحتملة، وتحديدها وتطوير خطط لإدارتها والتعامل معها، وإعداد خطط طوارئ للتعامل مع الأزمات غير المتوقعة.

- التواصل الفعّال والشفاف، وضمان وجود قنوات اتصال مفتوحة وفعالة بين جميع مستويات المؤسسة، وتشجيع الشفافية والمشاركة الفعالة للمعلومات بين القيادة والمنتسبين.

-تطوير ثقافة تنظيمية إيجابية، وبناء بيئة عمل إيجابية تدعم النمو والتطوير المستمر، وتشجيع التعاون والعمل الجماعي، وتقدير جهود المنتسبين، وتعزيز الشعور بالانتماء.

- التوافق مع القوانين واللوائح والامتثال القانوني والتأكد من أن جميع الأنشطة تتوافق مع القوانين واللوائح المحلية والدولية، ومراجعة وتحديث السياسات الداخلية بانتظام لضمان الامتثال الكامل.

- بناء شراكات استراتيجية، وتعاون مع الشركاء من الموردين والعملاء والشركاء الآخرين لتعزيز القدرة التنافسية، وتوسيع الشبكة، والاستفادة من العلاقات التجارية والشراكات لتوسيع نطاق الأعمال.

- الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، وتبني ممارسات مستدامة تحافظ على البيئة وتعزز المسؤولية الاجتماعية، والالتزام بمبادئ المسؤولية الاجتماعية لتعزيز سمعة المؤسسة وبناء علاقات إيجابية مع المجتمع.

متى يمكن التأكد من أن المؤسسة مستقرة وتحقق أهدافها؟

بصورة إجمالية يمكن القول إن المؤسسة مستقرة وتحقق أهدافها عندما تتوفر عدة مؤشرات تدل على صحتها الإدارية والمالية، والكفاءة التشغيلية، ورضا العملاء، واستقرار الموارد البشرية، وقدرتها على الابتكار والنمو المستدام، وبصورة أكثر تفصيلا يبدو استقرار المؤسسات من خلال التأكد من المؤشرات التالية:

- الكفاءة القيادية والتشغيلية، بتحقيق الرؤى والاستراتيجيات، والقدرة على تقديم المنتجات أو الخدمات بكفاءة وبجودة عالية وفي الوقت المتفق عليه أو المناسب للمستفيدين، مع ترشيد التكاليف من خلال التحكم في التكاليف التشغيلية وتحقيق وفورات دون التأثير على جودة المنتجات المقدمة للعملاء والمستفيدين، مع استمرار تحسين العمليات الداخلية لزيادة الكفاءة والفعالية.

- الأداء المالي القوي خاصة للمؤسسات الربحية، بتحقيق أرباح مستدامة على مدى فترة زمنية طويلة، وتحقيق كفاية مالية للتشغيل وتحقيق الأهداف للمؤسسات غير الربحية، من خلال وجود نمو مستقر في الإيرادات بمرور الوقت، وإدارة الديون بكفاءة فضلا عن عدم وجود ديون للمؤسسات غير الربحية، مع توفر موارد مالية مستدامة تضمن استمرار النشاط وتحقيق رؤية المؤسسة.

- تحقيق رضا العملاء والمستفيدين، وزيادة قاعدة العملاء بجذب عملاء ومستفيدين جدد والاحتفاظ بالعملاء والمستفيدين الحاليين، من خلال تقديم منتجات وخدمات تلبي احتياجاتهم وتوقعاتهم، مما يسهم في تعزيز سمعة المؤسسة وقيمة علامتها المسجلة في السوق وبين المستفيدين.

- استقرار الموارد البشرية، بانخفاض معدل دوران الموظفين والمنتسبين، مما يشير إلى رضا واستقرار القوى العاملة، وتطوير الموظفين والمنتسبين بتقديم برامج تدريب وتطوير مستمرة لتحسين المهارات وزيادة الإنتاجية، مع إشاعة بيئة وثقافة عمل إيجابية مشجعة على التعاون والابتكار.

- الابتكار والنمو المستدام، بالتطوير المستمر للمنتجات والخدمات، وتقديم منتجات وخدمات جديدة ومبتكرة تلبية لاحتياجات السوق والمستفيدين المتغيرة والمتطورة، وذلك بالاستثمار المناسب في البحث والتطوير لتعزيز القدرة التنافسية وتحقيق نمو مستدام وتوسيع نطاق الأعمال بمرور الوقت.

- الامتثال والحوكمة المناسبة، من خلال التزام المؤسسة بالقوانين واللوائح التنظيمية والمحافظة على سمعتها القانونية، مع إجراء وتطوير حوكمة فعالة، تنتج هيكلا قويا يضمن الشفافية والمساءلة في عمليات الإدارة واتخاذ القرارات.

- التوازن في المخاطر، وإدارة المخاطر بفعالية من خلال وجود نظام فعال لإدارة المخاطر يحمي المؤسسة من الأزمات المحتملة، وتنويع الاستثمارات ومصادر الإيرادات لتقليل المخاطر المالية.

- التأثير الاجتماعي والبيئي والتزام المؤسسة بالمسؤولية الاجتماعية والمشاركة في مبادرات تدعم المجتمع، وتطبيق ممارسات مستدامة تحافظ على البيئة وتساهم في التنمية المستدامة.

عند توفر هذه المؤشرات والدلائل نستطيع الحكم بأن هذه المؤسسة مستقرة تحقق أهدافها ورؤيتها.

(مستشار التطوير المالي والإداري)